تقتضي مجريات العدالة عدم معاقبة من لم يقترف جرماً، وهذا أمر بديهي لم يختلف عليه فقهاء القانون أو العقلاء أو من يشرع بإتباع نهجاً إصلاحياً لبناء دولة مؤسسات تتبنى مبدأ الفصل بين السلطات بحيث لا تخضع أي سلطة لهيمنة أخرى، ويكون خضوعها الوحيد لسلطة القانون وقواعد العدالة فقط، غير إننا نرى في مرحلة ما استنكرت فيها الدول والشعوب الحرة والمنظمات الحقوقية والإنسانية كافة أنواع التعسف والاضطهاد ضد أبناء الجنس البشري، نرى البعض يستمر في انتهاك الحقوق الإنسانية دونما وجه حق أو اقتراف ذنب يمكن أن ينطبق عليه مفهوم الجريمة بكافة أنواعها أو مقاييسها القانونية أو الشرعية.هناك مجموعة من القوانين والدولية وآراء منظمات ذات الإهتمام الكبير بحقوق الإنسان تفرق بين من يتم إعتقاله وسجنه وهو لم يقترف ذنب سوى أنه عَبَرَ عن رأيه أو أظهر معتقده وبين من يتم إعتقاله وسجنه وهو يتبنى برنامجاً سياسياً، وبذلك نكون أمام حالتين مختلفتين هما حالة؛ سجين الرأي والسجين السياسي. ومع كون الحالتين لا يمكن أن يرتقيا إلى مستوى الجريمة - بحسب القوانين والمواثيق الدولية- إلا إننا يمكن أن نميز بينهما لمعرفة مدى قانونية ما تفعله حكومات المنطقة من أفعال بحق شعوبها وتحديداً في دولة البحرين، فالتعريف المعاصر لمصطلح (سجناء الرأي) هو احتجاز الأشخاص أو تقييد حريتهم في الحركة بسبب معتقداتهم السياسية أو الدينية، أو أصلهم العرقي أو جنسهم أو ميولهم الجنسية، أو لون بشرتهم ولغتهم، والذين لم يقوموا باستعمال العنف أو التحريض على العنف، والذي تدعو جميع المنظمات الحقوقية والإنسانية ومنها منظمة العفو الدولية بالإفراج عنهم دون أي شروط.
اليوم لدينا مجموعة من الوثائق والتقارير تشير بل، وتؤكد على إن أغلب الذين تم إعتقالهم وسجنهم في البحرين هم سجناء رأي، تم زجهم في المعتقلات وتعذيبهم والحكم عليهم بالسجن من قبل السلطات على خلفيات طائفية ومعتقدات دينية ومعظمهم لم يلجأ إلى العنف كاسلوب للمطالبة بالإصلاحات المدنية والقانونية التي تكفل لهم العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص. هناك أكثر من (450) معتقل بحريني تم إعتقالهم على هذا الأساس، فهم أما أن يكونوا نشطاء في منظمات المجتمع المدني كـ(عبد الهادي الخواجة) وآخرين غيره تم سجنهم وتعذيبهم، أو أنهم طالبوا بعدالة اجتماعية تلغي الفوارق التي تضعها السلطات البحرينية على أسس مذهبية وطائفية، وأما النسبة القليلة جداً من المعتقلين هم من لديهم برامج سياسية مشروعة ويطالبون بإجراء إصلاحات سياسية وعدت بها السلطات البحرينية في وقت سابق. يقبع بعض هؤلاء المعتقلون في السجن بلا محاكمة مع تعرضهم للتعذيب الجسدي والنفسي، والبعض الآخر أنهى فترة حكمه ولم يفرج عنه، ومن أفرج عنه فصل من وظيفته، أو فرضت عليه إقامة جبرية، أو حتى منع من السفر، كما قامت السلطات بإحتجاز جثة لأحد ضحايا التعذيب لمدة (12) يوم قبل تسليمها لذويه، وذلك وحده يُعَدّ انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان. بعض الذين تم إطلاق سراحهم من