قال آية الله سماحة الشيخ "عيسى أحمد قاسم" في خطبة الجمعة بجامع الإمام الصادق (ع) بالدراز بديهيةٌ لا تخفى على أحد، ولا ينبغي أن تكون محلاًّ للاشتباه، بديهيةٌ هي أن ما هو منطقيٌ لا يعطيه منطقيته ولا يسلبها اعتبار -مثل قانون- أو اصطلاح قانوني أو حقوقي أو سياسي، وأن ما هو حقٌ لا يعطيه ولا سلبه حقانيّته كذلك اعتبارٌ أو اصطلاح قانوني أو حقوقي أو سياسي. وما هو صحيحٌ ونافع وما يتحتم في الدين والعقل أن المنطق والحق يحكمان القانون والسياسة لا أن القانون والسياسة يحكمان ما هو منطقيٌ وحقّ. ووضوح كل ذلك يمنع أي اشتباه أو مغالطة فيما ينبغي.
وقال آية الله سماحة الشيخ انزعجت السلطة وبدَت منزعجة جداً مما ذكر عنها بأنها صاحبة فكرة 666 أو 884 على مستوى التشكيلة الوزارية فيما قد يأتي من تشكيلة وصيغة لها.
وموضع الانزعاج الشديد أن هذه الصيغة لا يمكن أن تصدر من السلطة أو توافق عليها لأنها تنطلق من روحٍ فئويةٍ وطائفية وتحكّم المقياس الطائفي في سياسة البلد، وفيها تأثير سلبي كبير على وحدة النسيج الاجتماعي الذي يجب أن يكون متماسكاً، وإلغاءٌ لمقياس المواطنة. تريد أن تقول الدولة بأنها بريئة من كل هذه السلبيات والسيئات.
وإذا كانت الخلفية لهذا الانزعاج هو كفر بالمقياس الطائفي وتمسكها بمقياس المواطنة فالأمر جميلٌ جداً، وبذلك يكون الوطن قد خرج من أزمته واستراح العباد والبلاد والأرض وما عليها ومن عليها، ولكن أتكون هذه الخلفية هي الخلفية الحقيقية لذلك الانزعاج؟
يحدد أن هذه الخلفية حقيقية لذلك الانزعاج أو لا أن تجيب الحكومة إجابة علميةً واقعيةً حقيقية لا لبس ولا مواربة ولا مغالطة فيها، على ما هي الأسئلة التالية:
ما هو واقع التركيبة الوزارية الآن وعدد من التركيبات الوزارية السابقة؟ -نريد إجابات علمية دقيقة وصريحة، والأجوبة هنا معروفة وإن كانت من فم الحكومة أحلى-.
ما هو واقعها من حيث العدد الكلّي –أي الوزارات- في كل تشكيلة وزارية منها، وما هي النسب في كل واحدة منها للعائلة الحاكمة وللطائفتين الكريمتين في الوطن؟
وهذه التشكيلات، بهذا الواقع، من صنع مَن؟ وسياسة مَن؟ وما هو المقياس الذي اعتمده صانعها؟ وفي أي اتجاه كان التطور لهذه التشكيلات؟ في اتجاه التخفيف أو التأكيد للمقياس الثابت الذي كان يقف ورائها؟
وتأتي الأسئلة السابقة كلها في شأن وكلاء الوزارات، والمراكز الإدارية، والمجلس النيابي، ومجلس الشورى، والمؤسسة القضائية، والمؤسسة الأمنية، ومؤسسة الجيش، والمستشارين، وكل أجهزة الدولة ذات الأهمية المتميزة.
وبعد الإجابة الصريحة الحقيقية الخالية من اللف والدوران، سيتضح أن المرفوض من الدولة هو المقياس الطائفي أو نسبة التمثيل التي تتضمنها صيغة 666 أو صيغة 884، وأن ما هو مطلوب ما هو أبشع في الصورة وفي الإطار الطائفي وحسب المقياس الطائفي بأن تكون التشكيلة من مثل 882 على أن نسبة 2 من 18 هي نصيب طائفة معيّنة كُتب عليها في نظر السلطة قدر التهميش والإقصاء والإضعاف.
