( بقلم : احمد مهدي الياسري )
كان العدد وقتها يقارب السبعين مجرم او اكثر في تلك الغرفة ولازلنا في منتصف الغرفة وفي لحظة انتبهت الى انها تخفي شيئا ما تحت عبائتها وبالطبع لم نفتشها قبل ان تدخل لثقتنا بها وانها امرأة عجوز وحالها مؤلم وفي غفلة مني اخرجت من تحت عبائتها سكينة مطبخ كبيرة بمقبض لازلت اتذكره اسود وكان توقيت اخراجها للسكينة عندما وصلت الى احد البعثيين القتلة وهو ضعيف البنية ولما طلبت منه ان يرفع راسه ورايتها قد بدات ترتجف وتبكي وانتابتها حالة من الغليان وكان اخراجها للسكين مرافقا لتلك الحالة المزرية وارادت ان تنهال بها عليه تروم طعنه في اي مكان من جسمه ولكني اسرعت وامسكت يدها واخذت منها السكين بعد ان طعنته طعنة اولى في كتفه بجانب الرقبة ولكن يدها الضعيفة المرتجفة لم تكن من القوة بمكان لكي تستطيع قتله وحاولت تهدئتها وهي تصرخ وتقول خلوني اخذ ثاري هذا قتل اولادي قتل نور عيوني هذا المجرم علي شربة هو من اعتقل اولادي وهو من سلمهم لي جثث هامدة ..
كان اسم المجرم رجل الامن علي شربة قد وصل مسامعي منها ولكني كنت اعرف هذا المجرم الذي كانت له الكثير من الجرائم والمأسي والمشاركات باعتقال شبابنا الرائع في مدينة النجف الاشرف وبالصدفة كان عندنا بناء لبيتنا في احد الاحياء وقد هدم ازلام الطاغية بيتنا الكبير في محلة العمارة واستولى عليه مع بيوتات المنطقة جميعها وكان بيتنا عبارة عن خمس بيوت في زقاق واحد احدهم كان يسكنه الشهيد الخالد السعيد وابي الروحي ومعلمي الشيخ مرتضى البروجردي ابا مهدي رضوان الله على روحه الطاهرة شهيد الطغيان البعثصدامي وكنا منذ الصغر لايمر يوم او ساعة الا وعيني تطل على تلك الطلة البهية لوجهه النوراني الطيب وكان علي شربة من الذين يترددون على اذاه والتعرض اليه يوميا حيث ان المجرم علي شربة كان مسؤلا عن امن تلك المنطقة التي تعج بيوتها بكبار علماء ومراجع النجف العظام واخرون قبروا فيما بعد منهم المجرمان نعمان وعذاب الذين تعرضوا بالاذى للشهيد السعيد السيد المستنبط رضوان الله عليه وتبولا عليه حين نزل السلم داخلا الى بيته وانتقم لشهادته بعد ايام حيث لم يخرج رحمه الله الى على آلة الحدباء وقداغتالهما بعملية بطولية الشهيد السعيد حيدر عنوز قرب دارنا القديمة وهذا ابان قوة الطاغية اثناء الحرب العراقية الايرانية في حقبة الثمانينات وكان علي شربة من ضمن تلك القوة التي اقتحمت داره وقاوم الشهيد حيدر عنوزحتى استشهد على ايديهم القذرة قبل ان يقتل منهم الكثير مع من جرح وكانت القوة التي قدمت لاسنادهم من بغداد وبطائرات الهليكوبتر في ملحمة استمرت يوما كاملا والبطل لوحده مع بعض الرمانات ورشاش كان بحوزته ,وكان ان استاجرنا بعد تهديم بيوتنا بيتا ومن سوء حظنا انه كان ملاصق لبيت هذا المجرم ورغم انه كان ايضا من حسن حظي فيما بعد حينما استطعت النجاة من الاعدام والموت المحقق بسبب هذا المجرم والذي له معي حكاية في الانتفاظة ساتي عليها فيما بعد ..
لم يكن الرجل الذي همت هذه الام الطيبة بقتله هو علي شربة الذي تقصده ولكن كبر سنها وهمومها وتراكم الاحزان على قلبها الطاهر وتعب النظر خاناها في التمييز بين هذا المجرم وبين قاتل ابنائها فصرخ المجرم الذي لم يكن اقل اجراما من علي شربة فهؤلاء يتشابهون في الاجرام والقتل من تلك الضربة واستغاث ان ننقذه منها وهي تشتمه وتلعنه وتحاول تمزيقه انتقاما لشهدائها الاربعة واستطعت تهدئتها واقنعتها ان هذا ليس هو علي شربة لان علي هرب بملابس نساء وانا اعلم ذلك جيدا ووعدتها انه سيقع بايدي ابطال الانتفاظة عاجلا ام اجلا وان لم يقع بايديهم فاين الفرار من يد الله وسطوته وبطشه وغضبه وانتقامه وفعلا هو اليوم بين يدي الله جل عدله وجلاله ..
