دعا "المجلس الإسلامي العلمائي" وهو أعلی هيئة دينية للطائفة الشيعية بالبحرين في بيان له مساء يوم السبت الشعب البحريني لتواجد بكل قوة في الفعاليات السلمية التي ستنظم بمناسبة الذكرى الثالثة لثورة الرابع عشر من فبراير، مؤكداً على حق الشعب في نيل حقوقه المشروعة ومطالبه العادلة.
وأكد المجلس أن الحكم بحله "حكما جائرا يمثل استهدافا طائفيا، واضطهادا مذهبيا، ومحاصرة للحرِية الدينية، ومواجهة للوجود العلمائي في البلاد"، مشيراً إلى أن "المجلس العلمائي يمثل واجهة لذلك الوجود الممتد في تاريخ البحرين وحاضرها، والمتجذر في الوجدان الشعبي".
وفيما يلي نص هذا البيان:
العلمائي .. حقيقة ناصعة
مهما حاولت السُّلطة ممثَّلة بوزارة العدل والشُّؤون الإسلاميَّة أنْ تقلب الحقائق، وتزيِّف الأمور، وتكابر باتِّهام المجلس الإسلاميِّ العلمائيِّ بتُهمٍ لا أساس لها من الصِّحَّة، بل وتصدر أحكامًا قضائيَّة على أساس هذه التُّهم الباطلة، فإنَّ الحقيقة النَّاصعة للمجلس الإسلاميِّ العلمائيِّ والدَّور الرَّائد، والأفق الواعد له وللوجود العلمائيِّ المخلص النِّشط لا يمكن أنْ يصادر بهكذا أحكام.
وهنا نرى من الضَّروري بيان النّقاط التَّالية:
١- المجلسُ الإسلاميُّ العلمائيُّ بريءٌ من جميع التُّهم الموجَّه له، وهي تُهم كيديَّة وسياسيَّة بامتياز، فالمجلس - الذي ما فتِئ يدعو للوحدة الإسلاميَّة والتَّآلف والتَّقارب بين جميع المسلمين فضلًا عن أبناء الوطن الواحد، ويؤكد دائمًا على مفاهيم الأُخوَّة والمحبَّة، والعَيش المشترك، والعدالة والمساواة بين المواطنين، ونحو ذلك ممَّا يكرِّس مفهوم الوحدة الوطنيَّة الحقيقي الذي لا يسمح بممارسة التَّمييز والتَّهميش تجاه أيِّ مواطن، ويقف بكلِّ قوَّة أمام المنطق الطَّائفيِّ، ودعوات الكراهية والتَّكفير، وخَلْق الفتنة المذهبيَّة - نرى الوزارة المذكورة تتَّهمه بأنَّه يمارس الطَّائفيَّة السِّياسيَّة، وأنَّه مشروع تمزيق للوحدة الإسلاميَّة وشقٍّها، والعبث بالنَّسيج الوطنيِّ، واستهداف مفهوم المواطنة، ومبادئ سيادة القانون والمساواة والمسؤوليَّة أمام القانون ...!، وكأنَّها تتحدَّث عن كيان مجهول قابع بين ركام التَّاريخ القديم، لا عن كيان يعيش مع الأمَّة، ويمارس دوره أمام الملأ، ويشهد نظامه الأساس وأدبيَّاته وبياناته وبرامجه ونشاطاته على استقامته الفكريَّة والعمليَّة، بل على تميُّزه وريادته في مساحات العمل الدِّينيِّ والاجتماعيِّ المختلفة، وتبنِّيه الصَّادق لقضايا الأمَّة الكبرى، ورعايته لمصالح الوطن الحقيقيَّة.
ولكن يظهر بوضوح أنَّ السَّبب الأساس لجميع هذه التُّهم هو رفض المجلس - بما يمثِّله من بُعد دينيٍ وعلمائيٍّ - أنْ يكون تحت هيمنة السُّلطة السِّياسيَّة وأهوائها ومصالحها الضَّيِّقة، وقد قلناها سابقًا، ونقولها مكرَّرًا: "إنَّ الشَّأن الدِّينيَّ والعلمائيَّ لا يمكن إلَّا أنْ يكون مستقلًّا بعيدًا عن هيمنة السِّياسة وحساباتها الخاصَّة، لأنَّه يرتبط بالمبدأ، ويستمدُّ شرعيَّته ومسؤوليَّته من الشَّارع الأقدس، هذه الشَّرعيَّة والمسؤوليَّة التي لا تتحرَّك إلَّا في إطار ضوابط الشَّرع، ومنطق العقل والعدل، ولا يصحُّ أنْ تكون آلة بيد السِّياسة وأهوائها".
وهنا نؤكِّد على منهجيَّتنا الثَّابتة التي لن نتخلَّى عنها أبدًا، وهي التَّمسُّك بالوحدة الإسلاميَّة والأُخوَّة الإيمانيَّة، وروح المحبَّة والأُلفة والتَّعايش المشترك، والسِّلْم الأهلي، والوئام الوطنيِّ، مهما حاول البعض الدَّفع نحو التَّجاذبات والتَّوتُّرات الطَّائفيَّة، ونشر الكراهية والعداوات بين أبناء الوطن.
٢- في الوقت الذي تمتلِئ أدبيَّات المجلس الإسلاميِّ العلمائيِّ وبياناته بالدَّعوة للسِّلميَّة، والتَّأكيد عليها كإطار وحيد للمطالبة بالحقوق، ورفض العنف من أيِّ جهة كانت، فإنَّ الوزارة تصرُّ على اتِّهام المجلس بأنَّه يحرِّض على العنف!
وجذْرُ هذا الاتِّهام وأساسه رغبة السُّلطة في أنْ ترى علماء الدِّين منعزلين عن الشَّأن السِّياسيِّ والاجتماعيِّ، فلا يتحسَّسون آلام النَّاس وآمالهم، ولا يقفون معهم في مطالبهم العادلة المشروعة، بل يراد لهم أنْ يكونوا في صفِّ السُّلطة ضدَّ الشَّعب، ومطالبه، وحقوقه.
نعم، هذا هو المطلوب من علماء الدِّين حتَّى ترضى عنهم السُّلطات السِّياسية، وترعاهم، وتغدق عليهم، وتقدِّمهم كمرجعيَّة للشَّأن العام فيما يصبُّ في خدمتها، وإضفاء الشَّرعيَّة على كلِّ ممارساتها!.
ولكن هيهات هيهات لعلماء الدِّين الصَّادقين مع دينهم، المخلصين لربِّهم أنْ يرضوا لأنفسهم أنْ يكونوا أُلعوبة بيد السُّلطات السِّياسيَّة وأهوائها، ويأبون إلَّا أنْ يكونوا مع الحقِّ ضدَّ الباطل، ومع المظلوم ضدَّ الظَّالم، التزامًا بتعاليم الدِّين، ومنطق الفطرة السَّليمة، والوجدان الحيِّ، يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السَّلام): "وما أخذ الله على العلماء أنْ لا يقاروا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم" (نهج البلاغة1/13)، ويقول (عليه السَّلام) - أيضًا - في وصيَّته لابنيه الإمامين الحسن والحسين (عليهما السَّلام): "وقولا بالحقِّ، واعملا للأجر، وكونا للظَّالم خصمًا، وللمظلوم عونًا" (نهج البلاغة3/76).
فالعلمائيُّ ومن منطلقات دينيَّة ووطنيَّة سيبقى مع الحقِّ والعدل، وسيبقى مع شعبه في مختلف المساحات يمارس وظيفته الشَّرعيَّة والوطنيَّة.
٣- وأمَّا اتِّهام المجلس الإسلاميِّ العلمائيِّ بأنَّه تنظيم سياسيٌّ خارج القانون، فقد اتَّضح أساسه وجذره، وهو: إنَّه يمارس حقَّه في قول الكلمة النَّاصحة البنَّاءة، الدَّاعية للخير والصَّلاح، والنَّاهية عن المنكر، عندما يشخِّص الحاجة إليها، كما هو شأن مختلف المؤسَّسات والشَّخصيَّات المهمَّة الفاعلة في المجتمع.
فإذا كان ذلك يصنِّفه ضمن التَّنظيمات السِّياسيَّة، فهذا يعني أنَّ جميع المؤسَّسات المجتمعيَّة ذات العلاقة بالشَّأن العام والحقوق الإنسانيَّة هي تنظيمات سياسيَّة!!
ثُمَّ هل هذا إلَّا تكميم للأفواه، ومصادرة للحرِّيَّات العامَّة، والحرِّيَّات الدِّينيَّة التي هي جميعها من الحقوق المتسالم عليها والمكفولة في جميع الأعراف والمواثيق والشَّرائع السَّماويَّة والأرضيَّة، والممارسة عمليًّا في مختلف البلدان!
فنقولها بكلِّ وضوح: إنَّنا في المجلس الإسلاميِّ العلمائيِّ لسنا تنظيمًا سياسيًّا يمتهن السِّياسة، ويتبنَّى مشروعًا سياسيًّا يسعى من خلاله للمشاركة في إدارة البلاد، وإنَّما نحن هيئة دينيَّة علمائيَّة يمارس العلماء من خلالها وظيفتهم الشَّرعيَّة بتبليغ الرِّسالة الإسلاميَّة، وتعليم المعارف الدِّينيَّة، والدَّعوة للخير والصَّلاح، ويمارسون حقَّهم القانونيَّ والإنسانيَّ، بالتَّعبير عن القناعات الفكريَّة والدِّينيَّة في مختلف المساحات.
وأخيرًا: سيبقى الحكم بحلِّ المجلس الإسلاميِّ العلمائيِّ حكمًا جائرًا يمثِّل استهدافًا طائفيًّا، واضطهادًا مذهبيًّا، ومحاصرةً للحرِّيَّة الدِّينيَّة، ومواجهةً للوجود العلمائيِّ في البلاد، لأنَّ المجلس العلمائيَّ يمثِّل واجهة لذلك الوجود الممتد في تاريخ البحرين وحاضرها، والمتجذِّر في الوجدان الشَّعبيِّ.
وقفة إكبار
ونحن على أعتاب الذِّكرى الثَّالثة لثورة الرَّابع عشر من فبراير المجيدة، نستذكر تضحيات شعبنا من الشُّهداء، والجَرحى، والمعتقلين، والمُطاردِين، والمفصولين، ومختلف أشكال المعاناة، وكذلك نستذكر صمود هذا الشَّعب الأبيِّ خلال ثلاث سنوات من الحَراك الشَّعبيِّ السِّلميِّ، ونقف وقفة إكبار واعتزاز تجاه كلِّ ذلك، وندعو أبناء شعبنا الكريم أنْ يتواجدوا بكلِّ قوَّة في الفعاليَّات السِّلميَّة التي سَتُنظَّم بهذه المناسبة، ونؤكِّد على حقِّ شعبنا في نيل حقوقه المشروعة، ومطالبه العادلة.
...............
27/5/140209
https://telegram.me/buratha