علي محمد البهادلي
إن النظم الدكتاتورية التي حكمت الكثير من دول العالم أشاعت في تلك المجتمعات الكثير من المفاهيم والأفكار المغلوطة بشكل ممنهج ومدروس ، وأخذت الشعوب يوماً بعد آخر تتكيف مع هذا الوضع ، بل ازداد الأمر سوءً وفداحةً عندما تقبَّل المجتمع تلك المفاهيم واعتبر أضدادها شاذة وغير سليمة ، ومن تلك المفاهيم والأفكار المذكورة آنفاً عبادة الشخصية وتأليه الحكام والتغني بأمجادهم المزيفة ، فهذا الوضع هو الذي كان سائداً في الدول العربية ، فالزعيم الفلاني والملك العلاني والقائد الضرورة وعبارات بالروح بالدم نفديك يا جمال ويا صدام أصبحت من الأشياء المألوفة وتستسيغها الأسماع دونما حرج ، وربما يكون لهذه الظاهرة منشأ اجتماعي يرتبط بالمنظومة القبلية ورئيس القبيلة وشيخها في البيئة العربية ، لكن العقود الماضية شهدت ردات فعل عنيفة من قبل الجماهير على هؤلاء الحكام الدكتاتوريين ــ على الرغم من وجود وعاظ سلاطين مثبطين لهمم الجماهير بالفتاوى السلطوية ــ وعلى الرغم من وجود الكتاب والأدباء من " أعشار المثقفين " الذين يغنون ويزمرون في كتاباتهم وقصائدهم لهؤلاء الطغاة ، وهكذا بدأت حركة الوعي التحرري والشعور بضرورة الانعتاق من ربقة الاستعباد والانطلاق نحو فضاء الحرية ، وأوضح مثال على ذلك المجتمع العراقي ، فقد كافح وخطا خطوات جادة لزلزلة عرش الطاغية المستبد الفاسد ، واستمر نضاله ثلاثة عقود كانت نتيجتها الآلاف من الشهداء الذين صُلِبوا على مقصلة العز والشرف ، لكن النهاية تكلَّلت بانتصار الجماهير وانهزام الدكتاتور واختفائه في جحر جرذ . والمثال الآخر هو الشعب المصري الذي يقع في طليعة الشعوب العربية التي قارعت الطغاة والمستبدين والذي يرزح الآن الكثير من أبنائه في ظلم السجون والمطامير جراء مطالبتهم بأقل حقوقهم وهو حرية إبداء الرأي والحرية السياسية وتداول السلطة بالطرق الشرعية ويكون الشعب هو الفيصل في تقرير مصيره ، لا أن تُلغَى إرادتهم وينصب الأب الإبن وكأن الشعب المصري ذا الحضارة والتأريخ العريق قاصر ، ولا يتمكن من تقرير مصيره ؛ فيُنَصَّب له وصي ، وما أقبح فضيحة الرئيس المصري عندما اعتقل أحد المرشحين للانتخابات والذي كان أقرب المنافسين للرئيس نفسه ، فبدل من أن يتعظ هذا الدكتاتور وغيره من المستبدين من سقوط نصب الدكتاتورية في العراق ، ويفسح المجال للشعب أن يدلي برأيه بحرية ، تراه يقيد الحريات ويقمع الجماهير ويعتقل المنافسين . أما أبناء اليمن فقد أُبتلوا أيضاً بدكتاتور متخلف متسلط خلَّف كل يوم أزمة ابتداءً بأزمة اليمن الجنوبي في العقد التسعيني من القرن المنصرم ، ولا نظنها تنتهي بالأزمة الأخيرة في صعدة شمال اليمن ، وها هو الشعب هناك يخوض معركته المصيرية ضد الدكتاتورية والعبودية ومصادرة الحريات ، ولا يظنن أحد أن هذا الصراع هو صراع مذهبي وطائفي ومدعوم من خارج الحدود ، فالشعب العربي اليمني ضاق ذرعاً بسوء الأوضاع المعيشية ، والتخلف والفقر ، وانعدام الحرية السياسية ، وسياسة التمييز، لكن الأنظمـة العربية دأبها " تدويل " مشاكلها و "أقلمتها " وكأن العالم ليس له همٌّ إلا هذه الدول ، وهذا يذكرنا بنظام الطاغية صدام ، فكلما ظهر على السطح حادث أو اضطراب اتهم إيران والأطراف الخارجية ، فهناك عدة مشاكل في جمهورية اليمن بعضها في الجنوب ، أغلبها يتمحور حول التخلف والجهل والفقر وحرية إبداء الرأي والتداول السلمي للسلطة ، ولا علاقة لهذا لا بإيران ولا بصراعها مع الولايات المتحدة الأمريكية أو المملكة العربية السعودية ، وإن أريد لهذا الصراع أن يتخذ هذه الصفة .أما الوضع في السعودية فهو لا يختلف كثيراً عن الوضع في باقي الدول العربية فتكميم الأفواه وانعدام حرية إبداء الرأي وانتهاكات حقوق الإنسان وانعدام التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة والتمييز بين المواطنين على أسس غير إنسانية هو الوضع القائم هناك ، بيد أن هناك بعض المتغيرات دولية وإقليمية أبرزها أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد ألقت بظلالها على الوضع السياسي والاجتماعي في المملكة ، فمثلاً قضية المناهج فيها وكونها أحد الأسباب المهمة التي أسهمت في تغذية العنف والإرهاب في العالم ، وقضية انتهاكات حقوق الإنسان والحريات السياسية ، كانت على قائمة مطالب دولية قُدِّمَت إلى المملكة العربية السعودية لتحل إشكاليات هذه الملفات ، فكان ما كان وبدأت عملية تغيير وانفتاح نسبي من قبل السعودية تجاه هذه المطالب ، ولكن عملية الانفتاح هذه واجهت عقبات عدة منها التشدد السلفي التكفيري . هذه النماذج اخترتها ليس على سبيل العمد والقصد ، وإنما كان اختياري عشوائياً لإعطاء مثل لما يجري في الساحة العربية من كبت للحريات ومن تخلف وفقر ، ومن جانب آخر هو عرض للإرادة الصلبة التي بدأت تشتد صلابة وضراوة في الوقوف بوجه الأنظمة الفاسدة المستبدة ، فكيف يمكن للشعب العربي ، وهو في القرن الواحد والعشرين ، أن يرفع رأسه عالياً بين الأمم الحرة ، وهو يرزح تحت حكم البداوة والجهالة ؟!!إن اللافت للنظر أن ما يُسمى بالعالم الحر المتمدن يقف إزاء أزمات شعبنا في مصر واليمن والسعودية وباقي الدول العربية وأمام هذه الفظائع التي ترتكبها هذه الأنظمة الفاسدة مكتوف الأيدي ولا يحرك ساكناً ، بينما يدعي ليلاً نهاراً وسراً وجهاراً أنه راعي الحريات ، وقد جاء بآلته الحربية وبكل ما وصلت إليه تقنيته رافعاً شعار " تحرير العراق " من الدكتاتورية ونشر الديمقراطية ، فلماذا يا ترى لم يتحرك الغرب إزاء هذه الضربات المؤلمة التي توجه ضد الشعب اليمني في صعدة أو في الجنوب ؟ وأين منظمات حقوق الإنسان واللافتات العريضة والشعارات الفارغة التي يرفعونها من انتهاكات حقوق الإنسان وكبت الحريات في السعودية ومصر وباقي الدول العربية؟ أم إن شعارات حقوق الإنسان واحترام الحريات والديمقراطية لا ترفع إلا بوجه من تصطدم مصالحهم معه ؟!!لكن الأيام الآتية حبلى بالأحداث التي تبشر بانتفاضة تلك الشعوب على المستبدين الفاسدين، وسيكون مصير هؤلاء الطغاة كمصير صدام .
علي محمد البهادلي
https://telegram.me/buratha