بغض النظر عن المناسبتين اللتين تشهدان الانتشار الأوسع لرفع علم البحرين بلونيه الأبيض والأحمر، في شهري كانون الأول الذي تحتفل فيه البلاد بالعيد الوطني وعيد الجلوس، ومرة أخرى في شهر شباط، حيث تحتفل البحرين بذكرى الاستفتاء على «ميثاق العمل الوطني» الذي دشن مشروع ملك البحرين الإصلاحي في العام 2001.
هذا المشهد يتكرر أسبوعياً تقريباً منذ انطلاق الاحتجاجات في البحرين من دوار اللؤلؤة في العام 2011 وحتى اليوم، وبقي العلم بهيئته الحالية، بلونيه، وبالأحمر الذي يطغى على الأبيض، والمثلثات الخمسة بينهما، هو القاسم المشترك بين كل المختلفين على أرض البحرين.
علم قبيلة آل خليفة قبل الاستعمار البريطاني
إلا أن هذا العلم أصبح مؤخراً موضع خلاف، بعد دعوات إلى استبداله من قبل متبني الخط الثوري والإسقاطي للعائلة الحاكمة، بحجة أنه من مخلفات الاستعمار البريطاني، كما يوضح الاستاذ في علم الاجتماع، في جامعة «لوند» السويدية، المعارض البحريني عبد الهادي خلف.
يقول خلف في حديث إلى «السفير» إن «هذا العلم هو إحدى صور تلك البنديرة التي فرضها البريطانيون بالقوة قبل قرنيْن على جميع مشائخ القبائل في طول الساحليْن الجنوبييْن للخليج العربي، بعدما تمكن البريطانيون من إخضاع الساحل العربي من الخليج إلى سلطتهم، وفرضوا في العام 1820 على شيوخ الساحل العربي توقيع (الاتفاقية العامة)، التي بموجبها خضعت تلك المنطقة وحتى استقلالها في العام 1971 إلى الهيمنة البريطانية».
ويضيف أن «بنود الاتفاقية تتضمن تعهد المشايخ بعدم ممارسة أعمال القرصنة البحرية والتوقف عن التجارة في الرقيق وكذلك الامتناع عن بناء السفن الكبيرة، وتشييد التحصينات في المناطق التي يسيطرون عليها، ومنحت الاتفاقية بريطانيا الحق في تفتيش السفن الخاضعة لمشائخ المنطقة للتأكد من التزامها بشروط الاتفاقية».
علم البحرين بعد الاستعمار سنة 1820 وحتى اكتشاف النفط عام 1932
وتضمنت الاتفاقية أيضاً رفع المشايخ «راية بيضاء تخترقها حمرة» على سفنهم في البحر وعلى أراضيهم، وإلا فإن السفن البريطانية ستُغرق كل سفينة وستقصف كل حصن لا يرفع تلك البنديرة المقررة، بحسب ما يورد خلف.
وجاء في شرحه أن «العلم الموحد للخليج كما صممه البريطانيون كان علماً أحمر يضم حاشية بيضاء ويكون عرض الأبيض في الحاشية مساوياً للعرض الأحمر، إلا أنهم تركوا الخيار لكل قبيلة في تزيين الراية وإضافة شيء من الكتابة عليها، ومنذ ذلك الوقت صارت البنديرة البريطانية علماً لحكام البحرين».
ويسرد خلف تحولات العلم البحريني الذي احتفظ دائما باللونيْن الأحمر والأبيض اللذيْن فرضتهما بريطانيا في العام 1820، فكان العلم ما قبل الاستقلال يتألف من لونين أحمر قرمزي وأبيض، وكان الطرف الفاصل بين اللونيْن خطاً مستقيماً أو مسنناً بثماني أسنان.
علم البحرين بعد اكتشاف النفط عام 1932 وحتى “الاستقلال” عام 1971
بعدها قرر الحاكم الجديد للبلاد الشيخ عيسى بن سلمان تحويل الأحمر القرمزي إلى القاني، يفصله عن الأبيض خط مستقيم أو خط مسنن بثماني أسنان، ليعود الملك الحالي ويغير العلم ليكون أحمر قانياً وأبيض تفصلهما خمسة مثلثات تمثل أركان الإسلام الخمسة، كما ورد في نص القانون، بدلاً من الثمانية بعدما حوّل الدولة إلى مملكة ونصّب نفسه ملكاً عليها في العام 2002.
ويعتبر المعارض خلف أن تفويت فرصة استبدال البنديرة البريطانية بعلم يرمز إلى الاستقلال في العام 1971، وتفويتها مرة أخرى حين تحولت إمارة البحرين إلى مملكة في 2002، لم يكن سهواً، بل هو «إصرار رسمي على عدم اعتبار يوم الاستقلال عيداً وطنياً تحتفل البحرين كلها به، وتبقى البنديرة في نظري رمزاً لحقبة مهينة في تاريخ الخليج العربي».
هذا الطرح الذي أتى به عبد الهادي خلف، الذي أسقطت السلطة في البحرين جنسيته منذ تشرين الأول العام 2012، أصبح نقاشاً وحواراً في أوساط المعارضة ومجالسها العامة، فضلاً عن مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن الجمعيات السياسية المعارضة التي تسيطر على الشارع البحريني أبدت تمسكاً بالعلم الحالي في كل تظاهراتها وعلى مقارها الرسمية، برغم طرح البعض فكرة الاستغناء عنه والبحث عن علم يمثل إرادة الشعب البحريني.
وتعليقاً على ذلك، قالت الصحافية لميس ضيف «لا نعرف أي وحي نزل على من يروج للتبرؤ من علم البحرين والدعوة إلى استبداله (براية للثورة)، في الوقت الذي توالت فيه الحركات الشعبية في البحرين منذ العشرينيات، وفي زوايا تاريخنا مناضلون بحجم وطن لم يقل أحدهم يوماً إن العلم خليفي ويجب دوسه».
وأضافت ضيف أن «هناك خريطة برتغالية تعود إلى العام 1500 يظهر فيها العلم على ميناء بندر عباس أنه علم (سليمي) سبق كيانهم بكثير»، ودعت إلى تجاهل هذه الدعوات التي رأت بأنها «تشق الصف وتضر بالمصلحة الوطنية».
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha