المنامة / مراسل وكالة أنباء براثا
قال «آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم» في خطبة صلاة الجمعة اليوم (28/12/2012) في جامع "الإمام الصادق (ع)" بـ"الدراز" إنه "إذا غابت الإرادة الجادة للإصلاح فلا فائدة في الحوار ولا في ألف حوار، وقد يتخذ الحوار سبباً لتأخير الاصلاح"، مؤكداً على أنه قد توجد ظروف خارجية ضاغطة تجعل من الحوار وسيلة لشيء من الاصلاح وذلك إذا كان القادر على الاصلاح يتهرب من مقدمة الحوار ويحاول أن يهرب منها هروباً من الاصلاح نفسه.
قال «آية الله الشيخ عيسي أحمد قاسم» في خطبة صلاة الجمعة ان "إذا غابت الإرادة الإصلاحية فلا جدوى في ألف حوارٍ ولا مليون حوار، وقد يتخذ الحوار وسيلةً للاعتذار عن الإصلاح والتنصل منه، أو لتسويفه وتطويل عمره. وإذا كان الحوار سيخلق حالةً حرجية للمطالبِ بالإصلاحِ تصعب عليه تجاوزه وتسويفه، فإنه هنا سيحاول ما استطاع غلق باب الحوار".
وفي ما يلي نص الخطبة الثانية لسماحة آية الله الشيخ عيسي قاسم:
عالمنا والأمن:
عالمنا على مستوى حكوماته الكبرى والكثير الكثير من سائر حكوماته، على مستوى شركاته الرأسمالية العملاقة والكثير والكثير من سائر شركاته، على مستوى أحزابه الواسعة والكثير الكثير من أحزابه، على مستوى كم ضخم من جماهيره، يفتقد الإيمان الصادق العميق بالله سبحانه. بحضوره، برقابته، بفاعليته، وهيمنته، وعطائه، وجميله، وقيمة وعده ووعيده، يفتقد روح التدين التي تجعل إرادته في هدفه وسلوكه في طريق ما يريد الله عز وجلَّ له، ويرضى به دينه، وتقضي به شريعته.
عالم لا يخشى الله جهلاً وغرورا، وتنطلق حركته في الحياة من هوى النفس، والنظرة المقدِسة للمادَّة والمقتصرة على الدنيا، في سباقٍ محموم مجنون على ثرواتها، ومواقعها، وأسباب السيطرة فيها، في غياب من معرفة منه لله سبحانه ومالكيته، وربوبيته، وإحاطة علمه، وهيمنته، ونفاذ أرادته، وقهر سلطانه.
وعالم بلا تقوى، وعالم بلا خوف الله، لا تقوم فيه ثقة بين أبعاضه وحيث لا ثقة لا أمن، حب دنياً عارم، شهوات طاغية، تطلع شديدٌ للمواقع، ولع بالزعامة والسيطرة، فرص سانحة للاستحواذ والهيمنة على ثروات الشعوب والأفراد وحتى لقمة المستضعف، وللظهور والتعملقِ، وفرض الذاتِ وسيادة الرأي، واستعباد الآخر، وقلب لا يراقب الله ؛ كل هذا مجتمِع ونتيجته انهدام الثقة، وتوقع كلِ طرف الشر والمكر السيِء والكيد الضار من الآخر، والاحتراس منه، والسعي لإضعافه.
لا ثقة من دولةٍ في دولةٍ أخرى، ولا من حكومةٍ فيما بين أطرافها، ولا من حزبٍ في حزب، ولا من حاكمٍ في محكوم، ولا من محكوم في حاكم، ويصل اهتزاز الثقة حتى إلى داخل العائلة الواحدة.
الكل يخاف من الآخر، يحذر الآخر، سيِء الظنِ بالآخر، متوقع الشر من الآخر، يكيد بالآخر، يعمل على تتبع الآخر، إضعاف الآخر.
كل طرف يبذل ما يبذل من الأموال الطائلة، ويرصد الموازنات الضخمة، ويشتري ما يستطيع من الضمائر، وما يمكنه من الخبرات، ويعمل على امتلاك أدق أجهزة الرصد وأعقدها وأغلاها، ولا يتوقف عن طلب تطوير آلات المراقبة ؛ علَّه يصد عن نفسه كيداً أو يوقع الآخر في مكيدة.
