داود ربيع دار الصحف للنشر و التوزيع بيروت- لبنان
التجنيس و النظام
التجنيس و النظام
لقد أفقد التجنيس ثقة المواطنين عامة و الخليجيين بما فيهم الأنظمة بالنظام و السلطة البحرينية ، لكن ذلك لم يوقف النظام عن مشروع التجنيس و الإبادة ، و تقديم الخدمات للمجنسين على حساب المواطن، و لا يبرر دعمه الغريب لهؤلاء المرتزقة رغم دعوات توقيف التجنيس التي صدرت من القريب و البعيد و الصديق و غير الصديق، و بعضها من الموالين للحكم فضلا عن رموز القوى الوطنية و المعارضة ، و لم تعبأ السلطة بكل الاحجاجات و التحركات الشعبية التي تطالب بوقف التجنيس و اعتباره برنامجا خطيرا ، و أشارت إلى المخاطر العظيمة التي سيخلفها ، و من استبدال الشعب بقطيع من المرتزقة و الابتزازيين ، عديمي الولاء و الدين ، و لكن هذه سلطة حاقدة و الحاقد أعمى لا يرى سوى موضوع حقده الذي يورده الكوارث الثقال بعد فوات أوان التدارك.و وقفت نظريا و نفسيا كل فئات الشعب البحريني ضد التجنيس، و قد شعر بآثاره أبناء السنة مباشرة و قد فقد كثير من أبنائهم ثقتهم في حكم آل خليفة ، و ظهر لهم النظام على حقيقته الخبيثة، لكنهم ما تحدثوا في رفضه إلا همسا، إلا فئة قليلة منهم صارحت النظام ، و لكنها جوبهت بالرفض التام.هذا الانتباه المتأخر إلى الوضع سببه وصول آثار التجنيس و نيرانه إلى المدن و الأحياء التي يسكنونها متجاورين، فقد قام المجنسون الجدد بسرقات متكررة و جرائم متعددة و اعتداءات على الحقوق و الأعراض ، حينها انتبهوا بأكثر دقة و أهمية إلى مظلومية شركائهم في الوطن و أخوتهم في الدين، و قد يكون فات زمن التدارك فالمخطط الموجه لإبادة الشيعة لن ينجوا منه السكان من السنة ، ذلك أنهم يعلمون بالجريمة و يتكتمون عليها ، و قد يكون المخطط قسمها لمراحل قبل الأخيرة منها قتل أو موت الشرفاء من شهداء الجرائم السابقة، حتى تكون إبادة دون شهود، فالسكوت سيؤدي بهم إلى الفناء ، و لابد من قيادات سنية جديدة تطرأ على الساحة و تخلف تلك التقليدية و تكون شجاعة و نزيهة ، لأن وضعهم الحاضر و المستقبل سيزداد سوءا بمثل هذه القيادات التقليدية التي يتاجر بعضها بنصيب من أرباح آل خليفة المؤقتة ، و بعضهم صنيعهم ، و يجبن عن مصارحتهم و مجاهرتهم بالحق ، و نأسف أن نرى في تلك القيادات تعاملها مع الحكم تعامل العبد مع سيده إلا القليل ممن ظهر بمواقفه الشريفة كالشيخ عيسى الجودر .و ثمن السكوت هذا كان غاليا و سيزداد غلاءً و وصل إلى التعدي على الأعراض في عمق المدن السنية كالرفاع ، و على الممتلكات في عسكر ، و على دماء البشر في المحرق و المناطق السنية الأخرى ، و أصبحوا أكثر المواطنين عرضة لجرائم المجنسين ، فلم يطيقوا السكوت أكثر و خرجت من أفواههم كلمات حق ضد التجنيس و المجنسين و مستورديهم، و لكن كل ذلك لا يكفي ما لم ينظر أبناء السنة في مواقعهم و مواضعهم من التجنيس و النظام بنظرة واقعية تستلزم التحذير و التهديد حفاظا على الحرمات و الوجود.و هنا لاحظنا سوء السلطة ضد القيادات السنية المعارضة و الشريفة فهي إما تحاول شرائهم بالمال و تغريهم بالمنصب أو يكونون عرضة لنقمتها متى استطاعت النيل منهم، فقد عرضت السلطات البحرينية على المناضل عبد الرحمن النعيمي عدة عروض و اقتراحات فلم يقبل ثم جاء خبر إصابته بجلطة أفقدته الوعي و لا زال، و كذلك الأستاذ المعارض أحمد الشملان الذي تعرض أيضا لمرض أفقده نشاطه و حيويته، كما أتهم سابقا المناضل و الوجه الوطني عبد الله فخرو لتهمة الجنون و هو من أعقل القوم أو أعقلهم جميعا رحمة الله عليه.و للسلطة تجربة في تسميم المعارضين و خاصة القيادات منهم و قد لاحظت المعارضة البحرينية أن رموزا منها أصيب بأمراض مفاجئة و كبيرة فالشيخ الجمري أصيب بجلطة ثم انتقل إلى رحمة الله ، و الشيخ عيسى قاسم مرض فجأة ، و الأستاذ عبد الوهاب حسين يتعالج من مرض، و استشهد الشيخ عباس راستي بداية الثمانينات بالسم بعد نفيه من البحرين، و أعداد من السجناء أصيبوا بأمراض سرطانية.و أوقع التجنيس ضحايا من مختلف الفئات البحرينية ، و كانت نسبة الصراع مع أبناء الطائفة السنية شديدة ، و لقد لعب النظام لعبة التناقضات مرجحا كفة على أخرى حتى بدأ التجنيس الذي أظهر ما كان يخفيه من استعمالهم وقودا إلى أجل مسمى ، حان أوانه ، و هذا مخطط قديم لدى السلطات في توزيع المجنسين على مناطق بعيدة عن المجهر و الإعلام عامة ، كما أنّ الأهداف الانتخابية حتمت تمركزهم في تلك المناطق ، و هم مع هذا يبتعدون عن مناطق القرى الذي انتهكوها لمرات و مرات. فأصبحت المناطق السنية مطوقة بالمجنسين أشكالا و ألوانا و أصبحت المناطق التي يشكلون فيها غالبية أو نسبة كبيرة تتشكل بطابعهم و فقدت هويتها الأصلية بعادات غريبة و ألفاظ شديدة ، و كثرت الجرائم فيها، و المشاحنات و الشجارات اليومية و التي لا يظهر منها للعلن إلا ما يصل إلى مراحل دموية. و التزم بعضهم الجلوس بالبيت و خشي على أبنائهم من الخروج إلى الشارع ، و مما زاد الوضع سوء و نقمة ضد المجنسين و من جاء بهم هو وقوف النظام مع المجنسين ضد المواطنين، و ليست قضية عائلة الجيب إلا مثالا.و أما دول الخليج فهم يجاملون النظام على حساب مصالحهم و مصالح شعوبهم و بلدانهم ، و هم لا يثقون في الحكم البحريني و يعرفونه على حقيقته البشعة ، و لكنهم يتعاملون معه كالقرصان فيما بينهم ، و ربما يحتاج كل واحد منهم عملية إرهابية في بلده حتى يعرف أبعاد ما يجري في البحرين.
