المنامة / مراسل وكالة انباء براثا
قال «آية الله الشيخ عيسي أحمد قاسم» في خطبة صلاة الجمعة اليوم(15/02/2013) في جامع "الإمام الصادق (ع)" بــ"الدراز" إذا تبين أن الحوار خدعة أو مزحة كما يظن الكثيرون، فلن يجر بطبيعته هذه إلا إلى تعميق الخلاف وإلهاب الفتنة وزيادة الشر وتركيز المحنة واشتداد الكارثة.
وأضاف آية الله قاسم ان "حوار من هذا النوع سيقضي على أي أملٍ في اللقاء على حل الأزمة، فلا يبقى من سبيلٍ إلا الإمعان في الخصومة والصراع والتغالب، وفي ذلك مهلكة الوطن". مشيراً "إن تبين كون الحوار خدعة أو مزحة سيكون شرَاً ألف مرة من عدم الحوار، فلتحذر السلطة أن تخطط لإفشال الحوار الذي دعت إليه وأن يخرج بنتائج غير مرضية للشعب".
وأكد آية الله قاسم "إن تبين كون الحوار خدعةً أو مزحة سيكون شراً ألف مرةٍ من عدم الحوار ؛ لأن حواراً من هذا النوع يحدث للمرة الثانية، قد يسد الباب أمام كلِ فرص الحوار، ويحوِل هذه المسألة إلى أمرٍ مستحيل، ويجعل الإقدام على الدخول فيها ممتنعاً شعبياً على مستوى عام شامل - وفي هذا كارثة -".
وفي ما يلي نص الخطبة الثانية لسماحة آية الله عيسي قاسم:
ماذا قال الرابع عشر من فبراير من جديد؟
قال الرابع عشر من العام الحادي عشر بعد الألفين أن الشعب يريد الإصلاح السياسي [1]، وما يستتبعه من أنواع الإصلاح الأخرى التي لا يستقيم وضع الوطن إلَّا بها، وأنَّ الحراك يصرُّ على هذا المطلب.
قال أنَّ هذا الشعب صبورٌ على كلفة الوصول إلى تحقيق هذا المطلب، وأنَّه يحتضن حراكاً سياسيَّاً شعبيَّاً سلميَّاً عامَّاً صامداً لا يتراجع، وأنَّه يبغض الطائفيَّة ويمقتها، ويتطلَّع إلى أنْ ينصفه العالم في حين أنَّه يرفض الارتهان إلى إرادة الخارج أو نسيان شيءٍ من مبادىء دينه وأحكام شريعته ومصلحة وطنه.
وكلُّ ذلك أكَّدته سنتان من عمر الحراك كان الطريق فيهما صعبا وشاقَّاً ومليئاً بالتحدِّيات وأنواع التجارب والامتحانات القاسية، وصبر الشعب في ازدياد، وصموده في قوَّة، وجماهيره المشاركة في الاحتجاجات في تعاظم، وقد دخلت في المشاركة كلُّ الفئات والشرائح العمريَّة والثقافيَّة وغيرها، وشعار السلميَّة بقي ثابتاً ومُؤَكَّدَاً عليه بين حينٍ وآخر، والنيَّة ما فسدت، والترابط في استحكام [2] -إن شاء الله-، والصوت قد علا، والقضيَّة فرضت حضورها في العواصم المهمَّة في العالم وأخذت اهتماماً في محافل دوليَّةٍ مهمَّة.
وما قاله الرابع عشر من فبراير لهذا العام من جديد أنَّ شعب البحرين شعبٌ مجيد [3]، إذا قالَ صدق، وإذا تحرَّك ثبت. جاء هذا اليوم من هذا العام بصمةً جماهيريَّة قويَّةً فولاذيَّة على مواصلة الحراك، وأنَّ إرداة الإصلاح والتغيير لا تعرف التراجع وأنَّها أقوى من أنْ تُفَلَّ بالنَّار والحديد [4].
جاء هذا اليومُ ليؤكِّدَ أنَّ هذا الشعب لا يتعب أو أنَّه إذا تعب لا توقفه عن طلب حريَّته وكرامته وحقوقه المتاعب، ليؤكِّد أنَّ سنتين من الحراك المستمرِّ المليء بالتضحيات الجسام والآلام المضنية يضيفُ إليها هذا الشعب السنةَ والعشر سنوات وأكثر وأكثر على طريق المعاناة والبذل والفداء وركوب الشدائد دون أنْ يفكِّر في أنْ يعود من حراكه الإصلاحيِّ خاسرا وإلى حالة الإفساد والفساد.