الموقوفين في سجن الحوض الجاف (المحرق) يروون ظروف اعتقالهم وما تعرضوا له من الضرب المبرح منذ دخولهم إلى سيارة الأمن حتى وصولهم أماكن التحقيق، إذ كانت هناك محاولات لصعقهم بالكهرباء، فيما لوحظت عليهم آثار الكدمات في أجزاء كثيرة من أجسامهم، كما إنهم لم يتمكنوا من معرفة إلى أين هم متجهون فيما يتعرضون للضرب المبرح والتعذيب وهم معصوبو الأعين. بالإضافة إلى السب والشتم والتهديد بإيذاء العائلة أو اعتقال أفرادها، فقد تم استغلال الأهالي من قبل المحققين للضغط على المعتقلين، واعتقال احد أفراد العائلة (الزوجة، الوالدة، الوالد، الأخوة)، إن اتفاقية جنيف الرابعة تحرم المساس بعائلات المعتقلين، كما ينص قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم(43-173)الصادر في كانون الأول عام 1988والذي يتعلق بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن وبشكل محدد المبدأ رقم(21) حيث يحظر استغلال حالة الشخص المحتجز أو المسجون استغلالا غير لائق لغرض انتزاع اعتراف منه أو إرغامه على تجريم نفسه بأية طريقة أخرى أو الشهادة ضد أي شخص آخر.
وبذلك فالعدل يقتضي أن تسعى السلطات الحاكمة في دولة البحرين للإسراع في إتخاذ ما يلزم من: أولاً: إطلاق سراح جميع المعتقلين من سجناء الرأي دون أية شروط أو ضمانات كي يمثل ذلك جزء من إحترام القوانين الدولية والإنسانية، وإستجابة للمطالبات التي وجهتها المنظمات الحقوقية والإنسانية. ثانياً: الإفراج عن السجناء والمعتقلين السياسيين كبادرة حسن نية للتوجه في طريق الإصلاحات السياسية التي خرج من أجلها هؤلاء المعتقلين. ثالثاً: إعادة جميع المطلق سراحهم إلى وظائفهم السابقة وإعادة جميع حقوقهم المالية وإمتيازاتهم الوظيفية إليهم، لأن الوظيفة حق مكفول مادام الشخص لم يرتكب جرماً مهنياً يؤدي بالإخلال بأخلاقيات الوظيفة أو التقصير بأداء مهامه الوظيفية، ولكونها لا تخص الموظف المفصول وحدة بل، تؤدي إلى قطع مصدر العيش لعائلة الموظف المفصول. رابعاً: تقديم تعويضات تتناسب وحجم الأذى النفسي والجسدي الذي تعرض له المعتقلون (سجناء الرأي). خامساً: عدم التعرض لدور العبادة وممارسة الطقوس العبادية من قبل الأجهزة الأمنية أو أية جهات أخرى تفرض وصايتها على معتقدات الناس، لأن القوانين الدولية والشرائع السماوية تكفل الحرية للجميع في ممارسة معتقداتهم، وإن هذا العمل بالذات كان أحد أسباب الاحتجاجات التي خرجت في البحرين منذ أكثر من عامين. إن أرواح الناس وحفظ حرماتهم ومعتقداتهم هي أهم بكثير من التمسك بالسلطة أو ببعض الامتيازات التي تؤخذ منها، فلا سلطان للحاكم على آراء الناس في التعبير عن كل ما يعتقدون به من إعتناق لدين أو مذهب أو فكر معين أو إختيار طريقة يراها الإنسان تتناسب والحفاظ على حرياته وكرامته الإنسانية مادام ذلك الإنسان لم ينتهج العنف للتعبير عن رأيه، وهذا مقتضى العدالة في عالم يتطلع للأمن والحرية والسلام. * عضو الفريق القانوني في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
6/5/13310
https://telegram.me/buratha