النظر للنظام البحريني كنظام متخلف :لمعرفة مقدار التخلف في نظام آل خليفة يحتاج البعض إلى مقارنته بأنظمة أخرى، تلك التي مارست منذ مئات السنين الإبادة الثقافية ضد الشعوب الأصلية، و نكّلت بهم و تآمرت لتأتي الآن نادمة معتذرة عما ظلمت في سالف قرونها و سنيها، فهذا نظام لا يستفيد من تجارب الأمم و ويلاتها ، و الكوارث التي أحدثها قمع شعوبها و محاولة إبادتها ، ظنا منه أنه في مأمن من تلك الكوارث و النكسات، و توهما منه بعده عن سنن الكون و الحياة ، و هي سنن الله ، (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا) الفتح/23 ، و ليضع نفسه موضع النظام الأكثر تعجرفا و غفلة ، و الأكثر تخلفا زمنا و رتبة، فالذي فعله الآخرون منذ مئات السنين و ندموا عليه ، يمارسه الآن و يتحايل عليه، و بعد سنين سيندم كما ندموا ، و يعتذر بأكثر مما اعتذروا، لكن لا يتمكن الإنسان دائما من الندم و الاعتذار، و قد تفاجئه الأحداث بما لا يطيق و لا يتوقع و تباغته النتائج .و هنا محل التعجب و موقع التأمل في أنّ حكما يعيش قادته عقد النقص و تبهره حياة الغربيين، لكنه لا يأخذ منهم ما هو مفيد و حضاري و أخلاقي و يمثل تداركا و تراجعا عن خط الخطأ ، بل يأخذ منهم الوجه السلبي و التدميري، برقصة مجونية، و بملهى ليلي، و بطرق فساد و غواية، ليضحك العالم عليه، و يعلمهم بأنه يسير في اتجاه معاكس للعالم.فالعالم يعتذر للسكان الأصليين على محاولات الإبادة الثقافية ، و هذه كندا في منتصف سنة 2008 تعتذر للسكان الأصليين عن السياسة التي مارستها تجاه السكان الأصليين حين أجبرت أكثر من 100 ألف من أطفالهم على الالتحاق بمدارسة داخلية مسيحية تمولها الدولة بهدف تذويب هوياتهم ، وقدم رئيس الوزراء الكندي الاعتذار أمام البرلمان في أوتاوا وفي حضور المئات من الطلاب الذين أُدخلوا تلك المدارس ، و كانت هذه المدارس تمارس مهمتها منذ السنوات الأخيرة للقرن التاسع عشر وحتى تسعينيات القرن الماضي بالرغم من أن معظمها قد أُغلق في السبعينيات ، كما قدمت الكنائس التي أدارتها اعتذارات عن تلك الممارسات في العقدين الماضيين.و استراليا هي الأخرى قدمت اعتذارا مماثلا عن ممارسات مماثلة ضد السكان الأصليين في فبراير 2008 .
شبه آل خليفة بالعباسيين و المجنسين بالأتراك :لم يتعلم آل خليفة من التاريخ ، و كان يجب عليهم فعل ذلك، إذ إنّ الإنسان العاقل يدرس ما تراكم من سالف التاريخ فيما يهمه ، ليراكم به خبرة تعينه على أمره، في حياته و موته، و المثال التاريخي الأبرز لداء التجنيس هذا الحاصل في البحرين هو استيراد الأتراك و توظيفهم في المواقع العسكرية و الجندية في الدولة العباسية.و لهذا لابد على الاضطلاع على أوضاع العباسيين و نبذة من تاريخهم المرتبط بمادة الكتاب من جلبهم للأتراك لأنّ كثيرا من قطع التاريخ تتكرر بصورة مشابهة و تسهّل عملية التنبؤ بما تؤول إليه الأوضاع في البحرين إذا استمرت خطط التجنيس و تعاظمت، و هنا قد توجد شبهة مهمة لدى بعض عناصر الحكم و هي القدرة و السيطرة على الأوضاع و إن تعاظمت سطوة و سيطرة المجنسين، و شبهة أخرى أنّ المجنسين يؤثرون سلبيا دائما على الوجود الشيعي و بعض الوجود السني، لكنّ تأثيرهم إيجابيا دائما على وجود القائمين على النظام و هم فرع سلمان آل خليفة، و هذا اشتباه من لا قراءة له في التاريخ و لا قدرة له في أخذ العبر منه ، إنّ الآثار الكبيرة الذي سيخلفها التجنيس لن تطال فئة دون أخرى و لن تستثني النظام و أبناءه ، و لكن وجهة تلك الآثار مختلفة ، فهي عنوانا ضد الشيعي كوجود و ضد السني كعنصر امتيازات و ضد الحكام كمنصب و حاكم، و هو الأخطر و الأكبر ، و مالذي يمنع عن ذلك؟ و السيطرة مفقودة الآن فكيف في المستقبل؟و درس التاريخ مر لآل خليفة في هذا المجال، و شواهده منتشرة و منتثرة في كتب التاريخ مثل الكامل في التاريخ و غيره ، و كتب الدراسات التاريخية مثل (من التمدن الإسلامي) و غيره . سنأخذ مقطعا تاريخيا يهمنا في كتابنا، و هو حول علاقة العباسيين بالأتراك كيف بدأت و إلى أين انتهت، و لن يكون إسقاطا متطابقا للواقع في البحرين و لكنه لن يكون مختلف النتائج تماما أيضا للاتفاق في أصل المقدمات.