هدئت روحها الطيبة وافهمتها ان هؤلاء جميعا سينالون جزائهم العادل وقلت لها انك لست الوحيدة التي لها اكباد قتلت على ايدي الجلاوزة فالعراق كله يأن من هول المصرع وتناثر اجساد الشهداء ..غادرتنا بعد ان قبلت يديها وقبلتني وعانقتني عناق الام الحنون ولم ارها بعد ذلك اليوم وقد تكون الان بين يدي رحمة الله تنال اجر تلك القرابين التي قدمتها بين يدي احبة الله ورسوله صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين ..انتفاضة شعبان لم تكن حركة عابرة في تاريخ العراق فمن يقول فشل الانتفاضة في كلماته وتحليلاته انما هو يساهم ببخس حقها وحق شهدائها الابطال الميامين وبحق من قامت في رباهم تلكم القادة الافذاذ ائمة الهدى والثورة ضد الطغيان ال البيت عليهم السلام وعلمائنا الافذاذ , فالانتفاضة لم تفشل قط وان انتصارها كانتصار من قامت باسمهم , انتصارها كان مشابها لانتصار سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين وثورته الذي خسر المعركة وانتصر, استشهد وانتصر , ذبحت احبته واسرت عترته وانتصر , زال من دنيا الفجرة وبقي الطغاة وانتصر , رفعت راسه ورؤوس احبته واصحابه واكباده من كرب وبلاء حتى شام يزيد وانتصر , وكذلك الانتفاضة الحسينية العلوية المحمدية الباسلة كان وضعها كما هو وضع مدرستها المحمدية العلوية الحسينية , انتصار محقق رغم كل التضحيات فارجو ممن يطلق كلمة فشل عليها ان يتقي الله في دماء شهدائها الابرار ..اما ماهي اهم نتائج انتصارها فمنها الاتي :
اولا : استطاعت الانتفاضة الشعبانية المباركة ان تزعزع امن وجبروت الطاغية وسجلت للتاريخ ورغم تكتيم الطاغية على مايحصل داخل العراق ان هناك كما هائلا من شعب لعراق تمثل باربعة عشر محافظة من مجموع ثمانية عشر محافظة صوتوا بلا دامية ضد حكم الطاغية الكاذب بالقول ان 99,99,99 % هم من انتخبه ..ثانيا : رغم ان اعداء اتباع اهل البيت عليهم السلام اعرابا واغرابا سولت لهم انفسهم باعطاء الضوء الاخضر للطاغية لقبرها تلك الثورة الشماء لانها ترفع شعارات لطالما اقلقت واقضت مضاجع الجميع كبارا واقزام عربا وغربا الا انهم لم ينسوها ابدا ورغم اعادة القوة للطاغية بعد هزيمته وتركه يلملم فلوله وجرذانه لكي يتصدى لهذه الثورة التي لولاها لما بقي على كرسي حكمه ولولاها لما سقط فيما بعد حينما ايقنت القوى الكبرىانها من الممكن ان تعاد وبانتصار محقق هذه المرة بعد الاستفادة من اخطاء الماضي واهمها عدم الزحف والتنسيق مع الكورد وباقي المحافظات للزحف على بغداد وبسرعة ولهذا اقدمت امريكا عى اسقاطه لكيلا يسقط العراق بايدي ابنائه كما حصل مع شرطي الخليج شاه ايران المقبور وتكون الفجيعة اثنان وهذا ماجعلهم يعجلون باسقاطه بعد ان انكشف مستور اجرامه وفاحت رائحته عنان السماء ..
ثالثا : انتجت تلك الثورة المعطاء جيلا من الشباب المتحدي الغير هياب الذي ينظر الى الطاغية انه قزم لاحول ولاقوة له وان كان اجرامه فاق التصور ولهذا كان الطاغية كلما ازاد من وتيرة القتل ازداد التحدي له والاستهزاء المبطن والمعلن به وانه كان بالامس مهزوما ولما يزل مهزوما في قرارة نفسه المتعجرفة والتي فضحت هزيمتها علانية وان كان حظه في نيل رضى اعداء واصدقاء الامس هو من ابقاه ولولاهم وتغاضيهم لكن مصيره مسحولا مقطع الاوصال في شوارع بغداد مع كل شراذمه وكما حصل لهم في كوردستان والجنوب والوسط ..
