الحديث الرسمي عن تواجد أمني أجنبي سواء كان خليجياً أم عربياً أم أجنبياً، أصبح أمراً مسلّماً به، ومكشوفاً حتى من قبل السلطة التي لم تعد قادرةً على «التكتم» على الأمر في ظل الأحداث المتلاحقة التي تشهدها البحرين فلا تتردد في الاعتراف بذلك.
حالياً تشهد البحرين تواجد قوات أمنية وعسكرية «أجنبية»، سواءً كانت عربية أو غربية على أراضيها، بحجج وذرائع متعددة، منها الأميركية، والسعودية، والإماراتية، والأردنية، والبريطانية، كما أنه ليس سراً ولا ممنوعاً الحديث أيضاً عن وجود جنسيات كثيرة تعمل ضمن القوات الأمنية المختلفة في البحرين، وذلك بحسب وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة في مقابلة صحافية بثت عبر قناة «العربية»، وعمّمتها وكالة أنباء البحرين (بنا) في (19 أكتوبر/ تشرين الأول 2011) عندما نفى وصف «المرتزقة»، قائلاً: «لا يوجد لدينا مرتزقة، نحن لدينا إخوان يعملون منذ سنين».
القاعدة الأميركية، أو ما يعرف دولياً بقيادة الأسطول الخامس الأميركي، وبحسب الوثائق فإنها كانت موجودةً منذ أكثر من عقد من الزمن، ولكن استمرار وجود الولايات المتحدة في منطقة الجفير بالمنامة، تم تنظيمه للمرة الأولى قبل نحو 60 عاماً ببنية تحتية حديثة، ومنذ العام 2010 شرعت القوات البحرية على خمس سنوات في مشروع تبلغ تكلفته 580 مليون دولار أميركي لتوسيع القاعدة واقتراح بمضاعفة حجم المنشأة.
بسبب وجود القاعدة الأميركية شهدت البحرين «أزمة دستورية»، إذ طالب أعضاء مجلس النواب في سنة 1975 أمير البلاد آنذاك المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة بطرد القاعدة البحرية الأميركية من البحرين على الرغم من دفع 6 ملايين دينار بحريني سنوياً لميزانية الدولة، ما أدى إلى إصدار الأمير مرسوماً أميرياً بوقف العمل بالدستور لأجلٍ غير مسمى.
وفي 27 مايو/ أيار 2007 صرّح وزير الدولة للشئون القانونية السابق (1971-1995) حسين البحارنة بأن المطالبة بطرد الأميركان من البحرين كان خطأ جسيماً.
على الصعيد الخليجي، فقد بدأ التواجد العسكري فعلياً في الرابع عشر من مارس/ آذار 2011 أولاً بتشكيلات من وحدات الحرس الملكي السعودي والتي عبرت الحدود إلى البحرين عبر جسر الملك فهد، ومن ثم وصول وحدات إضافية من الإمارات وقطر في الأيام التالية، وذلك لـ «مساعدة» البحرين في حماية المنشآت والمواقع الحيوية ولاسيما حقول النفط، وللدفاع عن البحرين ضد أي تدخل أجنبي (في إشارةٍ إلى إيران). وفي وقت لاحق من ذلك الأسبوع قامت تشكيلات بحرية كويتية بدوريات استطلاع قبالة سواحل البحرين، دون أن يكون لها وجود فعلي على الأراضي البحرينية.
منذ ذلك اليوم لازالت قوات درع الجزيرة متواجدةً في البحرين، ورغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على دخولها، فإن أسباب وجودها كما يبدو لازالت كما هي في السابق.
قوات إماراتية أخرى موجودة في البحرين، لا علاقة لها بدرع الجزيرة، كشف عن وجودها مقتل ضابط إماراتي في منطقة الديه التي كانت تشهد اضطرابات أمنية «محلية» في الثالث من مارس/ آذار 2014، إذ خرجت وزارة الداخلية البحرينية لتؤكد أن الضابط الإماراتي الذي قتل في ما عُرف بـ«تفجير الديه»، كان موجوداً ضمن ما سمي بـ«أمواج الخليج»، والتي قيل أنها منبثقة عن اتفاقية التعاون الأمني الخليجي المشترك، ومنذ ذلك اليوم أيضاً أصبح الأمر علناً قيام المسئولين الإماراتيين بزيارات رسمية لقواتهم الخاصة في البحرين وتناول وجبات معهم، والخروج بتصريحات علنية عن وجودهم، دون الكشف عن مهامهم في البحرين.
كما انشغلت وسائل الإعلام الأردنية في أبريل/ نيسان 2014 بتصريحات وزيرة شئون الإعلام المتحدث الرسمي باسم الحكومة (سابقاً) سميرة رجب التي زارت الأردن في ذلك الوقت، وحديثها عن وجود «الدرك الأردني» في البحرين، وبغض النظر عن أسباب وجوده. فجّر حديث الوزيرة (السابقة) أزمة إعلامية في الأردن قبل البحرين، في ظلّ النفي المستمر للحكومة الأردنية لوجود أي نوع من أنواع التواجد العسكري الرسمي الأردني في البحرين طوال السنوات الثلاث الماضية، حتى دعت الحكومة الأردنية في (22 مايو/ أيار 2011) إلى ضرورة «التفريق بين القوات الأردنية الأمنية والعسكرية وبين وجود أردنيين يعملون في الأجهزة الأمنية في البحرين وقطر ودول خليجية أخرى تم التعاقد معهم بصفتهم مواطنين أردنيين لا جزءاً من المؤسسة الأمنية والعسكرية الأردنية».
أجبرت تصريحات سميرة رجب في ذلك الوقت، الحكومة الأردنية على الاعتراف ولأول مرة، بوجود قوات لها في البحرين، إذ خرج وزير الإعلام الأردني ليعترف رسمياً بأن التعاون الأمني مع البحرين قديم ومستمر، وأن «ذلك مُحدد في مجال تبادل الخبرات والتدريب».
الوجود العسكري الأردني في البحرين، عاد إلى الواجهة من جديد، مع إعلان وزارة الداخلية البحرينية عن مقتل «درك أردني» بانفجار في منطقة دمستان في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2014، وعلى إثر ذلك قام وزير الداخلية بزيارة «خاطفة» إلى الأردن لتعزية أسرة الفقيد، والتأكيد على استمرار التعاون الأمني بين البلدين.
خلال الأيام الماضية أيضاً أخذت اتفاقية إنشاء قاعدة عسكرية بريطانية جديدة في البحرين، لتكون أول قاعدة دائمة بريطانية منذ انسحابها من المنطقة العام 1971، حيّزاً كبيراً شغل الرأي العام المحلي والعالمي، كون هذه الخطوة عودةً للوجود العسكري البريطاني إلى المنطقة من جديد، ومن بوابة البحرين أيضاً.
البحرين بحجمها الصغير جداً، أصبحت كما يبدو، مركزاً لتجمع قوات عسكرية خليجية وعربية وأجنبية، ولأسباب وذرائع مختلفة، إذ لازال الشارع البحريني غير قادر على استيعاب وجود هذا الكم الكبير منها.
هاني الفردان-"الوسط"
14/5/141216
https://telegram.me/buratha