و الترك أمة قديمة و لما ظهر الإسلام عبر المسلمون إلى المناطق التركية ففتحوا بخارى و سمرقند و فرغانة و اشروسنة وغيرها من تركستان ، و لما حكم العباسيون كانت تلك المدن خاضعة للمسلمين يؤدون عنها الجزية والخراج وكانوا يحملون في جملة الجزية أولاداً من أهل بادية تركستان يبيعونهم بيع الرقيق وهم في الغالب من السبي أو الأسرى، يفرقونهم في بلاط الخلفاء ومنازل الأمراء، فأخذوا يدينون بالإسلام.و أول من استخدم الأتراك في الجندية من الخلفاء المنصور العباسي ولكنهم كانوا شرذمة صغيرة لا شأن لها في الدولة ، و الناظر إلى التاريخ يلاحظ علاقة الحكام بزوجاتهم و أمهاتهم و أثر ذلك على الحياة العامة و شؤون الناس إذ أنهم في موقع نافذ و حساس، و نقطة التحول الكبرى بدأت في عهد الحاكم هارون بن المهدي العباسي، و تأسست في عهد المعتصم ، و قويت و تثبتت في عهد المتوكل ، فهارون خامس الحكام العباسيين ، و الذي يسمى كذبا لدى حكام الجور بالرشيد وهو أبعد ما يكون عن الرشد ، و كيف يكون رشيدا و هو مرتكب الموبقات و مقترف الذنوب و مستهتر بالمعاصي و فاعلها، و الليالي الملاح و الجواري و الغواني و شرب الخمور و قتل الناس بالهوى، و تنكيل و قمع و قتل الشعب، و هو عبرة للحكام أيّما عبرة ، فلقد وصل إلى الحكم في زهرة و زهوة الشباب و انتهى عمره قبل أن تنتهي زهوته و عقود شبابه، فبدأ الحكم و عمره 22 سنة و مات غير مأسوف عليه و عمره 43 سنة ، و كانت أكبر رقعة على الأرض في ذلك الوقت يحكمها هذا الفاجر ، و لكن أين هو اليوم ؟ بل أين أسلافه و أحفاده؟ و أين الطغاة الذين سبقوه و لحقوه ؟ و أين الفراعنة ؟ و أين الأمويون ؟ لا تجدهم إلا في مزابل التاريخ في الدنيا أما في الآخرة فيوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين و الطغاة و المستكبرين و أعوانهم ، و من السخرية أن تجد مغفلين يترضون على الطغاة ، دون أن يحترموا عقولهم و أنفسهم ثم يطلبون من العالم الحر أن يحترمهم ، و قد يدّعون أنهم يتطورون و يتقدمون و عقولهم جامدة تقدس الفجَرة العَهرة الغَدرة مثل هارون العباسي.لقد كان لهارون العباسي آلاف الجواري و تزوج عدة نساء ، منهم العربية زبيدة أم محمد الأمين بن هارون ، و الفارسية مراجل أم عبد الله المأمون بن هارون ، و التركية ماردة أم محمد المعتصم بن هارون. و قسّم هارون ولاية العهد بين أبنائه الثلاثة، الأمين و المأمون، و المؤتمن، و قدّم الأمين على المأمون والمؤتمن و هو لم يبلغ من العمر إلا خمس سنين و لم يكن يعرف إلا الغناء والخمر والرقص و الجواري والغلمان، وتاريخه مذكور بتفصيل في كتب التاريخ و الأعلام ، ثم المأمون ، ثم المؤتمن و هو القاسم بن هارون و لكن جعل خلعه وإثباته إلى المأمون، فحكم الأمين و اقترب العرب ، و حكم المأمون و اقترب الفرس، و خلع المأمون أخاه المؤتمن و قيل أنه مات في زمن والده.و حكم المعتصم بن هارون بعد أخيه المأمون بعهدٍ منه ، إذْ لم يكن من ولاة العهد الذين عيّنهم هارون ، و بدأ النفوذ التركي ، و كان المعتصم و أمه تركية فيه كثير من طبائع الأتراك مع الميل إليهم لأنهم أخواله كما كان يميل المأمون إلى الفرس. وشاهد المعتصم من جرأة الفرس وتطاولهم بعد قتل الأمين حتى أصبح يخافهم على نفسه، ولم يكن له ثقة بالعرب وقد ذهبت عصبيتهم وأخلدوا إلى الحضارة والترف وانكسرت شوكتهم فرأى أن يتقوى بالأتراك وهم لا يزالون إلى ذلك العهد أهل بداوة وبطش مع الجرأة على الحرب والصبر على شظف العيش، فجعل يتخيّر منهم الأشداء. فلما أفضت الخلافة إليه كان الأتراك عوناً له وتكاثروا حتى ضاقت بغداد بهم وصاروا يؤذون العوام ، و لا يتسمون بالسلوك الحسن تجاه الناس، فكانوا يطردون خيلهم ودوابهم في طرق بغداد وشوارعها، فيصدمون الرجل والمرأة و يطأون الصبي، فينال الضعفاء والصبيان من ذلك أذىً كثيراً وربما رأوا الواحد بعد الواحد قتيلاً في قارعة الطريق.و تزوج المعتصم من شجاعة و هي تركية أيضا و هي أم المتوكل و هو أحد ألعن الحكام في التاريخ الإسلامي ، وكثر التزاوج بين الحكام العباسيين و النساء التركيات ، و ذكروا أنّ سغاب تركية و هي أم المقتدي، و كذلك آلتون أم المستظهر ، و كوموش أم المسترشد، و زمر أم الناصر، و سلجوقة أم الظاهر، و تورك أم المستنصر ، و غيرهنّ من نساء تركيات. و نحن نذكر ألقابهم التي اشتهروا بها و عرفوا بها دون أسمائهم ، و إن كانت هذه الألقاب فارغة لا تساوي شيئا ، لا في عقول و قلوب الشعوب و لا الحكام ، و تستعمل للضحك و السخرية على شعوب الأمة.