رابعا : انتجت تلك الانتفاظة قمم عظيمة تصدت فيما بعد للطاغية بتحدي منقطع النظير من البطولة والاقدام وتلك حركة الشهيد الخالد السعيد السيد محمد محمد صادق الصدر مرتدي الكفن والصارخ بوجه وامام الطاغية بكلا كلا كلا للطغيان بكل صنوفه وعناوينه وتلك حركة واقدام الشهيد الخالد الشيخ مرتضى البروجردي والسيد الغروي رضوان الله عليهم اجمعين وماتلاها من قوافل الشهداء الابطال ..
خامسا : افرزت تلك الانتفاضة خسة الاعراب وابرزت بوضوح مدى حقدهم وبغضهم للحق بالرغم من غدر صدامهم بهم ولكنهم فضلوه على شعب ابي رفض حتى احتلال الكويت لا بل وفي قصة ساسردها بعد هذه النقاط حررهذا الشعب المنتفض بعض الكويتيين من سجون الطاغية واوصلهم الى اهليهم معززين مكرمين وفوق هذا وذاك افتاء المراجع العظام بحرمة شراء وبيع واغتصاب اي قطعة او ممتلكات تعود لشعب الكويت كالسيارات وغيرها من الاثاث ولكن ال سعود ومن لف لفهم والتى التي حررت الكويت وعلى راسها الولايات المتحدة غضت الطرف عن الطاغية واعطته الضوء الاخضر لقبر ابطال الانتفاضة الباسلة لا لشئ الا لانهم ابناء حيدر ذلك الرقم الصعب في تاريخ الانسانية حتى قيام الساعة ..
سادسا : سجلت الانتفاضة للتاريخ سفرا خالدا من قيم البطولة والتصدي والشجاعة والاقدام والحب بين ابناء هذا الشعب الابي وهذا السفر يحسب لابنائها الميامين وبناتها البطلات الزينبيات وحتى لاطفالنا الاعزة وجعلت لهم فخرا يفاخرون به الدنيا اذا ماجلسوا بين اقرانهم من الانسانية التي تفتخر شعوبها بثوراتها وابطالها ..الكثير الكثير مما لايعد ولايحصى من النتائج التي افرزتها الانتفاضة البطولية في ذلك الشعبان الاسعد والحزين في ان معا ..
كان يوما من ايام العز كنا نبحث في السجون في مديرية الامن عن تلك الضحايا المنسية من ابناء العراق الابطال وبينما كنا نتنقل من غرفة الى اخرى في تلك الاقبية اللعينة عثرنا على عائلة ام واطفالها الثلاثة وزوجها كانوا في غرفة مظلمة صغيرة قذرة رائحتها وواطئة السقف كانت وجوههم بيضاء لبعدهم عن اشعة الشمس وحالة الرعب والهول قد اصابتهم واعتلى الشحوب وجوههم البريئة اقتربت منهم سلمت عليه ومعي بعض الاخوة , كانو من الذهول لم يردوا علينا باي كلمة وقد كانوا يظنون اننا اتينا لقتلهم او اعدامهم حيث يعلمون انهم بيد ازلام الطغيان البعثصدامي المجرم ولكننا هدئنا من روعهم وقلنا لهم انها الثورة هي التي اتت لتحريرهم من ربقة سجون الطغيان ..
كنت قريبا من الرجل الذي يرتدي دشداشة بيضاء اسودت من طول محنته واتسخت من التعرق والاوساخ التي تنتشر في تلك الغرفة الصغيرة اما الأمراة ترتدي عبائة لماعة نوعا ما واطفالها حولها في رعب وخوف فسلمت على الرجل وقلت له لاتخف نحن اهلكم من اين انتم ؟؟ حيث لم تكن ملامحهم انهم من النجف او مايجاورها فرد بصوت فيه قليل من الاطمئنان انني من ............ التقيكم احبتي في القادم من الايام انشاء الله وتلك الحقيقة الفخر , تلك الحقيقة التي قضت مضاجع الطغاة واحالت ايامهم بؤسا وشقاء ولازلت اناشد جميع الاخوة والاحبة في باقي المحافظات ان لايبخسوا حق شهدائهم وان ينبروا لسرد اي حقيقة عن ماجرى في مدنهم الباسلة والتي لم تكن باقل عطاءا من دار علي الكرار سيد الاحرار وابا الثوار ذلك الدر وباقي الناس وانا منهم كلهم تراب .احمد مهدي الياسري
https://telegram.me/buratha