ميثم المبرقع
الانتفاضة الشعبانية الشعبية في الخامس عشر من شعبان / اذار 1991 هي استفتاء دموي اطلقها شعبنا في اربع عشرة محافظة ودقت جرس الانذار في الواقع الاقليمي والعربي والدولي الرسمي.وسرعة انطلاقة الانتفاضة وسرعة اجهاضها ترك اكثر من علامة استفهام امام مصداقية العامل الدولي الحريص على تغيير النظام وطبيعة المواقف العربية الرسمية التي تحولت من معارضة للنظام وحريصة على تغييره الى مؤيدة متباكية عليه متوجسة من البديل القادم.قد عشنا فصول هذه الانتفاضة المثيرة بذهول وتابعنا مساراتها ميدانياً وربما كان ينتابنا شعور بعدم تحقيق اهدافها النهائية لاسباب عديدة ربما ابرزها عفويتها وسرعة انتشارها وغياب قادتها وبطش وقمع النظام البائد وصمت العامل الدولي والاقليمي.جاءت انتفاضة شعبان بعد انهيار الجيش العراقي في حرب تحرير دولة الكويت بعد اجتياحها من قبل النظام البائد ومحاولة محوها من الخريطة الخليجية وهذا الاجتياح جاء بعد اوهام القوة ونشوة الخروج من الحرب العراقية الايرانية بعد ثمان سنوات عجاف من الحرب المدمرة دفع فواتيرها شعبنا.لم يكن يخطر في بال النظام بان دولة الكويت ستكون القشة التي تقصم ظهره وتنهي دور الاصل الى الابد بعدما توهم النظام البائد عودة الفرع الى الاصل في واحدة من ابشع السيناريوهات في المنطقة والعالم.خروج النظام الصدامي من حربه ضد ايران سالماً اوحى له باستحقاقات حماية (البوابة الشرقية) من الانهيار وحربه النيابية عن دول النفوذ العربي ومحاولة اجهاض الثورة الفتية في ايران بعد عام واحد من اسقاط نظام الشاه شرطي الخليج على يد الشعب الايراني بقيادة الامام الخميني.وغزو الكويت كان نتيجة حتمية لنشوة بطل التحرير القومي الذي لم يضع في حسابه انه سيدفع الثمن غالياً وغاية ما كان يحلم به هو التأييد العربي والخليجي والدولي للنظام الجديد في الكويت في حال رفض ضمها الى العراق.بعد انهيار وانكسار القوات العراقية داخل الكويت وانسحابها الفوضوي وسقوط الالاف بين قتيل وجريح اطلق جندي عراقي رصاصة على صورة الطاغية صدام المقبور في البصرة لتكون الايذان بانتفاضة شعبية عارمة امتدت من الجنوب الى محافظات الفرات الاوسط والشمال وكادت تصل الى بغداد حيث بلغ الثوار مدينة المحاويل احد اقضية محافظة الحلة الاقرب الى العاصمة بغداد.بينما كانت قوات التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة الامريكية تحشد امكاناتها واساطيلها وقدراتها الاعلامية طالب الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش (الاب) الشعب العراقي بالتمرد والثورة على نظام صدام كواحدة من اساليب الحرب النفسية وما ان اعلن الشعب العراقي انتفاضته المسلحة ضد نظام صدام المقبور حتى ادارت واشنطن بظهرها لشعبنا وتنصل الرئيس الامريكي الاسبق عن تصريحاته وتحريضاته متخلياً عن التزاماته القانونية والسياسية والادبية بعد السماح لطائرات النظام المحظورة بالاغارة على الثوار في الوسط والجنوب والسماح لدباباته المحاصرة بالهجوم على ثوار الانتفاضة حاملة شعار "لا شيعة بعد اليوم"التخلي الامريكي عن الثوار وتغيير خطط القوات الامريكية التي وصلت قواتها الى قاعدة علي بن ابي طالب في الناصرية لم يأت بقرار ميداني استدعته ظروف المعركة ومتطلباتها بل جاء وفق قراءات امريكية لمعطيات الانتفاضة الشعبانية وخطورتها على المصالح الغربية والعربية الرسمية وتحول حماس الكثير من الدولة العربية والخليجية التي تضررت من النظام الصدامي تحديداً الى هواجس تمظهرت بتصريحات مؤسفة وصلت الى حد مقرف فقد اعلن زعيم خليجي بشكل صريح ان " صدام ضعيف افضل من بديل نجهله"ولا اميل الى التحليلات الموغلة بالبساطة والسذاجة للخوض في اسباب اخفاق الانتفاضة في تحقيق اهدافها فتثير قضية الشعارات التي هتف بها الثائرون او الصور التي رفعها المنتفضون كاسباب واقعية للوقوف الغربي والعربي ضدها.