و كان المعتصم عرياً من العلم، ضعيف القراءة والكتابة، بل قيل أنه كان أُمياً لا يقرأ ولا يكتب، و راح يعيث في الأرض نهباً وفساداً، و كان مشتغلاً باللهو والمجون كسابقيه من أسلافه، و يكثر من شرب الخمر ، و يحب الغناء الذي حرمه الله ويستمع إليه ، و كان كثير الظلم و البطش والعنف بالأبرياء ، و إذا غضبَ لا يُبالي من قتل وما فعل ، وكثير التبذير على مصالحه الشخصية و قصوره ، وعلى المغنين والمتملقين وشعراء الجور والباطل ، و قام بجمع الأتراك واقتنائهم وبعث إلى سمرقند وفرغانة والنواحي في شرائهم، وبذل فيهم الأموال، وألبسهم أنواع الديباج ومناطق الذهب ، و قد بلغوا الآلاف فقيل عشرين ألفا و قيل أربعة آلاف، و كانت هذهِ سابقة خطيرة في تاريخ الحكام أو (الخلفاء) .و اتفق أنّ المعتصم خرج بموكبه يوم عيد فقام إليه شيخ فقال له: يا أبا إسحاق فأراد الجند ضربه فمنعهم وقال: يا شيخ ما لك؟ قال: لا جزاك الله عن الجوار خيراً ، جاورتنا وجئت بهؤلاء العلوج من غلمانك الأتراك فأسكنتهم بيننا فأيتمت بهم صبياننا و أرملت نساءنا و قتلت رجالنا ، و المعتصم يسمع ذلك.و كأنّما المعتصم خشي انقلاب الأمر عليه فلم يدخل بغداد بل سار يلتمس معسكراً لأجناده حتى أتى سامرّاء فاتخذها معسكراً ، و بدل أن يحول بينهم وبين أفعالهم المنكرة راح يبحث عن مكانٍ يمرح فيه أتراكه على راحتهم ، و اختط في سامراء الخطط وأقطع أتراكه القطائع على حسب القبائل ومجاورتهم في بلادهم وأفرد أهل كل صنعة بسوق وكذلك التجار، فبنى الناس وارتفع البنيان وشيدت القصور وكثرت العمارات واستنبطت المياه ، و تسامع الناس بسامراء دار الملك فقصدوها فكثر العيش.و العجيب أنّه كان يصفهم بأولاد الزنا و هو متبجح في ذلك غير مستح ولا خجل مما يقول عن أتراكه، فقد ذكر صاحب تاريخ بغداد بسنده رواية جاء فيها ( كنتُ أنا ويحيى بن أكثم نسير مع المعتصم وهو يريد بلاد الروم، قال: فمررنا براهب في صومعته ، فوقفنا عليه وقلنا : أيها الراهب، أترى هذا الملك يدخل عمورية؟ فقال: لا، إنّما يدخلها ملك أكثر أصحابه أولاد زنا ، قال: فأتينا المعتصم فأخبرناه، فقال: أنا والله صاحبها، أكثر جندي أولاد زنا، إنّما هم أتراك وأعاجم )!!.و هذا استخفاف و احتقار للشعب إذ يفترض بحاكم المسلمين أن يختار أُناساً من ذوي الشرف والنسب الرفيع يستطيع من خلالهم تحقيق الفتوحات الإسلامية و إيصال المبادئ الإسلامية إلى شتى أصقاع المعمورة، كما يتمكن من خلالهم أن يوفر الأمن والأمان للشعب.و اشتد ساعد الأتراك بذلك وقويت شوكتهم وغلبوا على أمور الدولة وخصوصاً بعد أن أنهوا ثورة الحزمية وفتحوا عمورية فتحول النفوذ إليهم، وبعد أن كانت أمور الدولة في قبضة الوزراء الفرس أصبحت في أيدي القواد الأتراك أو صار النفوذ فوضى بين الوزراء والقوّاد.إذ ان هؤلاء الأتراك سيطروا شيئاً فشيئاً على دفة الحوادث ومجريات الأمور، وراحوا يسيطرون على مركز الخلافة نفسها، وأصبحوا يتحكمون بمصير (الخليفة) فيما بعد ، يشغبون عليه تارة، ويقتلونه أخرى، وينصبون (خليفة) ثالثة، وقد ذاق منهم الحكام الذين تواردوا على كرسي (الخلافة) طعم الأمرين.أما استبدادهم في بلاط الخلفاء فابتدأ في أيام المتوكل لأنه لما تولى الخلافة سنة 232هـ وكان ما كان من كره الشيعة واستبداده فيهم زاد في تقديم الأتراك ورعايتهم فزاد طمعهم في الدولة، ثم أغراهم ابنه المنتصر أو هم أغروه على قتله فقتلوه وكان ذلك أول جرأتهم على (الخلفاء) ، و ولوا المنتصر بعده ولم تطل مدة حكمه أكثر من بضعة أشهر فمات ، وتولى بعده المستعين بالله سنة 248هـ. ثم المعتز بالله سنة 251هـ وقد استفحل أمر الأتراك استفحالاً عظيماً.و قد قتلوا المعتز شر قتلة فإنهم جروه برجله إلى باب الحجرة وضربوه بالدبابيس وخرقوا قميصه وأقاموه في الشمس بالدار فكان يرفع رجلاً ويضع أخرى لشدة الحر و بعضهم يلطمه بيده.و المستكفي سملوا عينيه ثم حبسوه حتى مات في الحبس.