المقالات

الإرهاب في نظر الشيعة

968 19:34:00 2010-01-02

الشيخ حيدر الربيعاوي / ميسان / الميمونة

الشيعة الإمامية كيان إسلامي قائم ، أرسى قواعده النبي ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة المعصومون ( عليهم السلام ) ، ويُقَدَّر أبناؤه اليوم بما يزيد على ربع مليار مسلماً ، ينتشرون في أغلب بقاع الأرض ، وفيهم العلماء ، والفلاسفة ، والمفكرون ، والمثقفون ، وحملة الشهادات العالية ، كما أن لهم مدرستهم الأصيلة ، وفكرهم النيِّر ، وساحتهم الجهادية . ويمتاز الفكر الشيعي برصانة المادة ، وقوة الحجة ، ووضوح الرؤية ، وعدم الضبابية في كل شأن من شؤونه ، مما جعله مستهدفاً أكثر من غيره ، وهو الأمر الذي حَمَّلَه الكثير من المعاناة على طول التاريخ .الإرهاب لغة يعني : العنف والتخويف ، واستعمله القرآن الكريم في أكثر من آية ، كقوله تعالى : ( إِنَّهُم كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخَيرَاتِ وَيَدعُونَنَا رغباً وَرهباً ) الأنبياء : 90 .وقوله تعالى : ( وَأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن ربَاطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُم ) الأنفال : 60 ، وغير ذلك من الآيات .وفُسِّر الإرهاب بأنه : إزعاج النفس بالخوف ، وإن ديننا يحترم الإنسان بِغَض النظر عن الهوية والانتماء بل يحترمه لإنسانيته ، ونحن المسلمين كغيرنا من البشر نتألم ونحزن لكل كارثة تَحِلُّ ، بِغَضِّ النظر عن الدين والمعتقد ، وهذا أمر واضح .وهناك ثَمَّةَ نظرة خاصة من منظار الفكر الشيعي للإنسان بما هو إنسان من خلال كلام الإمام علي ( عليه السلام ) رائد التشيع حينما بعث مالك الأشتر والياً من قبله إلى مصر ، كتب له دستور الحكم الإسلامي ، وكيفية التعامل مع الرعية ، ولم يترك فيه ملاحظة صغيرة أو كبيرة إلا وذكرها ليعكس لنا فكر الإسلام الأصيل .فيقول ( عليه السلام ) في مقطع من كلامه : ( وأشعر قلبك بالرحمة للرعية ، والمحبة لهم ، واللطف بهم ، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنهم أكلهم ، فإنهم صنفان : إما أخ لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق ) .وهنا يمنع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مالك من العنف والإرهاب بحق الرعية لسببين : الأول : الأخوة على أساس الدين ، وهذا بالنسبة للمسلمين كافة .الثاني : والأخوة على أساس التشابه بالخلقة ، وهذا يشمل المسلمين وغيرهم من سائر البشر .كما أن الإمام ( عليه السلام ) أراد من واليه أن ينطلق في التعامل مع الناس بهذه الروحية والسمو ، التي أرادها الإسلام ، ولدينا شواهد كثيرة ، قديمة وحديثة ، على رفضنا للإرهاب جملة وتفصيلاً ، نذكر منها : أولاً : يذكر الطبري في تأريخه أن خالد بن الوليد سار في عهد أبي بكر إلى منطقة البطاح ، حيث يسكنها مالك بن نويرة وجماعته ، بعدما امتنعوا من دفع الزكاة لسبب ناشئ من اختلاف وجهات النظر في الخليفة الشرعي الذي تُسَلَّم له الزكاة ، وقد أمر أبو بكر خالداً وجماعته أن إذا رأيتموهم يصلون فلا تقاتلوهم ، وقد أقاموا وصَلَّوا ، فحبسهم خالد في ليلة شديدة البرد وأمر مناديه أن ينادي ( ادفنوا أسراكم ) ، ويقصد اقتلوهم ، وفعلاً قتلوهم ومثلوا بهم .إن موقفنا من هذا العمل موقف صريح أنه إجرامي وإرهابي لا يَمُتُّ إلى الإسلام بصلة ، ونبرأ إلى الله منه وممن فعله وممن أمر به ، كما أن الإمام علي ( عليه السلام ) اتخذ موقفاً حازماً في الاحتجاج على هذا العمل ، وإدانة الفاعل ومعاقبته ، ونحن لا زلنا إلى الآن ندين العملية ، ونعتبرها فعلاً شنيعاً ، ولنا موقف ممن عملها ، رغم مرور أربعة عشر قرن عليها .ثانياً : يروي التاريخ أن مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) رسول الإمام الحسين ( عليه السلام ) لأهل الكوفة ، أبان ثورة كربلاء كان خصمه الخط الأموي ، وعبيد الله بن زياد يمثلهم آنذاك بالكوفة ، وأتيحت له فرصة هي بنظر السياسيين ذهبية وهي اغتيال وغدر عبيد الله حينما جاء لزيارة أحد الوجهاء ، وهو شريك الذي كان في بيت هاني بن عروة ، ويسكنه مسلم بن عقيل أيضاً ، وامتنع من القيام بالعملية في آخر لحظة ، معللاً ذلك بقول الرسول ( صلى الله عليه وآله ) إن الإيمان قيد الفتك ، والمؤمن لا يفتك .وهو مبدأ صحيح فيه دلالة واضحة على أن الإسلام يرفض هذا اللون من القتل وليس من أخلاق المسلمين .وهناك نموذجان من تاريخنا المعاصر : الأول : الثورة الإسلامية في إيران ، وهي ثورة شيعية .الثاني : حركة طالبان في أفغانستان ، وهي حركة سلفية .وكم الفرق واضح بينهما في التصرف الخارجي ، وروح التعامل مع الناس ، حيث عانى الشعب الأفغاني من التعسف والقهر ما لم يشهده طيلة حياته ، ولا نحمل فعلهم على فكر مذهب معين ، بل هو تصرف فئة لم تفهم الإسلام حقيقة .ولو رجعنا إلى زمان النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومبدأ الحكومة التي أسسها ، نجد أنه يتجلى في الرحمة والعطف ، والإحسان الواقعي لا الشعاري ، وعلى المستوى العلمي والعملي ، فالنبي ( صلى الله عليه وآله ) يأخذ العفو ، ويأمر بالمعروف ، ويعرض عن الجاهلين .كما أنه ( صلى الله عليه وآله ) لم يهاجم مشركاً قط بلون من ألوان العنف ، نعم ، فقد كان يطرح ما عنده على شكل دعوة للحق مُعَزَّزَة بالدليل ، وأخذ فيها بنظر الاعتبار احترام الطرف المقابل ، فإن النبي ( صلى الله عليه وآله ) يضع أمامه الخطاب السماوي : ( أُدعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ ) النحل : 125 .بل وحتى الحروب التي خاضها الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لم تكن ابتدائية ، وإنما أغلبها حروب دفاعية من منطلق الحق المشروع ، ويتجلى فيها الأدب السماوي وعدم تجاوز الحدود ، وحكومة الإمام علي ( عليه السلام ) هي نموذج آخر ، فإن ما اتسمت به من ملامح تعكس رؤيته إلى رفض كل ألوان العنف كما ذكرنا .إذن يجب أن نفهم بدقة الفكر الشيعي ، وتعامله مع الآخرين ، وعدم إطلاق الكلمات جزافاً ، كما يجب أن نميز بين الإرهاب بصورته الحقيقية ، وغيرها المدبلجة لغرض وآخر .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك