مازال النظام في البحرين، ومن يؤيد سياساته في تنظيمات وشخصيات سياسية ودينية، يمارس سياسة كارثية لا تهدد تكوينا بعينه من مكونات الشعب البحريني ، بل يهدد البحرين ككيان ووجود على المستقبل القريب.
بالتزامن مع هذه السياسية الكارثية ، يمارس النظام ومؤيدوه ، سياسة موازية اشبه ما تكون بسياسة النعامة ، حيث يدفن رأسه في التراب ، ليس فقط لكي لا يرى تداعيات سياساته ، بل لكي لا يسمع حتى الاصوات الوطنية التي حذرت ومازالت تحذر وبمسؤولية عالية ، السلطات من التمادي بهذه السياسية.
السلطات البحرينية والمؤيدون لها ، عوضا عن وضع الاصبع على الجرح ، والاشارة بالاسم الى الاخطاء الكبيرة التي وقعت بها هذه السياسية ، نراها تلقي اللوم على هذا وذاك في محاولة للتهرب من مسؤوليتها ازاء ما يحدث في البحرين من اضطرابات سياسية واجتماعية واقتصادية ، الى الحد الذي لم يجد أحد مؤيدي النظام ما يبرر به الحالة السياسية المتردية في البحرين الا شبكات التواصل الاجتماعي لا سيما “تويتر” ليحملها مسؤولية ما يحدث!!.
فهذا الشيخ السلفي البحريني، صلاح الجودر، يدعو الى مقاطعة موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” باعتباره أحد وسائل التحريض وتأجيج الفتن وتأليب العامة ضد الحاكم!!.
ويقول الجودر وهو خطيب جامع الخير في قلالي “إن من أكبر وسائل التحريض والتأجيج بين الناس اليوم هي مراكز التواصل الاجتماعي ومنها التويتر، فهناك من يعتبرها الصادق الأمين، وأنها مقدمة على كتاب الله وسنة رسوله، فاحذروا هذه المراكز وما تبثه هذه الأيام من أكاذيب لإيقاع العداوة والبغضاء بين الحكام والمحكومين، فقد يئس أعداء الوطن من تحقيق مؤامرتهم الكبرى على البحرين عام 2011، فها هم في مخطط آخر بعد أن أخزاهم الله في مشروعهم التدميري لتغيير هوية ابناء الوطن”!!.
وأشار الى أن “الأراجيف والشائعات التي تسبح في الفضاء إنما تستهدف الوحدة والتكاتف، وتسعى إلى إثارة النعرات والأحقاد لتحطم الروح المعنوية، وتفقد الثقة بالنفس والأمة والقيادة، إن أعظم ما يسعى له الشيطان وأعوانه من الجن والإنس هو التحريش بين المسلمين”!!.
نقلنا هذه الفقرات المطولة من كلام الجودر من اجل ان يقف القارىء الكريم على طبيعة تفكير النظام والمؤيدين له ، وكيف ينظرون الى المشاكل التي تمر بها البلاد ، والى الاسباب التي تقف وراءها ، وكيفية معالجتها ، فهي طبيعة، كما قلنا، اشبه بطبيعة النعامة، والادهى، الجهات التي تحمل مثل هذه الافكار، ومن ضمنها الحكومة، تسعى الى إقناع الاخرين بوجهة نظرها السطحية للازمة السياسية التي تواجهها البلاد ، ولسان حالها يقول ، حاول ان تكون مثل النعامة وادفن رأسك بالتراب ، عندها سيتأكد لك انه ليس هناك اية مشاكل في البلاد، واذا كان هناك شيء ما فسببه التويتر!!.
اما خطاب المعارضة الوطنية البحرينية، فهو خطاب على النقيض من خطاب السلطات والمؤيدين لها ، فهو يكشف وبشكل موضوعي وبالوثائق وبالارقام عن الاسباب الحقيقية وراء ما يجري في البلاد، ويدعو الجميع للتعرف عليها بهدف مواجهتها وحلها ، بعيدا عن الشعارات الجوفاء ، وسياسة التخوين والصاق الاتهامات ، وتكميم الافواه ، ومصادرة الحريات، والقمع والسجن والتعذيب والقتل، فهي سياسات ، اثبتت التجربة فشلها الذريع ، وتسببت في تعقيد المشهد البحريني اكثر مما هو معقد.