و بلغ من فقر القاهر بالله أنهم حبسوه وهو ملتف بجبة قطن وفي رجله قبقاب خشب.فلا غرو إذا أصبح الحكام أو (الخلفاء) آلة في أيدي الأتراك إذا تنازعوا على السلطة كان الحاكم مع الحزب الغالب، وبعد أن كان القواد يحلفون للحاكم بالطاعة صار الحاكم يحلف لهم ، فلما تقدم الأتراك في الدولة العباسية وعلم إخوانهم في بلادهم بذلك تقاطروا مئاتٍ وألوفاً يطلبون الارتزاق بالجندية ورغبوا في الإسلام وجعلوا يدخلون فيه بالألوف وعشرات الألوف، بل مئات الألوف.و ما من دولة قامت في ذلك العصر إلا استخدمت الأتراك في جندها سواء ، فكانوا يحملون إلى بغداد أو غيرها من المدائن الإسلامية تباعاً و قلما يتوالدون فيها ولذلك كانوا يتفاهمون بالتركية وقد يتعلمون العربية ولا يتكلمونها تكبرا .و كما كان للجند الترك أثر عظيم أوقع الهيمنة بأيديهم كذلك كان للخدم و النساء دورهم أيضا في البلاط العباسي ، و قابلية لتوسع النفوذ و عظم تأثيره.و هذا تاريخ أسود و ملوث و ملطخ بالدماء ، و ليالي حمر و أيام قاتمة ، هذا هو تاريخ العباسيين و هو قطعة كبيرة من تاريخ المسلمين.و هو مثال صارخ و متشابه في عدد من الوجوه مع ما يجري في البحرين ، فقد استقدم العباسيون الأتراك و كان خطأهم الإستراتيجي الفادح لحماية دولتها وقلّدتهم المناصب الحساسة والمهمة في مؤسساتها العسكرية ، و كذلك النظام في البحرين استورد المرتزقة من بقاع الأرض و أصقاعها لحمايته من الشعب و وضعهم في تلك المناصب و هو الخطأ الأكبر.و الأتراك تمكنوا شيئا فشيئا من السيطرة على مفاصل الدولة و أدرعها ، و أجهزتها الأمنية و العسكرية ، كما هم المرتزقة في البحرين ، فهم أيضا بدأوا سيطرتهم على المواقع العسكرية و الأمنية، لدرجة لا يأمن فيها من يعتدى عليه و يُضرب من المواطنين للذهاب إلى مركز الشرطة ، و إذا ذهب لا يجد إنصافا و عدلا لحقه، بل ربما يُستهزأ به و يُسخر منه.و لم يكن العباسيون يسمعون لشكاوى الشعب، و مصائبه بسبب الأتراك و أفعالهم، كما هو الحال لآل خليفة الآن، فهو صم بكم عمي لاحتجاجات الشعب و في كل مواقعهم و مناصبهم و توجهاتهم.و كما كان في استقدام الأتراك عدم ثقة العباسيين بأبناء الشعب من الأهالي و عامة الناس على اختلافهم و تشعبهم ، كذلك لا يثق النظام في البحرين بعامة الشعب و أنما في عائلات قليلة تشاركه في مشاريع الظلم و الظلام.و كما يرى العباسيون أنّ الأتراك أقرب منهم من عامة الشعب المسلم كذلك يرى آل خليفة بأنّ المجنسين و المرتزقة من كل بقاع الأرض أقرب إليهم من البحرينيين أبناء الأرض و التراب.و كما كان في اختيار الأتراك صفات كالبداوة و البطش و الحرب و يتكاثرون حتى تضيق بهم بغداد كذلك مرتزقة آل خليفة من المجنسين ، فكثير منهم من الصحاري و القفار و أهل بداوة لا حضر، و أهل بطش و حرب ، فقاسى البحرينيون منهم ويلات الاعتقالات و التعذيب و التنكيل و القتل و ضاقت بهم البحرين .و كما كان مرتزقة العباسيين يؤذون الأهالي و الناس و يتعدون على حقوقهم و لا يوصفون بحسن الأخلاق ، كذلك مرتزقة النظام في البحرين من طبقة لا خلق لها و من صنف لا ورع لديه فهم يزاولون مهنة التعدي على حقوق المواطنين ، و كثيرو الجرائم و السرقات، و ممارساتهم منافية للسلم الأهلي و الأمن الاجتماعي .و كما فضل العباسيون الأتراك فضل آل خليفة المجنسين، و كما ميزوا الأتراك ميزوا المجنسين ، و خطط العباسيون المدن للأتراك و خطط آل خليفة المدن للمجنسين ، و كثير من المجنسين مجهولي الهوية لدى الشعب و غير مشخصين ، و أتراك العباسيين مجهولين باعتراف الحاكم.و كل هذه مقدمات نماذج فلم تبق إلا النتائج ، و لكن النتائج كانت مبهمة و مغيبة تماما للنظام فقد أخفى القائمون بالدراسات لإقصاء الشيعة تمهيدا لإبادتهم الآثار السلبية للتجنيس و الإبادة ، و لم يكونوا موضوعيين في دراستهم و مخططاتهم ، أو أنّ الأحقاد على الشيعة أعمتهم إظهارها، و النتائج كثيرة و كارثية و لكن آخرها هو انحطاط الدولة العباسية حين تكثر الأتراك و سيطروا ، و كان استقدامهم هو الخطأ الاستراتيجي الأعظم الذي أسقط نهاية الأمر دولتهم غير المباركة، و نحن نشاهد هذا الانحطاط في دولة آل خليفة و هو بداية النهاية و السقوط.
