حسن الهاشمي
العلاقة التي تربط المؤمن بالله تعالى ورسوله والأئمة من بعده تختلف عن العلاقة التي تربطه مع سائر الناس حتى لو كانوا أقرب المقربين إليه، من أم أو زوجة أو ابن أو بنت، فالوشائج الاجتماعية بالرغم من أهميتها وعظم شأنها فإنها لا ترتقي حبا وتضحية وذوبانا بتلك العلاقة الإيمانية لاسيما عند ذلك الذي يؤمن بالغيب خلافا لما ينتاب المادي الذي لا ينفك عن هواجس وطوارق الحياة بما تحمل بين طياتها من مرض أو فقر أو مشاكل قد تنهمر على أي واحد منا، ولكن الذي يصمد أمامها ولا ينحني للعاطفة مهما كانت عاتية هو الذي اطمئن قلبه بالإيمان، والذي على مداره يعيش عيشة راضية مرضية لا نكد فيها ولا قلق ولا توتر ولا هم يحزنون.وعلى هذا الأساس فإن إيمان المؤمن الحقيقي بالحجة المنتظر كإيمانه بالله تعالى ولا تناقض في ذلك حيث إن الأول دال إلى الثاني ومندك فيه، والغريب إننا نرى بعض المسلمين يقبلون من الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، ولا يقبلون منه قوله: أنا سيِّد النبيّين وعليّ بن أبي طالب سيِّد الوصيّين، وأنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر، أوّلهم عليّ بن أبي طالب وآخرهم المهدي، الذي ورد في كتب الفريقين، وهو مورد تبرم من أولئك الذين يجزؤون الرسالة فيأخذون ما يصب في مصالحهم ويدعون ما دون ذلك سواء من القرآن الكريم أو السنة المطهرة، ما يجلب المقت والغضب الإلهي الذي ينصب لا محالة على كل من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض أولئك هم الأخسرون عملا.إذن العلاقة المعنوية التي تربط المؤمن بالإمام الغائب الذي لولاه لساخت الأرض بمن عليها علاقة وطيدة لا يمكن تجزئتها حتى في أحلك الظروف، إذ إن الأصل في الخلق التقوى والعدالة والصلاح وما عدى ذلك هو وهم وخيال وعدم، تماشيا مع القاعدة الفلسفية التي تؤكد إن الإيمان أمر وجودي والكفر أمر عدمي، ولعمري فإن الرسول والهداة الأئمة من بعده هم قمم التكامل الإنساني الذين على وجودهم تدور الحياة وببركاتهم يعيش الورى وبهداهم يسترشد الخلق، وللوصول إلى هذه الغاية العظمى كيف يمكن تقوية علاقتنا بالإمام المهدي عليه السلام, وكيف نعيش هذا المعتقد الراسخ ونتفاعل معه بكامل أبعاده, وكيف ننمي ثمرات هذه العلاقة على حياة الفرد وسلوكياته ؟.في معرض الإجابة عن هكذا أسئلة فان القرب من الإمام (ع) لا يكون إلا بالقرب من الله تعالى، فبمقدار اشتداد المراقبة والابتعاد عن الذنوب يشتد قرب العبد إلى الله تعالى وبالتالي إلى إمام زمانه... هذا من ناحية ومن ناحية أخرى الالتزام بذكره عليه السلام فان ذكره هو ذكر لله تعالى، وذلك بالإكثار من الدعاء له بالفرج بلهفة وحرقة، فان مصائبنا اليوم لا تنتهى إلا بفرجه، ومن المستحسن أن ينهل المؤمن من عطائه الزاخر تربية وسلوكا ونهجا .. ويكون على أهبة الاستعداد بان يندرج تحت لوائه ويضحى من خلص أنصاره لدى الخروج بكل ما يحمله الإعداد من معنى.توطين النفس لتقمص الكمالات والابتعاد عن الموبقات، هذا الأمر يحتاج حقيقة إلى بلوغ نفسي وتقبل ذاتي وتفاعل قلبي لمراتب الحياة الأبدية السعيدة الذين أرسوا قواعدها أئمة الهدى، ويحاول الطغاة جاهدين وما زالوا تقويضها وإزالتها عن طريق ملذاتهم وانحرافهم وكفرهم، وتشتد حاجتنا إلى أعمدة التقوى والعدالة والاستقامة لاسيما ونحن في عصر لا يفكر فيه الكثير أكثر من شهوة بطونهم وفروجهم، وأما الذين يعيشون هاجس التغيير فإنهم يفكرون مليا في حال الأمة وحاضرها وما تكابده من أهوال ومصائب، ما يحتم عليها التوحد والاستمساك بالعروة الوثقى والحجة على أهل الدنيا لكي ينتظروا الإذن له من الله تعالى لإظهار دولته الكريمة.إن السبيل الوحيد للوصول إلى قلبه الشريف يتمثل في العمل الدائب بما يرضى الله تعالى في كل المجالات، فان الإمام لا يقبل إلا من كان مسانخا معه ولو بنسب متفاوتة، لأنه يمثل قمة التقوى على وجه الأرض، فلا يليق لنصرته إلا من كان متحدا معه في أصل هذه الصفة .. ومن المناسب جدا أن يعيش كل مؤمن هذا الهاجس في عصر نرى فيه الكثير من التقلبات المؤذنة بوجود عصر جديد على وجه الأرض، وهو وراثتها من قبل الصالحين من عباده ولا تتحقق تلك الوراثة إلا بظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف لتعم العدالة وجه الأرض التي طالما غابت عنها وبقينا بدونها غرباء في أرضنا وسمائنا ولا ملجأ إلينا سوى طلعته البهية وطلته الكريمة وعطائه الوفير الذي لا بوار فيه ولا زوال ولا اضمحلال.
https://telegram.me/buratha