تابعت جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) باهتمام بالغ ما تداول في الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي حول مقتل المواطن حسن مجيد الشيخ، المحكوم جنائياً 10 سنوات في سجن جو المركزي، قضى منها ست سنوات فعلية، والذي أفادت عائلته أنه لقي مصرعه تحت التعذيب، حيث كانت آثار الضرب واضحة وأخفت ملامح وجهه، عندما رأته في مشرحة السلمانية يوم الجمعة الموافق 7 نوفمبر.
وتدين (وعد) بشدة استمرار استخدام منتسبي الأجهزة الأمنية التعذيب تجاه النزلاء وتوظيف ممارسات اجرامية مدانة عالمياً، تسلب حق الحياة، وسط عجز تام للضحية وشيوع ثقافة الافلات من العقاب والحصانة للمنتهكين ومسؤوليهم في الرتب العالية، في تجاهل واضح لمضامين توصيات اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق، حيث نصت التوصية رقم (1716) بوضع ((آلية مستقلة ومحايدة لمسائلة المسئولين الحكوميين الذين ارتكبوا أعمالاً مخالفة للقانون أو تسببوا بإهمالهم في حالات القتل أو التعذيب وسوء معاملة المدنيين، وذلك بقصد اتخاذ إجراءات قانونية وتأديبية ضد هؤلاء الأشخاص بمن فيهم ذوي المناصب القيادية، مدنيين كانوا أو عسكريين، الذين يثبت انطباق مبدأ (مسئولية القيادة) عليهم وفقاً للمعايير الدولية)). وفي تجاهل لمضامين التوصيات الأممية الـ (176) في عام 2012م، التي أوصت بها 67 دولة، والتي ركز جزء كبير منها على التعذيب وسوء المعاملة.
ان مقتل حسن الشيخ بهذه الطريقة المجرمة، يأتي مؤكداً أن التعذيب لانتزاع الاعترافات أو الانتقام هو ممارسة راسخة وممنهجة في التعامل مع الموقوفين والمحتجزين، وأن التدريب الذي تتحدث عنه التقارير في مجال التحقيقات الفعالة في ادعاءات التعذيب والمعاملة القاسية في ضوء بروتوكول اسطنبول، وضمانات المتهم وفقاً للمعايير الدولية، مسألة نظرية لا جدية لها على أرض الواقع. كما أن القول بأن ممارسات رجال الأمن تصرفات فردية، قول يتناقض مع شهادات الأهالي والمعتقلين أنفسهم وتقارير المنظمات الحقوقية المحلية والدولية ومن بينها منظمة ريدريس وهيومن رايتس ووتش والعفو الدولية ولجنة متابعة تنفيذ اتفاقية مناهضة التعذيب التي وقعت عليها البحرين في 1998م، بل وحتى التصريحات الرسمية من الدولة ومن وحدة التحقيقات الخاصة.
إن التقرير الرسمي المعنون "تجاوز 2011" الصادر من جهاز متابعة تنفيذ "توصيات بسيوني" في فبراير 2014م يذكر أن وحدة التحقيقات الخاصة قد تلقت منذ تأسيسها في العام 2012 أكثر من (150) شكوى، نتج عنها الادعاء على (51) رجل أمن وضابط صف، وأنه قد أدين 9 منهم في سبع قضايا، وأن الوحدة قد بدأت تحقيقاتها مع مسؤولين كبار وضباط من أصحاب رتب عالية تصل إلى عميد تحت مبدأ "مسؤولية القيادة" حيث تكمن جوهر المسائلة، وأن الوحدة قد قابلت فقط بعض هؤلاء المسؤولين حتى فبراير 2014م. ان مثل هذه الأعداد الكبيرة من الحالات المبلغ عنها مقابل بطء إجراء التحقيقات وعدم إصدار الأحكام المتناسبة والجرائم المرتكبة، يبين أن المسائلة غير فعالة وغير جادة، خاصة وأنه لم يسمح للمقرر الخاص المعني بالتعذيب البروفيسور خوان منديز من دخول البلاد للتحقيق في حالات التعذيب حتى الآن.
ان التحقيق السابق في الحالات الخمس التي توفت تحت التعذيب، الواردة بتقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق خلال الفترة من 14 فبراير إلى 15 أبريل2011، بالفقرات (873 -878)، وهي حسن مكي، وعلي صقر، وزكريا العشيري، وعبد الكريم فخراوي، وجابر العلويات، جميع هذه الحالات انتهت المحاسبة في مقتلهم إلى أحكام مخففة على الجناة، وبعد تقرير بسيوني استمرت حالات الوفاة تحت التعذيب لتتراوح بين 10 إلى 15 حالة وفق شهادات الأهالي.
