كريم الوائلي
اعتادت الانظمة الشمولية ان تعيد انتاج اطروحتها عندما تستنفد ادواتها وتعجز ان تقدم البديل الاصلاحي فتذهب الى تأهيل السلبي بدلا من طرح البدائل ، غير ان تأهيل من نفذت صلاحيته حبله قصير وطريقه مغلق وسرعان ما يدفع النظام الشمولي الى مرحلة التآكل ومن ثم التطفل على ((منجزاته)) المتواضعة التي قدمها في مرحلة سابقة تطلبت منه اغواء الجمهور وخداعه ، ونحن في العراق قد خبرنا اسوأ انموذجا للانظمة الشمولية ونعني به النظام البعثي البائد ، ويتذكر العراقيون الضجيج (( الثوري )) الذي سوّقه البعثيون كمقدمة لخداع الشعب العراقي بعد اعلان بيانهم الانقلابي الاول .وبالعموم فأن الانظمة الاستبدادية تعجز عن تقديم البرامج التغييرية وذلك لتعارض التغيير والاصلاح مع النزعة الاستبدادية ، واذا تسنى للنظام الشمولي اقرار استحقاق شعبي بعينه فأنه يعجز عن مواصلة اقرار الاستحقاقات التالية وذلك لان الاستمرار في اقرار الاستحقاق الوطني يضربه في الصميم ويقف بالتضاد مع مصالحة الانانية الضيقة الامر الذي يدفع بالمستبد ان ياكل ((منجزاته)) ويجتر مقرراته ويعيد انتاج نفسه ثم ما يلبث ان يخادع الناس ويثير الازمات والحروب الداخلية والخارجية لألهاء مواطنيه واثارة الغرائز القومية والعشائرية والمناطقية لكسب المزيد من الوقت في محاولات عقيمة لاطالة عمر النظام . وعند شعور النظام الاستبدادي بالافلاس السياسي واحساسه بأستنفاد قواه في المطاولة والتسويف يكون قد بلغ اشد مراحله خطورتة ، حيث يشهر مخالبه ويكشف عن سحنته الاجرامية فيذهب الى البحث عن اطلاق القيم الماضوية التي تمجد الفردية وتكرس العبادة الشخصية فتتضخم ذاتيته وتتورم نرجسيته وينحى نحو العسكرتارية وعندها يكون دكتاتورا بأمتياز تعجز كل الوسائل في ايقاف عواءه وانقطاع ثغاءه ولم تعد هناك اية جدوى من تأهيله او تقويمه ، وبهذا التوصيف يتضح البون الشاسع بين النزعة الاستبدادية للنظام السياسي الفردي المغلق وبين ممارسة النقد والنقد الذاتي وصولا للاصلاح والتغييرالإيجابي . وقد ثبت بالتجربة العملية ان ليس هناك وصفات سياسية معدة مسبقا لكل علة تنتاب عملية التحول السياسي ، وان الساسة غالبا ما يكونوا اما ممكنات مباغتة لم تكن حتى لوقت قريب بالحسبان ، و بذلك قيل ان السياسة ، التي تعد من ارقى العلوم ، انها فن الممكن ، وعلى ذلك فأن الاصلاح السياسي يكون مسبوقا بنقد المناهج والوصفات غير المنتجة ولا سيما في البلدان التي يتصف فاعلها السياسي بالفوران والمناقلة السريعة والمباغتة كما هو عليه الحال في الفاعل السياسي العراقي ، وتلك صفة ملازمة للبلدان التي تؤسس لنظام ديمقراطي تعددي على انقاض نظام استبدادي قامع للحريات .والذي يدل عليه الاستقراء الاستقصائي لأحاديث الدكتور عادل عبد المهدي ، ولا سيما حواره الشامل مع ((إيلاف)) ، يجد ان موظوعة النقد والنقد الذاتي عند قيادات العراق الجديد لازمة وملزمة للتدابير الهادفة لتسريع التحولات السياسية وهي ايضا صفة مصاحبة للتحولات الوطنية الضرورية لقيام دولة المواطنة ، ولم تعد عملية النقد والنقد الذاتي مثار خوف او تردد كما هو عليه الامر في الانظمة الشمولية .ليس بوسع الساسة الوطنيون اخفاء افرازات العمل المثابر والدؤوب في الظروف الشديدة التعقيد او التغاضي عنها وذلك كونها ذخيرة فعالة ومجربة ليس بصفتها اخطاء فحسب بل لانها وليدة الظرف الشائك وتختزن انماط تجريبية خلاقة لا يصح التفريط فيها ، فليس لدى السياسي ما يمكنه ان يفرط فيه من التجارب السياسية وذلك كون السياسة فاعل تجريبي ايضا ، وعلى ذلك جاء تأكيد الدكتور عادل عبد المهدي على ان للاتلاف الوطني العراقي حظوظ جيدة للفوز في الانتخابات التشريعية المقبلة .ان التزام قضايا الجمهور والوفاء له يشكل الضمانة الاولى والاساسية في الفوز الانتخابي واحراز ثقة الجماهير العريضة وهذا تشخيص موفق وشجاع ينم عن الثقة بالنفس ويجعل انتقاء الوصفات والبرامج اكثر قربا من اصحاب المصلحة الاولى في البناء والتغيير ونعني بهم الجماهير المحرومة من مستحقاتها . وكما شخّص الدكتور عادل عبد المهدي في حواره مع ايلاف على ((ان الفشل في تحسين الخدمات والانتكاسات الامنية وخاصة في الاونة الاخيرة ومعدلات البطالة المقنعة او الحقيقية واستمرار تدهور الاقتصاد وقطاعاته الحقيقية كالزراعة والصناعة والبنى التحتية ومشاكل الكهرباء والمياه والسكن وعسكرة المجتمع وتسييس العسكر وتحزب المواقع وعدم وضوح علاقات الشراكة والمؤسساتية واحترام القوانين وفردية السياقات الادارية سواء في الادارة المدنية او الامنية والعسكرية )) مؤكدا على (( ان ذلك كله يشير الى ان البلاد بحاجة عاجلة الى اصلاح الرؤى والممارسات ..)) فالربط بين الاصلاح والانتخابات ، بصفتها فرصة متاحة للايفاء بالتعهدات الانتخابية ، هو ربط استباقي يستشف منه الثقة بصحة البرنامج الانتخابي والقدرة على وضعه موضع التطبيق .
https://telegram.me/buratha