فالصور والشعارات التي رفعها الثوار لم تكن السبب الاساسي في هذا الاخفاق فلو لم يرفع المتظاهرون صوراً او لم يهتفوا بشعارات ذات منحى مذهبي فهل يمكن ان تحقق الانتفاضة اهدافها النهائية في اسقاط النظام؟الجواب بالتأكيد لا فليست الولايات المتحدة الامريكية بهذا القدر من الغباء حتى تغير موقفها بسبب شعار هنا او صورة هناك فالقضية اكبر من هذه التصورات المفرطة بالتبسيط.مشكلة الانتفاضة الشعبانية رغم عفويتها غياب التنسيق بين قادتها والعامل الدولي والاقليمي وغياب الناطقين باسمها او القادرين على اقناع دول المنطقة وقادة البيت الابيض على اهمية استمرار هذه الانتفاضة وهو ما عزز المخاوف لدى الجميع من البديل القادم الذي ربما سيصادر ثمرات الانتصار الامريكي على النظام ويفقدهم تطبيق القرارات الدولية المفروضة على العراق بالاضافة الى هوية الثوار وطبيعة الملمح المذهبي الذي تميزت به هذه الانتفاضة.فقد اشار سماحة السيد محمد الحيدري الذي كان مشرفاً على بنك معلومات في المهجر في عهد المعارضة الى ان النظام استغل قتلى الحرب العراقية الامريكية اسواء استغلال لاثارة المخاوف العربية الرسمية من الانتفاضة الشعبانية فوزع النظام قوائم باسماء ضباطه من قتلى حرب الكويت في مواجهة القوات الامريكية واغلبهم من السنة العربر بزعمه انهم من ضحايا انتفاضة شعبان من اجل اثارة الحس الطائفي العربي ضد الانتفاضة وثوارها.واما تحميل المعارضة العراقية اسباب الاخفاق الحاصل في انتفاضة شعبان فهي اتهامات غير مبررة وغير مقبولة فان المعارضة العراقية ذات التوجه العسكري المتمثلة بقوات بدر كان لها الحضور الفاعل وسط الميدان وادت ما عليها وقدمت الكثير من الشهداء والضحايا في محافظة البصرة والكويت والعمارة.فان هناك المولعين في توجيه الاتهامات وتحميل الاخفاقات على غيرهم اسهموا في التشويه والتشويش وخلطوا الاوراق وحملوا المعارضة العراقية اكثر مما تحتمل او تتحمل من الاخفاقات التي كانت لاسباب اكبر مما يريد تأكيده هؤلاء. لم تنته الانتفاضة الشعبانية في ضمير ووجدان الشعب العراقي فظلت مستعرة في اعماقهم ترسم معالم المستقبل وهوية هذا الشعب المسلم فلئن استطاع النظام اخماد انتفاضته فانه فشل في قتل روح الثورة والانتفاضة في اعماقه.فقد عبر شعبنا مرات عديدة عن انتفاضته بطريقة اخرى بعد ان توفرت له اليات اخرى غير اليات وخيارات الانتفاضة وخاصة بعد سقوط نظام صدام فان حضوره الفاعل في الساحة السياسية والانتخابات يعكس تجذر هذه الانتفاضة بوجدانه وثقافته.ولعل مطالبته الاخيرة بتحسين الخدمات وتطوير الكهرباء في محافظات الجنوب كشف عن حماس وروح الانتفاضة المتوقدة في اعماقه وهو عندما يشعر ان الاليات الاخرى تفشل في تحقيق مطالبه سواء عن طريق الانتخابات او المظاهرات فانه ربما سيلجأ الى انتفاضة عارمة على المفسدين والمقصرين والسارقين وهذا ما يمكن الانتباه اليه وعدم تجاهله لان شعبنا قد يصبر ولكنه لن يستكين كما عبر الشهيد السعيد محمد باقر الصدر.
https://telegram.me/buratha
