عباس عكله بادي
لم يقتلوا لي أخا ولدته أمي .... هم أبرياء من دماء عائلتي فأخواني احتضنتهم المدارس حيث كانوا طلابا فابتعدوا بذلك عن جبهات القتال ولم يروها إلا في التلفاز حيث المعارك الدامية بين العراقيين والإيرانيين ....نصدق في البداية أقوالهم حيث كانوا يزعمون بأننا نقاتل الإيرانيين لأنهم قتلوا(فريال حسين) بعد أن قطعت يداها قنابل القصف الإيراني في البصرة ....تلك الأكاذيب كانت تنضوي على براءتنا الطفولية.....وحين دخلت إلى سن المراهقة أردت أثبات رجولتي الحديثة الفتية بأن أشابه من سبقوني في خوض غمار الحب فلاحقت نظراتي جارتي تلك الطالبة النظيفة الرشيقة وهي لم تعرلي أي اهتمام حينها كنت في المرحلة الإعدادية وبدأت أبحث عن فلسفة الكتاب والشعراء في تفسير هذا الشعور الذي تحول من فضولية الدخول إليه إلى واقع شديد التغيير في نفسي وجوارحي حتى كانت أحلامي في الليل ورؤياي لها في المنام تعزز من هذا الشعور وتجعله ثورة في الإقدام على الصراحة لها بما يجول في خواطري ومايظطرب في مكنوناتي فأراجع أفكاري رغم حداثتي في تقييم الأمور وأخاف التقاليد والأعراف حين رفضها أياي فأتراجع وتأخذني المتاهات في التفكير فأقف وأنا ماشيا كأنني تمثال منصوب في قارعة الطريق ...فظل هذا الحب معي صامتا وعزز صمته لي مدرس كان يدرسنا التربية الفنية فكتب لنا بيتان من الشعر أراد لنا رسمهما وقال من يعرف أن يجسد هاتين البيتيتين في صورة؟ حيث كان عددنا يفوق الثلاثين طالبا فكلهم كانت رسومهم بعيدة عن الواقع إلا رسمي فقد شجعني وقال لي هل أنت عاشق ؟ فأجبته بشجاعة أمام الطلاب (نعم يااستاذ ) فضحك وصفق لي مع جميع الطلاب وبقوة فاستحييت من الأمر ولازلت أتذكر هذين البيتين (وإذا وقفت أمام حسنك صامتا فالصمت في وجه الحبيب جمال كلماتنا في الحب تقتل حبنا والكلمات تموت حين تقال)حينما دخلت الجامعة ازددت قوة بعد نصح أصدقائي بمفاتحتها والإقدام على مصارحتها فصارحتها من أول يوم رجعت فيه إلى منزلي وكان اليوم ممطرا فلم اصبر إلى أن يقف المطر ففوجئت بمبادلتها إياي نفس المشاعر فصرعت أمامها مغما علي ولبراءتها تركتني مرميا خلف حائط لبيتها... تارة تدخل بيت أهلها وتارة تخرج إلي مسرعة حسبتني قد وافاني الأجل ...لااطيل على قارئي فالحديث عن الحب لاتكفيه مؤلفات ... طلبت يدها من أبيها فوافق شرط إنهائي دراستي وإياها ....فأعطيتها عهدا بأن لاأمسك يدها ولا أقبلها مادمنا على غير زواج....وبعد مجئ سنوات الحصار في عهد الدكتاتور قد مرض والدي بلوكيميا الدم الوراثي وقد وصل سعر كيس الطحين وقتها إلى سعر بقرة من بقرات جيراني فبعنا كل شئ لعلاج أبينا والمعيشة ونحن كنا عائلة ميسورة الحال فأفنيت أملاكنا من شاحنة ومكيفات وثلاجات ورجعنا إلى بيع سجادات والدتي التي كانت تتباهى بهن أمام النساء حيث بلغن حينها 78 سجادة فكل سجادتان بكيس طحين وبالوقت ذاته وبعد وفاة أبي دخلت العسكرية بعد أن تخرجت من الجامعة وفجأة أرسلت إلي الحبيبة رسالة استغاثة.. بأن والدها سيزوجها من أبن صديق له ثري وهو علم بحالنا الذي أكلته السنين العجاف فعاتبته وذكرته عهده وكان جوابه ذلك وقت ماكنتم شيوخ ؟وأسمعني حكمة هو يؤمن بها (ألف كلبة ولاغلبة) والمقصود بال(كلبة)أي الانقلاب أوتبدل الرأي فبكيت حينها ولمدة يومان بتواصل وبدون انقطاع...فزفت حبيبتي أمام ناظري ومن يرقصون كانوا في نظري وحوش كاسرة .... فأدركت حينها أن حبي قد قتله الظلمة بظلمهم ....فدفنت حبي بدون تشييع مع الأبرياء الذين قتلهم صدام في المقابر الجماعية وقلت في نفسي سيأتي اليوم الذي سأأخذ بثأري من قاتلي حبي الصادق الطاهر... والحمد لله قد أتى ذلك اليوم حيث ثأري من الظالمين وجدته اليوم في صندوق أسمه صندوق الاقتراع...
https://telegram.me/buratha