الإجابة العلمية الدقيقة غير المنفعلة على الأسئلة المتقدمة هي التي توضح الحقيقة.
هل يعود الربيع ربيعاً؟
أطلق عنوان “الربيع العربي” على الثورات العربية التي شهدتها الساحة العربية من قريب، وأظهر ما دفع لإعطاء هذا الوصف لها هو إسقاطها لعدد من كيانات النظام العربي القديم الذي عانت من ويلاته شعوب الأمة الثائرة.
والآن شهد استعمال هذا الوصف انحساراً بدرجة ملحوظة وحلّ في أوساط الأمة يأسٌ بعد الأمل الكبير، والسبب في ذلك هو تخلّف النتائج المتوقعة للشعوب، للأنظمة التي كان مرتقباً أن تتوّلد من رحم هذه الثورات وهي نتائج مغرية فيما كان الظن يذهب إليه.
وأكثر من ذلك أن جاءت النتائج صادمةً، من تقاتلٍ على السلطة، ومذابح بشعة، وهمجية قاسية، وفوضى عارمة، وحياة غابٍ وأخلاقيات حيوان، وخطرٍ يتهدد الأمة كلّها.
الربيع تحوّل في النظر العام من ربيعٍ إلى خريف، ومن نسيمٍ إلى جحيم. ويُسأل ما هو ربيع شعبٍ أو أمة لنتعرف من الجواب ما بين الربيع في معناه الصحيح وصورته الجذّابة الرائعة وبين ما صارت إليه الأمور اليوم وما ينتظر الأمة في غدها القريب أو البعيد.
وإنما يصدق ربيع شعبٍ أو أمة بعددٍ من الأوصاف والمقوّمات، ومن ذلك ما يأتي:
أمنٌ واستقرارٌ يسود حياة المجتمع، وعلاقات عادلة مرضية، وانسجام وتعاونٌ في البناء الصالح للإنسان والوطن بين شعبٍ وسلطته، وأمة وحاكمها.
نظام حكمٍ متوافقٍ عليه، ودستورٌ يكفل العدالة ويقوم على احترام الحق ويحقق حاجات الحياة وطموح الإنسان وهدفه بما هو إنسان، وغايته التي تتناسب مع فطرته وتكوينه المحكم الدقيق الهادف الكبير.
تقدمٌ ولو أولي في مستوى الإنسان وأوضاع حياته من سياسية واقتصادية وصناعية وزراعية وخدمية وصحية وغيرها من أوضاع القوة والبناء السليم، وعودة للقوة والمتانة والصلاح للبنية التحتية للبلاد ووضعها في خطّ النمو والتطور والازدهار.
اكتساب الشعب أو الأمة لفعل تقدمها موقعاً جديداً متقدماً من بين سائر الشعوب والأمم على خلاف ما كان قبل الثورة والنظام الجديد.
خروج الوطن المنتصر من أي تبعية مذلة كان يعيشها قبل الثورة والدولة التي أنجبتها، وتمتعه بإستقلالٍ حقيقي ثابت يقوم على الاكتفاء الذاتي ويضمنه موقع القوة وتعززه الثقة بالذات.
عودة شعوب هذه الأوطان وحكوماتها المنتصرة، أو الأمة إلى انتمائها الحضاري عودةً صادقة، وإلى هويتها الأصيلة التي تمثل سرّة ما يزهيها وتمدها بروح العزة والبناء والجهاد والاستقامة والصمود وتميزها بمستواها الإنساني الرفيع الرائع الجذّاب.
