بقلم صادق حسين الركابي
مرّ الشريط الإخباري مسرعا ً فاندهشت لحجم الرقم الذي تضمنه الخبر. انتظرت الدورة الثانية بشغف لأتأكد من صحة الرقم. (عائدات العراق من النفط في العام 2009 بلغت 41 مليار دولار و هي أقل بنسبة 34 % من عائدات النفط في العام 2008).
هذا كله و عشرة ملايين عراقي يرزحون تحت خط الفقر و لمن لا يعرف ما معنى هذا الكلام فإنه يعني أن عشرة ملايين عراقي دخلهم اليومي (إن كان لهم دخل) لا يتجاوز الدولار الواحد ، و أعداد الأرامل في العراق تقارب المليون أرملة ، نسبة 62 % منهنّ فوق سن الخامسة و الستين.
إذا ً أين هي المليارات من الدولارات و نحن نرى العراق بعد سبع سنوات من سقوط الصنم يتفنّن في خلق مئات الأصنام. أصنام نغدق عليهم بالخيرات التي تقتطع من حقوقنا و دمائنا و طعام أطفالنا، لنعطيها إليهم عسانا ننتفع بهم. أصنام لا يسمعون و لا يقرأون و لا يبصرون و لا يحسّون حتى أكثرنا من قول ( لا حياة لمن تنادي).
أصنام يظهرون لنا في كل مناسبة و يتصدرون المواكب و يمنعون أي صوت غير صوت ينعق بتمجيدهم و محاولة إيجاد انتصارات وهمية لهم و إنجازات لا نراها إلا على الورق أو في بعض القنوات التي تروج لهم. و بعد كل هذا تراهم يريدون منّا أن نعيد النظر في آرائنا حول ما قدّموه لنا خلال الأعوام السبعة العجاف. هذا و نحن نرى العراق لا ماء يشرب و لا زراعة ليأكل حتى أن العراقي يشتري محاصيله من الدول المجاورة بأقل مما يحصل عليه من أرضه العراقية. و هل نشتري إلا ممن نبيعه نفطنا بأسعار بخسة نؤثره بها على أطفالنا و فقرائنا.
يشتموننا و يسخرون من رموزنا في قنواتهم و على الهواء مباشرة و نحن نمنع صوت الحق و الوحدة الإسلامية من منابر الحسين. يموت مثقفونا في زوايا بيوتهم القديمة ليعيش الجهلاء في أحدث القصور. أطفالنا يتناوبون على مقاعد الدراسة كالعمال و وفق نظام الورديات لأنه لا توجد مدارس تأويهم و هم تغصّ بهم فنادق العالم و تخلوا منهم مقاعد البرلمان. البرلمان الذي يناقش في أواخر أيامه قانون تخصيص حمايات لأعضائه المنتهية ولايتهم. فماذا يخشى هؤلاء؟ أيخشون الإرهاب و هو الذي كان يستهدف كل الشعب العراقي أم يخشون الفقراء الذين لم يحققوا لهم عشر عشر ما يحلمون به. و كأن الناس سوف تهتم لحالهم أو لشخوصهم لدى انتهاء مدة عضويتهم و لكنه داء لا دواء له. هذا الداء الذي يصوّر قيمة الإنسان من عدد حماياته و سياراته و بدلته و ربطة عنقه و لا يقيّم الناس بمقدار علمهم و عملهم و خدمتهم لأبناء الشعب من فقراء و محتاجين.
كنّا في أيام المقبور نعد ضحايا السجون و التعذيب و الحروب و بعد أن ولّى صرنا نحسب أرقام شهداء المقابر الجماعية التي اكتشفت أما اليوم فقد أتعبتنا لغة الأرقام. أرقام لا نسمع بعدها سوى آهات الحسرة و الألم. من هذه الأرقام ما يصدر عن بعض وزارات الدولة ذاتها. فوفق إحصائية ٍ لوزارة العمل و الشؤون الاجتماعية في العام 2009 بلغ عدد المشردين داخل البلد 2,5 مليون عراقي سبعون بالمئة منهم من الأطفال تحت سن الثانية عشرة ، أما عن أعداد الأمّيين فقد بلغت بحسب منظمة اليونيسكو خمسة ملايين أميّ في بلد قدّم للعالم أول حرف و أول أبجدية.
عن أي الأمور نكتب و إلى من نشتكي. هل يطالب أصحاب القلم من الفقير الجائع أن يُحسن الانتخاب في زمن الانتخابات و هو الذي لا يملك قوت يومه. أفلا يحق لذلك القابع تحت قبة السماء مفترشا ً وحل الأرض أن يبيع صوته ليطعم أطفاله. ألم يقل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : (عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج إلى الناس شاهرا ً سيفه). و لكن الشعب العراقي يعاني في أيامنا هذه من كلا الأمرين فهو رهينة لسيف الإرهاب و تحت رحمة لقمة العيش. و هنا أود الإشارة إلى قانون السلوك الانتخابي الذي يثار حوله لغط كبير و يعارضه البعض فيما يصرّ عليه الآخر. فالقانون بكل بساطة يحاول أن يقول لمن يمتلك المال العام ألا يستخدمه لشراء الأصوات و التأثير على الناس. و كأن المال العام كان محفوظا ً من الهدر و الفساد كل تلك الفترة التي أعقبت طاغية العراق ليتم اليوم السيطرة عليه. و من يعارض هذا الكلام فليرد على تلك الإحصائيات التي تصنّف العراق في مقدمة البلدان التي تعاني من الفساد المالي و الإداري.
و يبقى أن نقول أن معاناتنا كعراقيين تتكرر في بداية كل انتخابات. فنحن نخشى من عودة تلك المرحلة الماضية أيام المقبور من حروب و سجون و ظلم و نخشى أيضا ً من تكرار مسلسل الفساد المالي و الإداري خلال سنين سبع ماضية. و لا نرى و بكل صراحة بديلا ً عن هذين الخيارين. لذلك ترى العراقيين بعضهم يقول للآخر بأنه سوف لن يتوجه للانتخابات لكنه بعد فترة يعود ليقول بل أمضي و أعطي صوتي. و هنا تبدأ معاناة جديدة في العثور على من يمكن أن ينتشل العراقيين من حالة الضياع و البحث عن الوطن في داخل الوطن.
و إذا كان من يفوز في هذه الانتخابات سيفوز فإنه و بكل تأكيد سيفوز وفق مبدأ عراقي مبتكر و هو (اشجابرك على المرّ غير الأمرّ منّه).
https://telegram.me/buratha