شعب البحرين نموذج حضاري في الحراك السلمي
علي إبراهيم مطر
تتكون الدولة عندما تتوفر لها ثلاثة عوامل أساسية لا يمكن بغياب أحدها أن تبصر النور، الأرض (الاقليم) السلطة السياسية (السيادة) والشعب (اساس بناء الدولة وقيامها)، فكيف يمكن أن تقوم الدولة على الاقليم بلا وجود من يعطيها السلطة ويمدها بها بشكل منتظم؟
يتكون شعب الدولة أساساً من مجموعة من الأفراد يستقرون على أراضيها (هؤلاء من الابناء الاصليين ولكن هناك من يعيش على الارض فيصبح من الشعب) ويرتبطون بها برابطة سياسية وقانونية وعاطفية. ويعيش ابناء الشعب في إطار واحد من الثقافة والعادات ضمن مجتمع واحد وعلى أرض واحدة. ومن الأمور المميزة لكل شعب طريقة تعاملهم وشكل العلاقات الاجتماعية.
لا يعتبر عدد السكان ركناً أساسياً من الأركان المكونة لعنصر الشعب حيث يمكن أن يكون عدده قليلاً ويمكن أن يكون كبيراً. وعادةً ما تأتي أقلية أو عائلة لتحكم هذا الشعب سواء ملكية أو غير ذلك، وما يحصل في بلدان الخليج والبحرين من حكم دكتاتوري يعتبر نموذجا لهذه البنية.
الشعب عماد السلطة
لقد قامت دساتير العالم في الدول الديمقراطية أو التي تتمتع بشيء من ذلك، على اعتبار الشعب مصدر السلطات وهو من يأتي بالحاكم. وقد حددت الدساتير المعاصرة صلاحيات الشعب بتفويض السلطة، واختيار السلطتين التنفيذية والتشريعية وممارسة الحكم وفق ما ينص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عبر ممثلي الشعب لتنظيم عملية الحكم. هذا الحق اكدته المادة 21 من الإعلان بالقول ان لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختياراً حراً.
واشارت الى أن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت، وهذا ما أكدته ايضاً المادة 25 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
في الأنظمة الديمقراطية على عكس الدكتاتورية، يكون هناك فرصة دائمة لتغيير السلطات، فالشعب فقط يمكن أن يوازن بينها بتوزيعها على اتجاهات مختلفة أو يمكنه أن يفوض اتجاها سياسيا واحدا لإدارة البلاد.وتقوم مسؤولية الدولة تجاه الشعب على حفظ حقوقه وفي مقدمتها حقه بالحياة برفاهية، وتأخذ منه السلطة وفق الدستور والقوانين المكملة له، والتي تمكنها من أداء مسؤولياتها لضمان حياة الأفراد وتلبية تطلعات الشعب والعمل على التقدم نحو المستقبل.
واقر الاعلان العالمي في المادة 20 بان "لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية"، وذلك من أجل تأكيد حق ابناء الشعب بالاشتراك في إدارة الشؤون العامة.
شعب البحرين مدرسة في الحراك السلمي
إن شعارات الديمقراطية لا تنطبق على سلطات البحرين، كما لا ينطبق شعار حقوق الإنسان على الشعب البحريني المجرد من أدنى حقوقه، والذي يقدم أرقى نموذج حضاري في للثورة السلمية.
شعارات الشعب مصدر السلطات لا تطبق في البحرين، بل إن ما يطبق هو القمع والبطش والتنكيل والقتل والافلات من العقاب، وقد وسعت السلطات بشكل مستمر هذه الانتهاكات، دون تحرك كبير يذكر من قبل المجتمع الدولي، علماً أن تقرير لجنة تقصي الحقائق في البحرين برئاسة الدكتور شريف بسيوني خلص إلى أن "مواجهة المتظاهرين في البحرين بالقوة تسببت في موت مدنيين وزيادة التوتر في الشارع البحريني"، كاشفاً أن السلطات البحرينية "لجأت إلى استخدام القوة المفرطة وغير الضرورية" بما في ذلك "بث الرعب بين المواطنين وإتلاف الممتلكات خلاف التعليمات التي لديهم".
وأكد التقرير أن التعذيب "مورس على المعتقلين بشكل متعمد بهدف انتزاع الاعترافات أو للعقاب والانتقام". وخلص التقرير المكون من 500 صفحة باللغتين العربية والإنكليزية إلى أن ما تعرض له المعتقلون عبّر عن "أنماط سلوك تقوم بها الجهات الحكومية ضد فئات معينة. وقد شمل التعذيب أشكالاً مختلفة تندرج ضمن تصنيف التعذيب وفق معاهدة مناهضة التعذيب". هذا منذ عام 2011 أي ما منذ ثلاث سنوات تقريباً، فكيف اليوم وقد زاد هذا القمع والبطش وانتهاك حرمات المنازل والاعتقال التعسفي والبطش الذي يمارسه منتسبو الأجهزة الأمنية بشكل تصاعدي؟
إن هذه السلمية اعطت الثورة البحرينية رونقاً وميزة لم تشهدها الكثير من ثورات العالم، لتكون هذه الثورة بصدق نموذجاً يحتذى به. وسيبقى العار يلاحق دول الغرب التي تخلت عن شعاراتها بالديمقراطية وحقوق الإنسان عندما وصل الأمر إلى مصالحها في البحرين، فيما سيكون المسار في نهاية المطاف انتصار شعب ظلم واستخدمت ضده كل انواع الأسلحة للقضاء عليه من قبل ملك ما كان ليصبح حاكماً لولاً وجود هذا الشعب، ولكن لا بد للقيد أن ينكسر.
https://telegram.me/buratha