ولا شيء من هذه الكيانات من عطاء الثورات العربية قد تحقق له نصيب من ذلك، بل جاءت النتائج في واقعها الحالي مخيّبة للآمال، ولهذا الواقع المؤسف أسبابه الخاصة المؤلمة وإن كان سير الشعوب الثائرة والأمة الحية الناهضة لا يتوقف وحركتهما لا تعرف الانكسار، ولهذا الموضوع تتمة تأتي إن شاء الله.
مواطنتان:
هناك مواطنتان، مواطنة حقيقية واقعية تتمثل في الولادة على أرض بلدٍ معيّن والعيش فيه، والإنشداد النفسي بها وبجوّها وأهلها والتفاعل مع حركة الحياة القائمة عليها.
ومواطنةٌ أخرى اعتبارية، تعتبر من جهة مسئولة، أو شخصٍ مسئول، يمتلك صلاحية ذلك قانوناً على أساس من شروط ومواصفات محددة فيما ينبغي، أو بصورة اعتباطية غير قانونية كما قد يحصل خارجاً في بعض البلدان وأنظمة الحكم المتخلفة.
وهناك حقوقٌ وواجباتٌ قانونية موضوعها المواطنة بقسميها الواقعية والاعتبارية.
ومما لا ينبغي أن يشك فيه، أن المواطنة الواقعية هي الأصل ولا يمكن للمواطنة من القسم الثاني أن تجاريها ثباتاً وقوة، ولو جاء تفاوت في الحقوق المترتبة على هذه وتلك فلابد أن يكون الترجيح والتميّز للحقوق القائمة على المواطنة الحقيقية المتأصلة.
وهذه المواطنة ثابتةٌ في الواقع لا يلغيها الاعتبار، ومصادرتها تعسفٌ محض، وأي قانون لا يسلبها وصفها وتبقى قائمة في ميزان الحق وبلحاظ تأصلّها.
ونفي المواطن من وطنه لوجهٍ أو غير وجه، عدلاً أو ظلماً، لا يلغي أنه مولودٌ في هذه الأرض وقد عاش فيها، وعودته بعد نفيه لا يحوّل مواطنته من مواطنة واقعية إلى كونها النوع الاعتباري لأنها لم تفقد أصليّتها ووصفها الحقيقي أو قوامها في يومٍ من الأيام.
وهذا النوع القوي المتأصل والأصل في المواطنة يُعامل كما في البحرين هذه الأيام على مستوى كونه ورقةً رخيصة تثبت بالاعتبار وتسقط بالاعتبار وحتى من غير ضوابط أو محددات قانونية ثابتة ولو جائرة. وتُقدّم المواطنة الاعتبارية عليها وتتميّز بحقوقٍ أشد منها حسب هوى السياسة وتقديرها لمصالحها التي لا تعرف حقّاً ولا قيماً.
وفي غياب الرادع يستمر إجراء إسقاط الجنسية اليوم ويتوسع ويهدد كل مواطنٍ أصلي لا ترضاه السلطة.
رين وفي وضعها الواقعي اليوم وفي أكبر مساحة من هذا الوضع، وبلحاظ ما يجري على الأرض فيها من أحكام قضائية وسياسية وتنفيذية وإجراءات أمنية وتشريعات مما يجري على يد السلطات المتعددة اسماً، الواحدة حقيقة ومسمى، هو وضعٌ لا ينتسب إلى خلفية من أحكام الدين ولا دستورٍ عصري ولا قانونٍ عادلٍ، ولا عرفٍ عقلائي، ولا مصلحةٍ وطنية، ولا احترامٍ لحقوق الإنسان وكرامته، إنه وضع خارج العصر وخارج الحضارة، وبعيدٌ كل البعد عن ثوابت الدين وقيمه الخالدة، وضعٌ ممعن في الرجعية والتخلّف، وضعٌ من أوضاع الغاب، وإلا فكيف يحدث كل الذي يحدث على الأرض على يد السلطات المختلفة وكيف يستمر مسلسل إسقاط الجنسية عن المواطنين بالجملة ومن غير حساب؟
.................
8/5/140809
https://telegram.me/buratha