علي غالب بابان - وزير التخطيط العراقي
• هنالك إمكانية فعلية وليست افتراضية بأن يتغير واقع الحياة في العراق بكل مفرداته وتفصيلاته
• هنالك أكثر من ( غول ) يمكن أن يفترس الزيادة المفترضة والموعودة في العائدات النفطية بما يؤول إلى ضياع الفرصة وإهدارها...
في حياة الأمم والمجتمعات فرص وسوانح قد لا يتكرر حدوثها خلال فترات متقاربة, والأمم الواعية الرشيدة هي التي تحسن اقتناص الفرص والإفادة منها لصالح حركتها الصاعدة وتشييد نهضتها, والعراق ليس استثناء من ذلك وهو بحاجة ماسة إلى (رافعة..) تنتشله من واقعه المرير وتضعه على طريق صاعد وفي مدار مختلف....كنا ولازلنا نضع سيناريوهين مختلفين لنهوض الاقتصاد العراقي من كبوته وتغلبه على مشاكله وعلله وفي كلا السيناريوهين فأن المطلوب هو تحقيق قفزة في الإيرادات يستطيع بها البلد أن يعيد بناء قاعدته الإنتاجية وتشييد بنيته التحتية والارتقاء بمستوى معيشة مواطنيه وبما يتناسب مع الثراء الذي حباه الله لهذا البلد.. في السيناريو الأول تتحقق قفزة كبيرة بعائدات النفط نتيجة زيادة في الإنتاج... وفي السيناريو الثاني تتدفق الاستثمارات الأجنبية إلى العراق في ظل بيئة استثمارية ملائمة...على الدوام كنا نفضل حدوث السيناريو الأول ولأسباب عديدة معروفة فضلاً عن أنه الأقرب إلى التحقيق, واليوم ومع العقود الجديدة التي أبرمتها وزارة النفط العراقية يبدو السيناريو الأول قريب المنال ( إذا لم تعاكسنا الظروف السياسية والخارجية ), بغض النظر عن أرقام الإنتاج المتوقعة التي أعلنتها وزارة النفط, ومدى دقتها, والقدرة على بلوغها في المديات الزمنية المعلنة فبإمكاننا أن نفترض أن قدراً هاماً من زيادة الإنتاج الوطني من النفط سوف تتحقق بالفعل خلال السنوات القليلة القادمة, وهنا سوف تبرز الفرصة التي يجب إلا تضيع أبدا على الشعب العراقي كما ضاعت قبلها العديد من الفرص التي كان بإمكانها أن تغير واقع الحياة على الأرض العراقية لو أحسن استثمارها.هذه الزيادة الهائلة في العائدات بإمكانها أن تضع الاقتصاد العراقي على سكة السلامة وأن ترفع المعاناة عن المواطن وتضع الاقتصاد العراقي على خارطة الاقتصاد العالمي والإقليمي.هنالك إمكانية فعلية وليست افتراضية بأن يتغير واقع الحياة في العراق بكل مفرداته وتفصيلاته ولكن ذلك لن يحدث من تلقاء نفسه بالطبع بل لابد من توفير شروطه ومستلزماته, وفي أول هذه الشروط وأهمها على الإطلاق.. امتلاك الرؤية والإستراتيجية الضرورية لبناء الاقتصاد الوطني والنهوض به, ومفتاح هذه الإستراتيجية وعنوانها العريض هو... تحريك عجلة الإنتاج الزراعي والصناعي في العراق وتحويل المجتمع إلى خلية إنتاجية حقيقية وصيرورة المواطن في بلادنا مواطناً منتجاً...من الممكن جداً ومن الخطير أيضاً أن تضيع هذه الفرصة على الشعب العراقي فتذهب أموال النفط الإضافية لشراء الخضار والفواكه المستوردة من دول الجوار أو شراء الملابس الصينية فيما تحتضر زراعاتنا.. وصناعاتنا... ويحرم مواطنينا من ابسط الخدمات الضرورية.لسنا معنيين كثيراً بالجدل حول عقود النفط الأخيرة وفيما إذا كانت قد حازت المصادقة القانونية المطلوبة أو تضمنت أفضل الشروط والتفاصيل الفنية ولسنا معنيين كذلك بالتساؤلات عن سر توقيتها في الأشهر الأخيرة من عمر الحكومة ولكننا معنيون بالتأكيد بالفرصة التي تحملها هذه العقود والأمل بالمستقبل من أجل انتشال الاقتصاد العراقي من الحفرة التي يقبع بها وتجاوزه حالة نقص الاستثمارات المطلوبة...هنالك أكثر من ( غول ) يمكن أن يفترس الزيادة المفترضة والموعودة في العائدات النفطية بما يؤول إلى ضياع الفرصة وإهدارها... هنالك (الفساد) الذي يمكن أن يطيح بهذه العائدات وما هو أكبر منها... والبيروقراطية التي تستطيع إجهاض أي مشروع تنموي حقيقي... وهنالك الميل الاستهلاكي والنمو المفرط للنفقات التشغيلية لموازنة الدول والذي قد يستنزف العائدات الإضافية في ظل غيبة الوعي و انعدام الإرادة لدى متخذي القرار... وأخيراً وليس آخراً.. هنالك حالة عدم الاستقرار السياسي التي اكتوى الشعب العراقي بنارها وذاق مرارتها والتي يمكن أن تهدر الفرصة وتطيح بها من أساسها.لازلنا على مسافة زمنية فاصلة من حدوث الزيادة في الإيرادات, وهذه السطور هي محاولة للتذكير.. والاستعداد.. والتهيؤ لذلك الاستحقاق بما ينبغي, وهناك المزيد مما يتوجب عمله... والتنبه له.. واغتنامه, والأمم التي تفرط بالفرص الثمينة تفرط في مستقبلها... وحق مواطنيها في الحياة السعيدة.
https://telegram.me/buratha