دولة جزر القمر :و لنعرف مدى تخلف النظام في قضية التجنيس نقارنه بأكثر الدول فقرا و اقتصادا ، مثل دولة جزر القمر أو الاتحاد القمُري ، و هي جزر في المحيط الهندي بين شمالي مدغشقر وشمال شرق موزمبيق، مساحتها 1862 كيلو متر مربع، و تتميز بقلة عدد السكان إذ يقدر ب 798000 ، فمساحتها أكثر من ثلاثة أضعاف مساحة البحرين و سكانها أقل من سكان البحرين حاليا، فكثافة سكانها أقل، و هي دولة تعاني من وطأة الفقر ، و لم يتسلم الموظفون رواتبهم لمدة خمسة أشهر العام الذي تم تقديم مشروع تجنيس البدون الخليجيين فيه وهو 2008 ، كما يعاني السكان كثيرا من الانقطاع المتكرر للكهرباء والوقود، و لا يتجاوز دخلها السنوي 90 مليون دولار ، لكنها غير مستعدة لبيع جنسيتها في المزاد العلني كما يفعل النظام في البحرين، فالجماعة عندهم كرامة و ديمقراطية.و حينما عرض على مجلس النواب في جزر القمر مشروع قانون يمنح الجنسية لأربعة آلاف عائلة من البدون تسكن في دول الإمارات والكويت و السعودية، مقابل تقديمات مالية ، و برر البيان الحكومي مشروع القانون بأنّ الأمر يتعلق ببرنامج هدفه جذب المستثمرين الأجانب إلى قطاع العقارات، و أنّ منح الجنسية لأربعة آلاف من دولة الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال, سيجلب ما يقارب المائة مليون دولار ، رفض النواب الذين وجهت إليهم الدعوة لعقد جلسة استثنائية تمرير المشروع في جلسة صاخبة ، و أبدت المعارضة امتعاضها الشديد من المشروع, مؤكدة رفضها بيع جنسيتها ، و أدان أحدهم طمع الحكومة المستعدة لبيع الجنسية إلى دول الخليج التي تريد التخلص من هذه العائلات ، و سقط المشروع .يخجل الإنسان من هذه المقارنة و لكنه مضطرٌ إليها ، فأين أولئك النواب القمريين الذين لا يجبرهم وضعهم الاقصادي السيئ و ضغوطاته في تقنين الاستيراد البشري مع حججه و مبرراته و لا يستسلمون للسلطة التنفيذية من بعض المتاجرين في ( برلمان البحرين) ، و الذي ينصب أحدهم نفسه مدافعا عن التجنيس و مؤسسا للجنة لتجنيس الأجانب ليظهر نفسه كحمار للسلطة و النظام ، و الذي يبرر لها ما تشاء فتركبه و تحلبه دون ظهر و دون ضرع و أنما هما صنيعتاها ، في مجلس يسمى بهتانا و زورا (برلمان) و (مجلس نيابي) و التسمية منه براء ، لأنه لا يرقى لبرلمان بوجودهم .
دولة الدومينيكا و دولة المجنسين :و الخلاصة أننا لم نجد لما يقوم به النظام في البحرين مثيلا في العالم ، فقد انفرد النظام فيه عن الدول قاطبة في مشارق الأرض و مغاربها، و حتى الدول التي تمنح الجنسية تشترط شروطا تصعب يوما بعد يوم، مع صغر العالم و انتشار (الارهاب) فيه و قتل الأبرياء من غير ذنب، و أكثر الدول إعلانا لمنح الجنسية هي دولة الدومينيكا ، بطريقة سميت ببرنامج الجنسية الاقتصادية ، و من شروطها ابتداء تحدث المتقدم بالطلب للعائلة باللغة الانجليزية، و قد أعطى هذا البرنامج الجنسية الاقتصادية لمئات الأشخاص حسب إدّعائهم، و الشرط الآخر دفع مبالغ كبيرة للحصول على الجنسية، و على المتقدم للطلب دفع مبلغا مقداره 100000 دولارا أمريكيا (يعادل تقريبا 37701 دينارا بحرينيا ) ، مما يخول المتقدم بالطلب وزوجته وولدين من أولاده تحت سن الـ 18 على الحصول على الجنسية الدومينيكية. ويتوجب دفع 15000 دولارا أمريكيا (يعادل تقريبا 5655 دينارا بحرينيا ) مقابل كل ولد إضافي تحت سن الـ 18 ، و 25000 دولارا أمريكيا (يعادل 9425 دينارا بحرينيا ) لكل ولد إضافي ما بين الـ 18 والـ 21 من السن.و في حال الطلب الفردي دون العائلة يدفع المتقدم مبلغ 75000 دولارا أمريكيا (يعادل 28275 دينارا بحرينيا).و يتوجب على المتقدمين لطلب الجنسية دفع تكاليف إضافية أيضا و هي :رسم الطلب : 200 دولارا أمريكيا لكل طلب ( يعادل 75.4 دينارا بحرينيا تقريبا).رسم الوكيل : 1000 دولارا أمريكيا لكل طلب ( يعادل 377.010 دينارا بحرينيا تقريبا).رسم التسجيل : 1000 دولارا أمريكيا لكل طلب ( يعادل 377.010 دينارا بحرينيا تقريبا).رسم الطوابع الرسمية : 50 دولارا أمريكيا لكل طلب ( يعادل 18.84 دينارا بحرينيا تقريبا).و تأخذ هذه المعاملة ما بين شهرين وثلاثة أشهر، ويخصص معظم هذا الوقت للقيام بتحقيقات عن خلفية العميل أي المتقدم بالطلب ، وتقوم بهذه التحقيقات وكالات تحقيق دولية خاصة بطلب من الحكومة.ويجب على المتقدم بالطلب أو ربّ البيت، في حال كان الطلب لعائلة، أن يأتي إلى الدومينيكا لإجراء مقابلة ، و في الحالات الاستثنائية قد يكون من الممكن إجراء المقابلة خارج الدومينيكا لكن عندها يتكفل المتقدم بالطلب بدفع كافة التكاليف.ويجب أن تُقدم كافة طلبات الجنسية من خلال متعهد أو وكيل ، و على كافة المتعهدين الأجانب أن يعملوا من خلال وكيل أو متعهد محلي في الدومينيكا.