شلال الشمري
لم تكن مفاهيم الحرية والتضحية والفداء والإيثار الشجاعة والكرم والمبدئية والإيمان والصدق والأمانة والعدل والرحمة والوفاء والمسؤولية والإنسانية بالمفاهيم المجهولة قبل ملحمة كربلاء الإلهية وبعد ها، لكنها كانت عرضة للإغراءات الدنيوية المتمثلة بالمال والسلطة ، فتأخذ بالانكماش والتحجيم تبعاً لمبدأ الربح والخسارة ، وقد تتعرض لامتحان القوة ، فيُؤثِر أصحابها السلامة ، وقد تتعرض لتقادم الزمن ، فترتخي لديهم قبضة الثبات عليها ، وقد تكون دواعيها لا ترتقي لمستوى الموقف ، فيتم التراجع عنها ، أو تكون رهينة بهمَّة من يقوم بها فتتأرجح بين الإقدام والإحجام . وقد بقيت القيم تخضع لمعيار الوسط الذهبي ( لا إفراط ولا تفريط ، وإنما خير الأمور أوسطها ) فالشجاعة هي وسط بن الجبن والتهور ، والكرم هو وسط بين البخل والإسراف ، وهكذا .... ، وهذا المعيار لا يتسم بالثبات ، فهو عرضة للأهواء والنسبية . لقد تسامى الحسين عليه السلام بالقيم إلى مصاف جده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عندما خاطب قريش من خلال عمه أبي طالب ( (والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته ، حتى يظهره الله أو أهلك دونه )) وهو امتداد لتسامي المبادئ عند أبيه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، عندما وقف بوجه الإغراءات الدنيوية قائلاً : (( والله لو أُعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت ) فكان قوله ـ أي الحسين ـ (( والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد )) ينبع من المعين ذاته . إن قيماً بهذا التسامي لا يُعقَل وجودها على أرض الواقع ، وهي من المطلقات التي يصعب تصورها أو إيجاد تطبيق عملي لها ، أو حتى وصفاً خيالياً من باب الأدب الروائي ، لو لم يجسدها الإمام الحسين عليه السلام يوم العاشر من محرم ؛ نهوضاً بأعباء الرسالة بعد جده وأبيه عليهما السلام عندما اقتضت الحاجة والموقف إلى مصاديق وتطبيقات عملية تجسد هذه القيم ؛ كي لا تبقى رهينة المعايير النسبية نعمل بها بالحد الأدنى تارة، ونعطلها تارة أخرى ، عبارة عن جلباب فضفاض ( FREE SIZE) يجتهد بها الجميع ، فمن اجتهد وأصاب فله أجران ، ومن اجتهد وأخطأ ، فله أجر واحد . لولا ارتقاء الإمام الحسين عليه السلام بقيم الرسالة ، لشقَّت الأوثان طريقها إلى الكعبة ثانية تحت جلباب الإسلام . لقد شكل موقف الإمام الحسين في العاشر من محرم صعقاً للوجدان الإنساني الذي وصل إلى حالة الموت السريري ، فكان لاستشهاده عليه السلام تأثير مطلق أكبر من أي نصر دنيوي أو مكسب مادي زائل لا يفعل فعله . لقد لفت الحسين عليه السلام أنظار المسلمين إلى عظمة الإسلام من خلال عظمة التضحية التي قدمها ، ووضع حداً لتداخل الألوان وقطع الطريق أمام الطغاة في أن يسعوا إلى تداخلها مجدداً وبين طريق الهدى بكل وضوح وكشف المفسدين ، ووضع الإنسان أمام مسؤوليته ؛ لكونه خليفة الله في الأرض . لقد ارتقى الحسين عليه السلام بالنوع الإنساني وكرامة الإنسان التي امتهنت على يد الطواغيت . موقف الحسين عليه السلام فخر للإنسانية في ماضيها وحاضرها ومستقبلها لقد أجلى الصدأ عن معدن الرسالة إلى يوم القيامة . وأخيراً فإننا لا نحيي عاشوراء كل عام ، بل عاشوراء هي التي تحيينا وتجدد لنا الحياة في كل عام .
https://telegram.me/buratha