ففي قضية الشهيد فخراوي خفضت محكمة الاستئناف الحكم على المتهمين الشرطيين من جهاز الأمن الوطني من السجن سبع سنوات إلى ثلاث سنوات فقط، وفي مقتل علي صقر، حكم على شرطيين بالسجن 10 سنوات ليخفف الحكم إلى سنتين بعد الاستئناف، أما في قضية مقتل زكريا العشيري فقد برأت المحكمة الكبرى الجنائية الأولى الشرطة الخمسة المتهمين في 12 مارس 2013.
كما يبدو أن التعديلات في أكتوبر 2012م على قانون العقوبات التي استهدفت "استئصال التعذيب" وبالأخص المادتين (208) و (232) التي تضمنت كلتاهما النص "تكون العقوبة السجن المؤبد عندما يؤدي التعذيب إلى موت المجني عليه" لم تجد سبيلها إلى النفاذ بعد، حيث أن كافة الأحكام الصادرة ضد المنتهكين في الحالات التي أفضت إلى الموت المحقق جاءت مخففة مقابل الأحكام المغلظة للمحتجين والنشطاء.
ان حالات كثيرة تنتظر التحقيق الفعال وتحرك المحكمة لتحقيق العدالة وجبر الضرر وتعويض الضحايا، ومن بينها حالة معتقلي الرأي القيادات السياسية والحقوقية، الذين تم فحصهم عندئذ من قبل خبراء لجنة التقصي ضمن 59 حالة أخرى ليستنتج تعرضهم للتعذيب بدرجات متفاوتة، وقد أشار اليهم تقرير اللجنة في الفقرة 1182 بـ "حالات عدد 14 شخصية قيادية سياسية" وفي مقدمهم معتقل الرأي والضمير القائد الوطني المناضل إبراهيم شريف السيد، وحالات الأطباء والنواب السابقين والاعلاميين، ومئات من المواطنين الذين كانت جريمتهم الاحتجاج والتعبير عن رغبتهم في المشاركة السياسية والعدالة الاجتماعية منذ الحراك الجماهيري في فبراير 2011.
وفي ضوء ما تقدم، تطالب جمعية وعد السلطات البحرينية بالإسراع في انشاء مكتب دائم للمفوضية السامية لحقوق الإنسان لتتمكن من انجاز مهماتها في تحقيق العدالة وفق المعايير الدولية، والسماح بزيارة المقررين الخاصين التابعين لمجلس حقوق الإنسان، وعلى الأخص المقرر الخاص بالتعذيب والمعاملة القاسية والحاطة بالكرامة الإنسانية، والانضمام للبروتوكول الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب والبروتوكول الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذين يعطيان للمواطنين حق اللجوء إلى اللجنتين اللتين قرر البروتوكولين تشكيلهما، والانضمام إلى الاتفاقية الدولية بشأن الاختفاء القسري، والانضمام إلى اتفاقية روما بشأن المحكمة الجنائية الدولية، والافراج عن كافة المعتقلين والمعتقلات زينب الخواجة ونفيسة العصفور وريحانة الموسوي وآيات الصفار وزهرة الشيخ وطفلها الرضيع.
كما تطالب "وعد" بطي ملف شهداء التعذيب من الفترة السابقة طوال العقود الماضية عبر كشف الحقيقة ومحاسبة الجلادين وتعويض الضحايا بطريقة عادلة والغاء مرسوم العفو رقم 56م حتى تتعزز ثقافة حقوق الإنسان والمسائلة عن الجرائم، كما شدد السير نايجل رودلي، المقرر الخاص الأسبق للجنة مناهضة التعذيب، وأحد مفوضي لجنة تقصي الحقائق في البحرين في تقارير سابقة، ذلك لأن الرأي القانوني الدولي يعارض عمليات العفو التي تؤدي إلى الإفلات من العقاب عبر إصدار قوانين العفو وتطبيقها، حتى تلك المقدمة باسم المصالحة الوطنية وتوطيد الديمقراطية والسلم واحترام حقوق الإنسان، وحتى تلك المقرة عبر الاستفتاءات الشعبية، لأنها تحمي المسؤولين عن التعذيب من المحاكمة مما يؤدي إلى المساهمة في تعميم ثقافة الإفلات من العقاب. بمعنى أنه "ينبغي استبعاد التعذيب من نطاق القوانين المتعلقة بالصفح" لأن ذلك يلغي المسؤولية الجنائية والمدنية ويضرب بالحقوق المشروعة لأقرباء الضحايا عرض الحائط، ولا ينفع تدبيراً من هذا النوع في تعزيز أية مصالحة أو تحقيق أي عدالة.
جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد)
10 نوفمبر 2014
18/5/141113
https://telegram.me/buratha