هذا هو الجو السيِء القلق المخوف المرعب الذي يحكم عالم اليوم، ويحرمه الأمن، ولا يسمح بأرضيةٍ للاستقرار، ويثير الحروب، ويعادي بين الإنسان و الإنسان، ويفتك براحة النَّاس، و ثروتهم، وإنسانيتهم، والحياة التي يعتزون بها، ويدفعهم حبها المفصول عن معرفة الله وخشيته وتقواه، وانشدادهم للمغريات الدنيويَّة، لكل هذا السوء.
الحوار والإصلاح:
أوَّلاً: موضوع الحوار مسألة غامضة يتوقَع لتداول الآراء أن يكشف غموضها، ويزيل عنها الغبار، ويجلي أمرها.
وموضوع آخر للحوار أن يكون طرفان لكل منهما فيما يرى حقاً على الآخر، أو أنهما مسلمان بذلك، ويدخلان النقاش في محاولة التوصل إلى حل وسط يقوم على تنازل كل منهما للآخر من شيءٍ مما هو له في ذمته.
وقد لا يكون الحق إلا لطرفٍ على آخر أصبح عاجزاً عن أداء الحق لصاحبه فيطلب منه أن يتنازل عما لا يستطيع أداءه من هذا الحق.
أما الفساد العام سياسياً كان أو اقتصادياً أو ثقافياً أو اجتماعياً أو دينياً وأخلاقياً، فلا تنتظر الجهة القادرة على الإصلاح، المالكة لأسبابه، المسؤولة عنه، الدخول في حوار من أجل إنهائه، ولا تضع شروطاً لتخليص الناس منه، والاتجاه بالأوضاع إلى نصابها الصحيح الذي يقضي به الحق، ويتطلبَّه العدل، ويرضاه الضمير، وتستقيم به الحياة.
ثانياً: ومعارضة الفساد منتفية حال انتفاء الفساد الذي هو موضوعها وسببها، ولا يتصور أن يكون لها وجود بدونه. وكل لونٍ من ألوان الفساد يرتفع بلواه عن الناس، يرتفع اعتراضهم ومواجهتهم له. وكل لونٍ من ألوان الفساد يستجد أو يكون إصرار على بقائه، يدفع الناس لإنكاره، ومعارضته، ومواجهته.
والفساد شر كله، وكلما بقي زاد خطراً على مصالح الأوطان والمجتمع، وأضر بالموازين العادلة للحياة وانحرف بها عن أهدافها المطلوبة وخطِّها القويم، فلا يأتي في ضوء هذا الواقع، ولا في دينٍ، ولا ضميرٍ، ولا مصلحة وطن، ولا عرفٍ إنساني، أن عليك أن تعترف راضياً مختاراً بلونٍ أو أكثر من ألوان الفساد، ثمناً لإصلاح شيءٍ منه[1] ؛ فالفساد إنما يؤسس للفساد، ويفتح الباب لانطلاقته الواسعة المدمرة.
الفساد والظلم حالة يقهر الناس على السكوت عليها أحياناً تحت ضغط البطش، وليست من الحالات التي يقبلون بها مختارين، ولا يكون السكوت عليها نتيجةً للحوار ؛ وإنَّما هو ظلم قد تفرضه القوة.
ثالثاً: لا ملازمة بين الحوار والإصلاح، فإذا وجدت الإرداة الإصلاحية عند القادرين على الإصلاح، المالكين لأسبابه، أنفذوه بلا حاجةٍ للحوار، وسدوا بذلك أبواب الفتن.
وإذا غابت الإرادة الإصلاحية فلا جدوى في ألف حوارٍ ولا مليون حوار، وقد يتخذ الحوار وسيلةً للاعتذار عن الإصلاح والتنصل منه، أو لتسويفه وتطويل عمره.
وإذا كان الحوار سيخلق حالةً حرجية للمطالبِ بالإصلاحِ تصعب عليه تجاوزه وتسويفه، فإنه هنا سيحاول ما استطاع غلق باب الحوار[2]. فهل نحن أمام هذه الحالة من موقف السلطة من قضيَّة الإصلاح؟ لو عرِض السؤال على الواقع الخارجي لأجاب بنعم ونعم ونعم ولا غير.