ان المشروع التدميري لتغيير هوية أبناء الوطن الذي تحدث عن الجودر ، ليس بفعل التويتر او المعارضة !!، بل هو بفعل السياسة الكارثية للنظام البحريني ، الذي يحارب ابناء البحرين الاصلاء عبر التجنيس السياسي خارج إطار القانون ، لعشرات الآلاف من الأجانب ، وعبر سحب الجنسية من ابناء البلد الاصلاء ، وعبر دعم وتمويل “داعش” والزمر التكفيرية ، وتجنيد مقاتلين لها ، بشهادة حلفاء النظام من الامريكيين والغربيين وبشهادة بعض المسؤولين الامنيين والسياسيين البحرينيين ، وعبر قمع التظاهرات السلمية والحضارية للشعب ، وعبر زج الالاف من المواطنين بالسجون ومحاربتهم في ارزاقهم لانهم اعربوا عن معارضتهم السلمية للسياسة الطائفية ، ورهن البلاد ومقدراتها للشقيقة الكبرى ، التي استباحت كل سيادة وكرامة لشقيقتها الصغرى!! ، وعبر الاستقواء بالاجنبي على ابناء البلد، وقبل كل هذا وذاك عبر التعامل الامني والطائفي مع ابسط المشاكل والقضايا الاجتماعية.
اكثر السياسات التي تتبعها السلطات البحرينية كارثية هي سياسة التجنيس، التي تعتبر استراتيجية ثابتة ، تعمل الحكومة بكل ما تملك من امكانيات على تنفيذها من اجل تغيير التركيبة السكانية في البلاد، وهي سياسة لم يشهد لها العالم مثيلا الا في فلسطين المحتلة من قبل الصهيونية العالمية.
فلم يسجل التاريخ المعاصر ان تقوم سلطات بلد ما ، كما حدث في البحرين ، بتجنيس ثلاثين الفاً من جنسيات مختلفة ، للعمل في الأجهزة الامنية ، لقمع ابناء البلد الاصليين ، حيث تؤكد الدراسات ان الشعب البحريني سيكون اقلية في بلاده في غضون الاعوام العشرة القادمة!!.
واعتبرت المعارضة البحرينية التجنيس بانه أسوأ مشروع شهدته البحرين خلال العقدين أو الثلاثة الأخيرة ، بينما وصف المساعد السياسي لأمين عام جمعية “الوفاق” الوطني المعارضة، خليل المرزوق، عملية التجنيس السياسي الجارية في البحرين منذ سنوات بأنها تقترب من “الإبادة الجماعية”.
وتشير الارقام الرسمية للنظام ان السلطات جنست 95,372 أجنبيا، أي بنسبة تصل إلى 17,3% من عدد السكان ، وهو ما يعني أن هناك تغييرا في التركيبة الديمغرافية بنسبة 17%”، وهذا شيء مهول لا يمكن أن يصدق ، حسب تعبير المرزوق.
المعارضة البحرينية ، ووفقا للارقام والاحصائيات التي تعلن عنها السلطات البحرينية، تؤكد انه بعد عام 2040 لا يمكن أن يصمد النص الدستوري بأن البحرين عربية إسلامية، لأن هويتها ستصبح غير ذلك، لذا نحن أمام مخطط استعماري “تجنيسي” في غاية الخطورة ، يهدف الى استعمار واغتصاب البحرين على يد مستوطنين من شذاذ الافاق، وسلطات تبحث عن شرعية مزيفة، الامر الذي يضع البحرين امام مستقبل لا يمكن وصفه الا بالمظلم ، وهو مستقبل رسمته السياسة التدميرية الطائشة وغير المسؤولة للنظام البحريني ، وليس “تويتر”!!.
6/5/150120
https://telegram.me/buratha