جاء هذا اليومُ ليقول بأنَّ الشعب يؤمن كلَّ الإيمان بحقَّانيَّة قضيَّته، وعدالة مطالبه، وصحَّة حراكه، ورأفة ربِّه ورحمته ونصره، وأنَّ أمله في النَّصر لا يعرف الذبول. جاء ليقول بأنَّ على كلِّ المتعاملين مع قضيَّة شعبنا عليهم أنْ يعرفوا له هذه الخصائص، وأنَّ رقاب أبناء هذا الشعب وبناته لا تنحني، وأنَّ إرادتهم لا تنكسر، لا يركعون إلَّا لله، ولا تخرُّ جباههم إلَّا لعظمته [5]، ليقول بأنَّ على كلَّ واهمٍ أنْ يتخلَّى عن وهمه بأنَّ هذا الشعب يمكن أنْ يستسلم ويلين في الحقّ وأنْ ينسى عزَّته وكرامته وكرامة دينه وشرف انتماءه وقيمة إنسانيَّته ويتراجع عن المطالبة بحقوقه العادلة الثَّابتة له [6]، ليقول بأنَّ الصلابة التي برهن عليها شعبنا طوال سنتين لا تعرف ليناً وإنَّما هي على طريق الاشتداد إنْ بقي بينها وبين قمَّة الصلابة باق.
وكما أنَّ الشعب له كلُّ هذه الصلابة، فإنَّه واعٍ كلَّ الوعي، مؤمنٌ كلَّ الإيمان، متمسِّكٌ بهويَّته كلَّ التمسُّك، بعيدٌ عن العصبيَّة كلَّ البعد، ناءٍ عن الإرهاب كلَّ النأي، مجافٍ للعدوان كلَّ المجافاة.
وشعبنا يدرك جيِّداً أنَّ الحوار ليس هو الهدف، وأنَّ المسيرات والاعتصامات وأنواع الاحتجاج ليس منها ما هو هدفٌ كذلك،- كلُّ ذلك لا مكان له مع تحقُّق الهدف، ولو تحقَّق الهدف فلا مسيرة ولا اعتصام ولا احتجاج - والحكومة تعلم تماماً هذا الأمر-. الهدفُ الإصلاحُ الجدِّيُّ القادر على إنقاذ الوطن من ورطة الظلم والاستخفاف بالمواطن وحالة الفساد والإفساد والتفرُّد بالسُّلطة، الهدفُ تحكيم مقياس الكفاءة والمواطنة والرجوع إلى ما يقرِّره الميثاق من كون الشعب مصدر السُّلطات.
وكلِّما غاب الإصلاحُ أو تباطأَ أو الْتُفَّ عليه وفقد الجديَّة والصدق، كلَّما انفتح البابُ للمسيرات والاعتصامات وكلِّ أنواع الاحتجاج السلميّ ؛ طلباً لاعتبار الذَّات، وخروجاً من معاناة الظلم وشدَّة الضغط ، واستعادةً للكرامة، واستجابةً لأمر الدين، وفاءاً بحقِّ الوطن.
ولا ينبغي الشكُّ في أنَّ السُّلطة صارت تدرك بعد هذه المدَّة من عمر الحراك بكلِّ مخاضاتها العسيرة التي عانى منها الشعب ولم تلن عزيمته، بأنَّه لا مخرج من الأزمة إلَّا بالإصلاح، أنَّه لا يفيد قمع ولا محاولاتٌ ولا مراوغاتٌ ولا مساوماتٌ كيديَّة، وأنْ ليس من أسلوبٍ يثني الشعب عن المطالبة بحقوقه حتَّى يتمَّ له إنجازها، أنَّ إصلاحاً شكليَّاً لنْ يُجديَ ولنْ يُخْدَع به الشعب أو ينال قناعته، أنَّ جرَّ الشعب إلى الأخذ بأسلوب العنف لتبرير ضربه ضربةً قاضية دونه حاجزٌ ضخمٌ من وعي شعبنا وحكمته ونضجه والنصيحة الصادقة من كلِّ رموزه وقادته [7].
* لكن إذا كانت كلُّ هذه القناعات تتوفَّر عليها السُّلطة فماذا يتأخَّرُ بها عن الإصلاح والمبادرة له ؟
لا يوجد تعليلٌ لذلك إلَّا الحاجز النفسيّ، ومكابرة الأنا، والاعتزاز بالنفس لغير وجه حقّ وخلفيَّةٍ مقبولة - وهذا ما يحول كثيراً بين الإنسان وبين الأخذ بالحقّ وحتَّى على ما يرى فيه مصلحة الذَّات -.
وسيظلُّ الوطن في دائرة الأزمات، وتتعمَّقُ جراحاته، وتزداد فيه المأساة، وتكبر الخسائر الماديَّة والمعنويَّة، حتَّى تتغلَّب السُّلطة على حاجزها النفسيّ وحالة الاستعلاء والعناد والمكابرة من وحي الشيطان -وهو التسلُّط -.