وفي كلِ مرةٍ يرفع شعار الحوار ليتوارى بسرعة أو يتنكر له من السلطة التي رفعته ؛ ليعلن عن عدم جديته أساسا، وأنه إنما كان لمناسبةٍ سياسيةٍ معينة، وغرضٍ إعلامي، ولإحراج المعارضة، والتخفيف من ضغط الخارج، يقلل من قيمته حتى عاد هذا الشعار لا يلفت النظر، ولا يستقبل بأيِ اهتمامٍ من قبل الشعب، وقد يتجه البحث عن خلفيته الإعلامية والغرض السياسيِ المؤقت الذي يقف وراءه ويحركه.
درس في الإهانة:
شاب يمشي في طريقه حاملاً طفله على ذراعه آمناً مسالماً، وطفل وديع يعيش حنان الأبوة في كنف والده واحتضانه، وطريق لا اعتصام فيه ولا مظاهرة ولا تصادمات، والمكان قرب بيت الخالة المقصود زيارتها، في هذا المكان وفي هذا الجوِ الآمن المطمئن - لو كان للمواطن أمان- يتلقى الشاب من رجل الأمن صفعةً على وجهه على منظرٍ من فلذة كبده ؛ لتسحق كرامة الأب في ظلمٍ صارخ، وبشاعةٍ بالغة، وتداس عزته، ويهان فيه إسلامه وإنسانيته ومواطنته، ويهان من خلاله كل مسلمٍ وكل إنسان وكل مواطن، ويعطى كل ذي نفس كريمةٍ هنا درساً في الإهانة البالغة والإذلال المر[3].
صفعة أرادت أن تغتال براءة الطفولة الغضة، وترعب طفلاً في عمر البراعم، وتحطم نفسيته، وتعقد مستقبله، وتهز كل كيانه هزاً.
وكم واجهت الطفولة البريئة داخل البيوت، في ساعات الليل والنهار، وفي السيارات والأماكن المختلفة، من مشاهد العنف والقسوة التي تمارس في حق الآباء والأمهات فأرعبتها لتترك في نفسية جيل المستقبل آثاراً مدمِرةً لصدمات عنيفة.
ظرف صعب، واقع حرج، معاناة مرة، لا تسمح لهذا الشعب التواق للحرية، الشاعر بكرامته، المعتزِ بقيمة إيمانه، المقدر لإنسانيته، أن يفكر ولو للحظةٍ واحدة في التنازلِ عن مطلب الإصلاح الجدي الذي يؤمن له الحرية والكرامة، ويقدر له انتماءه الإيماني وإنسانيته، ويحفظ حقوقه، ويعترف له عملاً بموقعه.
أخلاق رفيعة:
يشكو البعض بأنهم يتعرضون من شبابٍ من شباب المعارضة إلى الاتِهام بالتجسس والسعي بهم عند السلطة وأنهم يحصل لهم إتلاف في المال كإضرار بسيارة أو ما شابه.
وبغض النظر عن صدق هذا الأمر وعدم صدقه، فإن المطلوب من شباب المعارضة أن يعطوا مثلاً عالياً في التقوى، والالتزام الديني، وألا يتهموا أحداً بلا دليل وألا يسرعوا في إساءة الظن، وإذا ساء ظنهم في أحد ألا يرتبوا على ذلك استباحة دم أو مال.
مطلوب كف الأذى، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، وأن تكونوا نماذج في الأخلاق الرائعة الرفيعة.
بارك الله فيكم من شبابٍ مؤمن، وحقق أملكم في الأمن والسلام، ونيل الحقوق، والتمتع بالحرية، والاعتراف لكم بالعزة والكرامة.
------------
[1] سماحة الشيخ: - أصلح لك شيئاً من الفساد على أن تعترف وتذعن راضياً مختاراً بلونٍ آخر من الفساد أو أكثر من لون؛ هذا لا يأتي في عقلٍ، ولا في ضميرٍ، ولا في مصلحة وطن -.
[2] سماحة الشيخ: - قد توجد ظروف خارجية ضاغطة، تجعل من الحوار وسيلةً لشيءٍ من الإصلاح، هنا إذا كان القادر على الإصلاح لا نية له في ذلك، يتهرب من هذه المقدمة، مقدمة الحوار، ويحاول أن يهرب منها هروباً من الإصلاح نفسه -.
[3] هتاف جموع المصلِّين: "فليسمع رأس الدولة..هيهات منا الذلة"
...............
1/5/1229
https://telegram.me/buratha