و تشمل لائحة المتطلبات معلومات كثيرة و يجب أن تكون ملحقة بأمور عديدة مثل نسخة طلب معبئة و مصدقة ، رسالة تزكية من مدير المدرسة أو رئيس الجامعة للأولاد ما بين سن الـ16 والـ18 عاما، رسالة توصية مهنية ، رسالة إثبات توظيف و بيان مالي مدقق، رسائل تزكية من المصارف التي يتعامل معها المتقدم بالطلب، رسالتي توصية شخصية، بيان بمصدر الأموال، آخر إقرار ضريبي، سجلات الشرطة مع بصمات الأصابع من بلد الولادة وبلد السكن (إذا كان البلدان مختلفين) ، رسالة موجهة إلى وزير الشؤون القانونية تتضمن طلب الجنسية، تقارير أو سيرة ذاتية مفصلة عن خلفية أعمال المتقدم بالطلب، إضافة إلى الصور و شهادة الولادة و شهادة الزواج أو الطلاق، شهادة طبية، نسخ مصدق عليها من الشهادات الجامعية، استمارة كشف مصدق عليها.ثم قد يرفض الطلب في حالة تقديم كل الأوراق و المتطلبات التي ذكرناها لسبب تراه دولة الدومينيكا .كل هذه الشروط و الالتزامات تخلى عنها نظام آل خليفة للوصول إلى إبادة السكان الأصليين، و من المؤكد إجمالا أنّ دولا و أفرادا و قوى خارجية دعمت بالمال و المعلومات و الخدمات اللوجستية آل خليفة في عمليات التجنيس، و أنّ أطرافا رفيعة في النظام استغلت التجنيس للثراء الفاحش على حساب الوطن و المواطن في حاضره و مستقبله.و بتقدير بسيط فإنّ الربح يزداد في كل حالة تجنيس فإذا كان ربح آل خليفة من التجنيس لفرد واحد فرضا هو مليون دولار أمريكي أي ما يعادل 3,750,600 ريال سعودي أو 3,672,899 درهم إماراتي ، فإنّ تجنيس 100 ألف فرد يوفر ربحا بمقدار 100 مليار دولار أمريكي ، و تجنيس نصف مليون فرد يساوي 500 مليار دولار أمريكي . كل هذه الأرباح الذي تجنيها مافيات التجنيس و عناصر النظام يقابلها خسائر عظيمة مادية و معنوية على الشعب البحريني ، فالمواطنون سيدفعون فواتير التجنيس مقدما و مؤخرا ، و لن يطول العهد حتى يرفع النظام الضرائب و الرسوم و يزيد الأسعار ، فلن يبقى الخبز بقيمته الحالية ، و لا أسعار البنزين ، و لا رسوم المعاملات الإدارية و غيرها و كلها مرتفعة مقارنة بدول المنطقة. و ذلك سيحدث هزة اجتماعية عنيفة في بلد استهلاكي يفتقد لموارد طبيعية و بنية تحتية و استقلالية اقتصادية شعبية ، بعد أن قتلها النظام بسياسته المتعمدة ، فالشعب في الحقيقة محاصر فلا زراعة و لا صناعة و لا حرية صيد الأسماك، و لا أراضي و لا أبحار و لا حرية تجارة.نظام أصم و أبكم و أعمى لا ينظر إلى تجارب الدول الأخرى و مثيلاته الدول العربية و كيف وصل بها الحال إلى المتاجرة بالمحرمات كسبا للرزق ، و نهجه الأعور الذي يسير عليه لا يوصل إلا إلى الكارثة ، و ربما انتهى وقت التدارك ، و إتقاء الفتنة التي لا تصيبنّ الذين ظلموا خاصة، فالله شديد العقاب، نسأل الله سبحانه و تعالى و نتضرع إليه بالعافية و السلامة للمواطنين البحرينيين و أن يأخذ الحكام الظالمين و جلاوزتهم و عملائهم و أدواتهم بظلمهم إنه سميع عليم.
خطر التجنيس على النظام :الخطأ الأكبر للنظام هو في توهمه أنّ التآمر على الشعب يضر بالشعب فقط، و أنّ النظام و عناصره الرئيسية بمنأى من أخطاره و أضراره، ذلك توهم يدل على جهل مطبق ، و عدم دراية بالتاريخ القديم و الحديث ، و بسنن الله في الكون و الحياة ، كما يدل على عدم تملك عناصر النظام و أفراده أدنى معرفة عن طبيعة و قوانين تطور المجتمعات، لأنّ الأضرار و المخاطر التي ستلحق بالبلد و بأهلها ستضر بالحكام و قد يكون هم أكبر و أكثر المتضررين.و البعد الأكبر في قضية التجنيس سينعكس على الحكم حيث سيطمح المجنسون بأرقى من ملازم و ضابط و وكيل محكمة ، ليعيد التاريخ نفسه في تسلط البرامكة و الأتراك على دوائر الحكم العباسي الذي جاء بهم عوضا عن مواطنيه، فأصبحوا هم الآمر و الناهي ، و هم من يقرر إقالة الحاكم و تنصيب غيره ، هذا الطموح متغلغل في هوى بعض الجنسيات كالعراقيين البعثيين الذين حكموا العراق في فترة طاغوتية و عرفوا زوايا الحكم و قواعد اللعبة مع قساوتهم و بطشهم و استعدادهم لقتل الأنفس، و أقصى درجة يمكن احتمالها هي الانقلاب ضد النظام و أخذ السلطة منه، و هذا لا يكون إلا بسفك الدماء و إزهاق الأرواح، ليلتفت حينها آل خليفة فلا يجدون مجنسا و لا سنيا و لا شيعيا يثق بهم ويصدق وعودهم الغادرة و الكاذبة.