تحتاج السُّلطة لخروج الوطن من أزمته التي لا بُدَّ أنْ تعي خطورتها إلى أنْ تثور على نفسها ونفسيَّتها، أمَّا الشعبُ فلا يملك إلَّا أنْ يواصل حراكه السلميّ دفعاً للظلم عن نفسه وتخلُّصاً من ذلِّه وقهره وهو ما تفرضه عليه كلُّ المقاييس وتشاركه الرأي فيه كلُّ الشعوب.
وفي البحرين حوارٌ وصراع، حوارٌ بين إرادتين وصراعٌ بين إرادين، الإرادتان تتحاوران من منطلق اليقين بوجود أزمةٍ حادَّة لو تُرِكَ لها أنْ تستمرَّ لأمكنَ أنْ تخرج من السيطرة وتغرق الجميع في مأساةٍ لا خروج له منها.
أمَّا جديَّة الحوار فما يمنعها من جانب السُّلطة فهو ذلك الحاجز النفسيّ -الذي سبق الكلام عنه- والذي لا ينطلق من عقلٍ ولا حكمةٍ ولا عدلٍ ولا شرع ولا ميثاقٍ ولا مصلحة الوطن. فيأتي على هذا الأساس تصميم الحوار معيباً غير عادل، ولا يحمل عوامل النجاح، ويأتي التحايل ومحاولات الهبوط بمستوى الإصلاح - إنْ كان - إلى أقصى حدٍّ ممكن والتسويف والتعطيل والهروب من ضمانات التنفيذ، والاقتصار على أنْ تكون المخرجات على مستوى التوصيات بدل أنْ تكون على مستوى النصوص الدستوريَّة، وإنْ نُقِلَ أخيراً أنَّه قد حصل اتِّفاقٌ على أنْ تكون المخرجاتُ بهذا المستوى.
والوسيلة في التقابل بين الإرادتين في حلبة الحوار هي الكلمة بمستوياتها المختلفة، وتتقابل إرادة الإصلاح الحقيقيّ وإرادة التعطيل في حلبةٍ أخرى يشهدها الشارع، الوسيلة في هذا التقابل عند الشعب في طابعها العامّ حناجر الحشود الهائلة المنطلقة بالمطالبة بالإصلاح والحقوق، ووسيلة السُّلطة فيه الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطيّ والرصاص الانشطاريّ والرصاص الحيّ، ويأتي استشهاد الفتى «حسين بن علي بن أحمد الجزيري» في ذكرى الرابع عشر من فبراير شاهداً صارخاً على تغليب العنف عند السُّلطة على لغة الحوار. ومع الفارق الكبير فإنَّ وسيلة الكلمة عند الجماهير المعارضة وفي الشارع محافظةٌ على صمودها وإصرارها مع ما تتلقَّاه هذه الجماهير من كلفةٍ باهظة.
وإذا تبيَّن أنَّ الحوار خدعةٌ أو مزحة كما يظنُّ الكثيرون، فلنْ يجرَّ بطبيعته هذه إلَّا إلى تعميق الخلاف وإلهاب الفتنة وزيادة الشرّ وتركيز المحنة واشتداد الكارثة. حوارٌ من هذا النوع سيقضي على أيِّ أملٍ في اللقاء على حلِّ الأزمة، فلا يبقى من سبيلٍ إلَّا الإمعان في الخصومة والصراع والتغالُب، وفي ذلك مهلكة الوطن. إنْ تبيُّن كون الحوار خدعةً أو مزحة سيكون شرَّاً ألف مرَّةٍ من عدم الحوار، فلتحذر السُّلطة أنْ تخطِّط لإفشال الحوار الذي دعت إليه وأنْ يخرج بنتائج غير مرضيةٍ للشعب.
إنَّ تبيُّن كون الحوار خدعةً أو مزحة سيكون شرَّاً ألف مرَّةٍ من عدم الحوار ؛ لأنَّ حواراً من هذا النوع يحدث للمرَّة الثانية، قد يسدُّ البابَ أمام كلِّ فرص الحوار، ويحوِّل هذه المسألة إلى أمرٍ مستحيل، ويجعل الإقدام على الدخول فيها ممتنعاً شعبيَّاً على مستوىً عامٍّ شامل - وفي هذا كارثة -.
حوارٌ من هذا النوع إذا انكشف أمره حسِّيَّاً وبصورةٍ جليَّة لا محدوسةٍ مظنونة، لنْ يبقيَ صوتاً يدعو للتفاهم والتقارب، لنْ يبقيَ إلَّا صوت الفرقة والمواجهة المنفلتة التي لا تتعقَّلُ ولا ترحم وتدخل بالوطن في النفق المظلم الطويل المهلك.
1/5/13216
https://telegram.me/buratha