زهراء الحسيني
ما يثير الدهشة والغرابة في الواقع العراقي الجديد هو انقلاب الموازين والمعايير فاصبح الذي يتساءل عن مليارات العراق متهماً بزعزعة الاستقرار والامن الوطني العراقي ومتهماً بالتشهير بنزاهة الحكومة ووزرائها بينما اولئك الذي بددوا هذه المليارات هم من المظلومين المفترى عليهم.تلك مقاييس مغلوطة ومقلوبة قضية الموازنة التي تقدر بمئات المليارات من الدولارات ليس من اسرار امننا القومي وكشفها ليس جريمة يحاسب عليها الكاشفون وليس من الصحيح ان يصاب بعض المتصدين بالهستيريا والغضب بمجرد كشفنا عن هذه المليارات من الموازنة اين ذهبت وكيف انفقت وماهي المشاريع الاستثمارية او الموازنة التشغيلية او الخطط العمرانية؟المفارقة في العراق الجديد ان من يطالب بالكشف عن الاموال العراقية الهائلة يتهم بالسعي لاضعاف الحكومة بينما السارقون والمفسدون والمبذرون للثروة العراقية بعيدون عن المسائلة والاستجواب.اصبح من يطالب بالكشف عن الاموال العراقية والشفافية في التعاطي مع ملفات المليارات في قفص الاتهام بينما اولئك المبذرون والمبددون للثروة العراقية في منأى عن المحاسبة والمراقبة بل لا يمكن ازعاجهم حتى بمجرد السؤال عن هذه الاموال وموارد انفاقها.المعروف في الدولة المتحضرة ذات النظم الديمقراطية المتميزة بالشفافية والوضوح تنشر كل موازنات وزاراتها عن طريق شبكة الانترنيت العالمية لتطلع عليها شعوبهم وقد يستثنى من ذلك الموزانة المتعلقة للوزارات الامنية كوزارة الدفاع ومخصصات التسليح او البرامج النووية ذات المنحى السري الذي يؤدي كشفها الى هتك معلومات تضر بامن الدولة.نحن في العراق الجديد الذي اصبح كل شىء فيها واضحاً هناك من يريد التعتيم على كل شىء حتى الوزارات الخدمية كوزارة الكهرباء والبلديات لا يمكن ان تكشف انفاقاتها ومشاريعها بحجة ان ذلك من الاسرار الحكومية التي لا يمكن اذاعتها او نشرها.المال العام او المال العراقي ليس ملكاً شخصياً حتى يمكن السكوت عليه وليس موضوعاً لا يمس هموم واهتمامات المواطن حتى يمكن تغافله وليس هي امراً لا يشكل محل جدل في الواقع العراقي حتى يمكن تجاهله كما انها ليست هبات ومكافئات حتى يمكن كتمانها.الموازنة من القضايا التي لا يمكن كتمانها او التستر عليها لانها واضحة للعيان ومنشورة في الوقائع العراقية ووزارة المالية هي المعنية بالاعلان عن الرقم الحقيقي لهذه الموازنة.وضمن قاعدة " رب عذر اقبح من فعل" قام بعض وزراء الحكومة بالرد على ما قيل ويقال عن الموازنة الهائلة العراقية بقولهم بانها لم تنفق كلها للمشاريع وهذا يضعهم في مسائلة اخرى وهي لماذا لم تنفق ضمن برامج ومشاريع عمرانية وخدمية وهذا ايضا تقصير اخر يضاف الى اخفاقات الحكومة العراقية فعدم الانفاق ضمن ما خصص للمشاريع يستبطن فساداً ادارياً اخر.الموازنة العراقية هي الاكبر في المنطقة والعراق هو الاقل خدمات واعمار في المنطقة ايضاً والمواطن العراقي لا يكاد يلمس او يتحسس ادنى تأثيرات هذه الموازنة الانفجارية في الواقع فلا كهرباء ولا خدمات ولا سكن ولا اعمار ولا استثمار ايضاً فاين ذهبت مليارات العراق؟لو قسنا متوسط الموازنة العراقية مع موازنات دولة شقيقة مجاورة كسوريا التي لا يقل سكانها كثيراً عن السكان في العراق فقد بلغت الموازنة فيها سبع مليارات فقط رغم التطور الخدماتي والكهرباء المستمرة الدائمة والاردن كذلك تبلغ ميزانيتها ست مليارات سنوياً ولكنها ترفل بالتطور والتقدم على كافة المستويات الخدمية والاعمارية بينما تبلغ ميزانية العراق عشرة اضعاف هذه الدول سنوياً دون ان يترتب اثراً واضحاً وملموساً على البنية العراقية التحتية او البشرية.
https://telegram.me/buratha