علي محمد البهادلي
في بداية كل عام تفرض دائرة الرعاية الاجتماعية التابعة لوزارة العمل على كل المشمولين بإعاناتها أن يملأوا بياناً سنوياً يتضمن معلومات عن الشخص المشمول بالإعانة ، وغالباً ما يصاحب هذه العملية تعقيد الإجراءات وعرقلة إنجاز المعاملات ، ويستطيع كل من يمر بمقر هذه الدائرة الـتأكد من كلامي هذا ، فيرى جموع الناس المتجمهرين على شكل طوابير ،وفي هذه المناسبة ارتأيت أن أكتب هذا المقال لعله يصل إلى آذان المسؤولين لأجل رفع معاناة هؤلاء الناس وإيجاد الحلول الناجعة لعدم تكرار المخالفات هناك ، لا سيما أن البرلمان ينوي استجواب وزير العمل .في البدء لا بد من الإشارة إلى أن وزارة العمل من الوزارات التي تكثر فيها حالات الفساد الإداري ، لا سيما دائرة الرعاية الاجتماعية ، فالرشوة والمحسوبية تتحكمان بكثير من أعمال هذه الدائرة ، ناهيك عن سرقة الأموال العامة بإدخال آلاف الأسماء الوهمية إلى سجلات شبكة الحماية الاجتماعية ، أما الأسباب التي جعلت هذه الدائرة تتميز عن غيرها بكثرة الفساد والمخالفات الإدارية فهي البيروقراطية والروتين الممل الذي يجعل المواطن يدفع الرشوة لأجل الإسراع في إنجاز معاملته ، ومنها قلة رواتب الموظفين في هذه الدائرة ، إذ إن أغلبهم موظفون متعاقدون يتقاضون راتباً لا يتجاوز 15000دينار ، وهو راتب لا يتناسب مع ما يقومون به من أعمال متعبة ومجهدة ، ومن تلك الأسباب أيضاً فساد القيادات الإدارية ، فمدير الرعاية الاجتماعية الأستاذ ( عصام عبد اللطيف ) من الشخصيات الضعيفة التي ينقصها الكثير من الخبرة والتجربة فضلاً عن الكثير من الشبهات والتهم التي تُثار حوله ، بل وصلت إلى حد اليقين والقطع ، فقد تواترت الأنباء عن أن كثيراً من التعيينات في هذه الدائرة تأتي عن طريق المحسوبية والمنسوبية ، ووجود تمييز في التعيينات بين الذكور والإناث ، وهو ما يؤكد في الوقت نفسه وجود فساد أخلاقي فضلاً عن عمليات الفساد الإداري والمالي ، وقد نقل لي بعض من التقيته من موظفي هذه الدائرة أن مدير عام هذه الدائرة يقوم بوساطة الحماية الشخصية له بتسهيل إنجاز معاملات الأخوات المراجعات من مطلقات وأرامل وغيرهن ، وهذا عمل يُشكَرون عليه ، لكن الأمر أفظع من هذا ، إذ إنهم يساومون هذه النسوة ويبتزونهن ، فيُجبَرْن على النزول لرغبات هؤلاء لتسريع إنجاز معاملاتهن ، ولو كُشِفَ الغطاء لبانت الصورة القبيحة لسلوكيات هؤلاء التي يربأ كل عراقي غيور عنها ، وقد قام مكتب المفتش العام في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بمواجهة هذا المدير ، وعرض عليه مثل هذه المخالفات الإدارية والأخلاقية ، لكنه استطاع أن يفلت من قبضة المفتش العام بإيراده عدة أجوبة منها : أن الذكور لا يرغبون في العمل في هذه الدائرة لكون الراتب قليلاً ولا يفي بمتطلبات حياتهم المعيشية ؛ لأنهم ـ أي الذكور ـ مسؤولون عن إعالة عوائلهم ، أما الإناث فلا يكترثن بالراتب ، ويقبلن به حتى لو كان زهيداً ، إذ إن هناك من يتكفل معيشتهن ، وغيرها من الأجوبة ، وصدق الله جلَّ وعلا إذ قال : (( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون )) .إن الأدلة كثيرة على تفشي الفساد في هذه الدائرة ، بل هي أشهر من نار على علم ، ولا أدري لماذا لا تتحرك الجهات الرقابية لفتح ملفات الفساد في هذا المكان ، لا سيما أن مديرها ليس له جهة سياسية متنفذة يتكئ عليها في حمايته من المساءلة .وقبل الختام أود الإشارة إلى أن هناك سبباً آخر جعل الفساد يتفاقم في هذه الدائرة ، وهو ما يشير إليه بعض العاملين فيها، وهذا السبب متعلق بمعالي وزير العمل نفسه ، إذ إنه وخلال عملي هناك ما يقرب سنة ـ كما يقول هذا البعض ـ لم أرَ الوزير ولم أسمع أنه زار هذه الدائرة أو تلك ، وهذا يشكِّل تقصيراً واضحاً وخللاً بيناً في إدارة هذا الوزير لهذه الوزارة ، إذ ينبغي للوزير ـ أي وزير ـ أن يتفقد الدوائر المرتبطة بوزارته ، ويشخص المشاكل والصعوبات التي ترافق عملها ؛ كي يستطيع أن يجد لها الحلول الناجعة ، وأن يكون له حرص شديد على أداء وزارته وسمعتها ، فيحاول ما استطاع أن يستوضح الأمور وأن يستحصل المعلومات التي توصله إلى مكان الخلل الإداري والفساد الموجود هنا أو هناك ، فإذا رأى الموظفون ـ بعض الموظفين ـ والمدير العام في كل دوائر الوزارة أن الوزير لا يهتم بزيارتهم ولا يتفقد الدوائر الفرعية في وزارته ، فإنهم سيصولون ويجولون ويسرحون ويمرحون ، فلا حسيب ورقيب ، ولا أدب ولا أديب !من هنا نناشد مجلس النواب ولجنة النزاهة فيه أن يأخذوا ما ذُكِر آنفاً ، ويعرضوه في الجلسة المخصصة لاستجواب وزير العمل ( محمود الشيخ راضي ) ، إذ تردد في وسائل الإعلام نقلاً عن لجنة النزاهة وعدد من أعضاء مجلس النواب أنهم بصدد استدعاء هذا الوزير واستجوابه ، راجين من السادة النواب أن ينظروا بعين الرحمة والعطف والإنسانية للشرائح المشمولة بإعانات هذه الوزارة ، وأن يحاولوا ما استطاعوا أن يوقفوا الظلم والغبن الذي يقع عليهم ، وهذا ليس منة أو تفضل منهم ، بل هو أدنى ما يجب عليهم القيام به ، فهل سيسمع السادة المعنيون هذا النداء ؟ أم انهم ينطبق عليهم قول الشاعر
لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي
https://telegram.me/buratha