و النظام أعمته الطائفية و هو غافل عن سلطة وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد آل خليفة، التي هي في تزايد مستمر، و قريبه مسؤول الإبادة و التجنيس أحمد عطية الله آل خليفة، و خالد الآن يرأس الجناح الثالث في النظام من بعد الحاكم حمد بن عيسى آل خليفة، و رئيس الوزراء لأربعين سنة خليفة بن سلمان آل خليفة ، و لا يتوقف طموحه إلا حين يطيح بالأولين من بني عمه كما فعلها حكام خليجيون آخرون ، بمعية عطية الله الذي يسمّيه معارفه بـالعبرية نتنياهو تشابها لرئيس الوزراء الصهيوني لوجود وجه الشبه في الأسمين باللغتين و في النفسين بالشر ، مع فارق عن حكام الخليج المنقلبين على آبائهم و إخوانهم أنّ هذا الطامح متآمر و متعامل مع قوى خارجية في اللعب بأمن و مستقبل البحرين، و لعلها هي التي تغريه و تخدعه بتحقق طموحه، و لعلمه بأنّ أبناء البحرين باختلاف توجهاتهم لا يحققون أهدافه الانقلابية فقد استورد مئات الآلاف من المرتزقة الأجانب، فهي التي قد تطيعه بالانقلاب الأكبر، و استلام الحكم إن قرر أو قرر أسياده الآمرون ، و دوره يشبه بدرجة كبيرة دور بندر بن سلطان آل سعود ، العبد الذي نكّل بالأحرار في كل جبهة شريفة قبل اكتشافه قبيل انقلابه ، و وضعه تحت سجون الإقامة الإجبارية.إنّ الخلافات بين أجنحة الحكم و الإقصاء بينها ليس خيالا و أنما حقيقة تتكرر ، و لا يخرج للإعلام إلا قليله مما لا يسعف النظام التستر عليه ، و قد ذكر التاريخ فترة 1811-1869م كفترة تحارب أجنحة آل خليفة مع بعضهم البعض فهرب الكثير من أهالي البحرين إلى مناطق عديدة مثل القصبة و البصرة و الأهواز. و كان عزم من بريطانيا في عام 1869م على إنهاء كل هذه المشاكل فتدخلت في البحرين بصورة مباشرة و طردت فرعاً من العائلة الحاكمة وهجرت بعضهم إلى الخارج و هو الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة ، و تم طرده بسبب قتل أخيه علي بن خليفة ، و لذا أحضر البريطانيون عيسى بن علي آل خليفة من قطر و كان عمره 21 سنة و استمر في حكم البحرين 54 سنة ، من الظلم و البغي و العدوان ثم أبعد عن الحكم و عيّن ابنه حمد مكانه .و في حقبة العقود القريبة السابقة ذكر مصدر في المعارضة البحرينية الوضع السياسي بعد وفاة سلمان بن حمد آل خليفة سنة 1961 حيث طالب بعض أفراد القبيلة الحاكمة الطامحين بالوصول إلى رأس الحكم الوقوف في وجه عيسى بن سلمان لمنعه من تسلم السلطة بحجة أنه لا يزال في مقتبل العمر و هو 28 سنة حينذاك ، حيث يحتاج الحكم إلى رجل راشد، لكن الأخوة الثلاثة عيسى وخليفة ومحمد وقفوا صفاً واحداً ضد هؤلاء وانتصروا عليهم واستفردوا بالسلطة .كما ذكر المصدر مثالا آخر و هو حالة دعيج بن حمد آل خليفة رئيس المحاكم خلال فترة الانتداب البريطاني في البحرين ، الذي كان يطمح للوصول إلى الحكم لأنه يعتبر نفسه الأحق في هذا الموقع من سلمان بن حمد، وتحالف مع البريطانيين من أجل تحقيق هذا الهدف ولكنه فشل في ذلك عندما خذله البريطانيون الذين أبقوا على حليفهم الأقوى سلمان بن حمد، وبعد ذلك قرر سلمان أن يعاقبة و أفراد عائلته فقطع عنهم إمتيازات السلطة والوظائف الرسمية العالية هو و أحفاده حتى اليوم .كما ذكر المصدر أنماطا من الضغائن بين عناصر النظام و أفراد القبيلة و كمثال حالة خليفة آل خليفة فمنذ عشرات السنين وحتى الآن لا يزال أولاد وبنات خليفة والد وزير الداخلية السابق محمد بن خليفة وعم الأمير السابق عيسى بن سلمان محرومون من حمل لقب آل خليفة ، لأنّ أمهم شيعية من منطقة النعيم أحدى ضواحي المنامة ، وهم اليوم جميعاً محرومون من الوصول إلى أرفع المناصب في الدولة .كما ذكرت بعض حالات الخروج عن القواعد المألوفة للأسرة الحاكمة و كمثال فقد ذكر أنّ إبراهيم بن سلمان آل خليفة من الخارجين على تلك القواعد حيث رشح نفسه لعضوية المجلس الوطني المنتخب في العام 1973 وفاز بالمقعد النيابي في الرفاع بفارق كبير عن منافسه ، وانحاز إلى جانب المعارضة الوطنية و الإسلامية داخل المجلس التي تصدت للقوانين الجائرة و أهمها قانون أمن الدولة السيئ الصيت والذي بسببه تم حل المجلس الوطني وتعطيل المواد الحيوية من دستور البحرين العقدي، و قضت أعداد كبيرة من المواطنين البحرينيين الشرفاء أعمارهم خلف القضبان الحديدية و السجون .و في هذا الزمن فإن المثال البارز للمرشح بالمحافظة الوسطى وهو سلمان بن صقر آل خليفة فقد دعم النظام مرشح آخر و هو الظهراني على حساب ابن القبيلة الأكفأ و الأجدر نكاية به ، و الذي لم يوفر نقذه الصريح ضد التلاعب و التزوير الانتخابي الذي يقوم به النظام و أذنابه. و المراقب لأوضاع البحرين لابد له أن يلاحظ تركيزا صحافيا لطموح الابن الرابع ناصر بن حمد آل خليفة و قد يكون على حساب الابن الأكبر ولي العهد . إنّ هذا الحكم الوراثي يجازف بديموميته و توريثه لأبنائه بهؤلاء المجنسين فلا يحرص على إصلاح البلد لأبنائه الذين سيرثوه بعجز في كل الحريات و المجالات ، و ستكون تركة الآباء ثقيلة على الأبناء الذين هم منهم، فإن حل المشكلة قبل أن تتفاقم هو في صالح الحكم، وأما تركها تخلق شقاً عميقاً فسيضطرهم أنفسهم لمواجهتها في ظروف أكثر عقدة و زمن أكثر تباينا ، و قد تعصف بهم إن وصلت نوبة الحكم إليهم دون أن تختطف، فإنّ الاحتمالات كلها مفتوحة على مصراعيها بسبب الفجوات و الفراغات و الثغرات و الاختراقات الأمنية التي أوجدها الحكم بالمجنسين.
https://telegram.me/buratha