المقالات

ثقافة المنفعة

674 23:02:00 2010-03-15

علي محمد البهادلي

ثقافة المنفعةإن مبدأ البراغماتية الذي وُلِدَ في أحضان الحضارة الغربية الذي غدا منهج عمل في كل مفاصل الحياة هناك ، تسرب إلينا فأصبح الإنسان هنا ، الذي يُفترَض أنه يقدم المصلحة العامة على مصالحه الشخصية حتى لو كان ذلك يلحق ضرراً بنفسه بسبب الموروث الديني الذي يدعوه إلى ذلك : (( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة )) ، يحتذي ذلك النموذج فأصبح يقدم أهواءه ومصالحه وهمومه الفردية على المصلحة العامة ، ولا يعبأ بالمجتمع ولا بمشاكله، فتعاملات الفرد في البيت والدائرة والشارع كلها أصبحت تفتقر إلى الأخلاقية الدينية التي تناهض الأنانية الفردية وتستهجن عدم مشاركة الآخرين همومهم وتطلعاتهم ، فعندما يحلم شخص ما ، مثلاً ، بوظيفة معينة أو منصب معين يسعى ما أمكنه ذلك إلى تتبع عثرات الآخرين ومن ثم تسقيطهم ، ويضع العراقيل في طريق نجاحهم ؛ ليحل هو محلهم ويختطف الفرص منهم ، وإذا سنحت له الفرصة أن ينهب المال العام أسرع في الإقدام عليها ، أما تقديم الخدمات والإعانات للمواطنين والسعي الجاد من أجل تطور البلد وتنميته الاقتصادية ، فإنه لا يتقدم خطوة واحدة في هذا الاتجاه إلا إذا كان يصب في مصلحة مستقبله المالي و السياسي . من الأسباب التي أسهمت في تفشي مثل هذه السلوكيات والأخلاقيات هو افتقار الكثير من السياسيين إلى ثقافة معنوية تحترم قيمة العمل وقيمة الإنسان ، فالفرد إذا أحس بوجود حس داخلي يحضه على عمل الخير وتقديم المساعدة للآخرين والمشاركة في بناء المجتمع من كل النواحي سواء الثقافية أو الأخلاقية أو السياسية والاقتصادية وأخذ يشعر بـ ( الواجب ) الأخلاقي فإنه سيبادر إلى هذه الأعمال حتى لو كانت نتيجتها الإضرار بمستقبله الشخصي وميوله وتطلعاته الفردية ؛ لأن الواجب الأخلاقي يعطي للعمل قيمته ليس على أساس ما سيجنيه الفرد من هذا العمل ، بل إن قيمة العمل هي ما يمثله من رجحان في ميزان الأخلاق .إن النخب السياسية في العراق الجديد على الرغم من الشعارات التي ترفعها من وجوب خدمة المواطنين وتوفير السكن ومكافحة الفساد والقضاء على البطالة والعمل الجاد من أجل الوصول بالبلد إلى مرحلة التنمية الاقتصادية والرفاهية ، لكن أكثر وعودها "خلب" وسراب يخدعون به المساكين من الناس الذين لا حول لهم ولا قوة في ظل الوضع المأساوي الذي يعيشونه ، وستؤثر مثل هذه الوعود الكاذبة في منظومة المجتمع القيمية ؛ لأن أفراد المجتمع عندما يرون النخب السياسية التي تتصدر المشهد السياسي العراقي تتميز بـ " الازدواجية " و "الانتهازية " وتعد بشيء وتفعل شيئاً آخر ، وتتملص من وعودها ، وتثري على حساب الناس ، فإنهم ـ أي أفراد المجتمع ـ ستضعف لديهم موجة الرفض لهذه السلوكيات ، وستغدو من المقبولات بل من بديهيات الشخصية الناجحة ، فتبدُّل القيم الأخلاقية والاجتماعية مرهون بعدة أسباب ، منها أداء النخب الحاكمة والشخصيات التي لها حظوة ووجاهة في الحياة الاجتماعية ، وقديماً قيل " الناس على دين ملوكهم " ، وفي القرآن الكريم الكثير من الأمثال التي تصلح أن تكون شاهداً على تأثير الواجهات السلطوية والدينية في المجتمع بغض النظر عن صلاحها أو طلاحها ، فبعض الشخصيات المتنفذة قام بأعمال غير صالحة وقبيحة ولا تتناسب مع كرامة الإنسان ، لكن المجتمع أطاعه وأخذ يحـذو حـذوه بالتـدرج ، ففرعون كما أخبرنا القـرآن الكريم عنه : (( استخف قومه فأطاعوه )) أما السلطة الدينية ، فهي الأخرى تؤدي دوراً بالغ الأهمية في هذا الاتجاه ، فالأحبار والرهبان كانوا يقومون بالدور نفسه الذي تقوم به النخب السياسية ، قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم : (( إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله)) فهم من جهة يدعون الناس إلى عمل الخير ومساعدة الفقراء والإيمان بالله والقيم الدينية السامية ، وفي الوقت نفسه يعملون أعمالاً تناقض تلك النصائح التي يوجهونها للمجتمع ، وهذا ما يجعل أفراد المجتمع يصابون بخيبة أمل ؛ بسبب هذه الازدواجية ، ويكفرون بكل القيم والمبادئ التي ترفعها تلك النخب ، بل قد يؤدي أفراد المجتمع الدور نفسه الذي قام به من كان قبلهم عند تسنمهم المسؤولية ، لذا ينبغي للأحزاب والتيارات لا سيما الإسلامية منها أن تحاول قدر إمكانها نفع المواطنين والابتعاد عن الوعود المعسولة وتجنب الإغراق في " الأنا " الفردية أو الحزبية والفئوية ؛ لأن ذلك سوف يجعل الناس تُعرِض عنهم وعن الأيدلوجيات التي يتبنونها ، ولا أعتقد أن من السياسيين من يرضى بهذه النتيجة ، لكنها ستكون حتمية ، ولا يستطيع أحد دفعها.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك