علي الشمري
ابن تيمية : أنّ شدّ الرحال لزيارته (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس من القربات. ويقول: مَن طاف بقبور الصالحين أو تمسّح بها كان مُرتكباً العظائم!! مُرتكباً العظائم!!قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):«زوروا القبور فإنّها تُذكِّر الاخرةَ». ابن ماجة، السنن، ح1569وقال النبيّ الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):«مَن زارَ قبري وجبتْ له شفاعتي». الدارقطني 2 : 278قد جرت السيرة من صدر الاسلام، بل منذ عصر الصحابة الاوَّلين والتابعين لهم بإحسان، على زيارة قبور ضمّت في كنفها نبيّاً مرسلاً، أو إماماً طاهراً، أو وليّاً صالحاً، أو عظيماً من عظماء الدّين، وفي مقدّمها قبر النبيّ الاقدس (صلى الله عليه وآله وسلم).وكانت الصلاة لديها، والُّدعاء عندها، والتبرُّك والتوسّل بها، والتقرُّب إلى الله، وابتغاء الزلفة لديه بإتيان تلك المشاهد، من المتسالم عليه بين فِرق المسلمين، من دون أيّ نكير من آحادهم، وأيّ غميزة من أحد منهم على اختلاف مذاهبهمحتى ولد الدهر ابن تيميّة الحرّاني، فأنكر تلكم السنّة الجارية، سنّة الله الّتي لا تبديل لها (ولن تجد لسنّة الله تحويلا) فاطر: 43.وخالف هاتيك السيرة المتَّبعة، وشذَّ عن تلكم الاداب الاسلامية الحميدة، وشدّد النكير عليها بلسان بذيّ، وبيان تافه، ووجوه خارجة عن نطاق العقل السليم، بعيداً عن أدب العلم، أدب الكتابة، أدب العفّة، وأفتى بحرمة شدّ الرحال لزيارة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعدَّ السفر لاجل ذلك سفر معصية لا تقصر فيه الصلاة.فخالفه أعلام عصره ورجالات قومه، فقابلوه بالطعن والردّ الشديد، فأفرد هذا بالوقيعة عليه تأليفاً حافلاً كشفاء السقام في زيارة خير الانام لتقي الدّين السبكي، والدرّة اللمضيّة في الردّ على ابن تيميّة للسبكي أيضاً، والمقالة المرضيّة لقاضي قضاة المالكيّة تقي الدّين أبي عبدالله الاخنائي، ونجم المهتدى ورجم المقتدى للفخر ابن المعلّم القرشي، ودفع الشبه لتقي الدّين الحصني، والتحفة المختارة في الردّ على منكر الزيارة لتاج الدّين الفاكهاني المتوفى 834هـ، وتأليف أبي عبدالله محمّد بن عبد المجيد الفاسي المتوّفى 1229هـ.وجاء ذلك يزيِّف آراءه ومعتقداته في طيّ تآليفه القيِّمة كالصواعق الالهيّة في الردّ على الوهّابية للشيخ سليمان بن عبد الوهّاب في الردّ على أخيه محمّد بن عبد الوهّاب النجدي، والفتاوى الحديثيّة لابن حجر، والمواهب اللدنيّة للقسطلاني، وشرح المواهب للزرقائي، وكتب اُخرى كثيرةكما وقد أصدر الشاميون فتياً، وكتبَ عليها البرهان ابن الفركاخ اللفزاري نحو أربعين سطراً بأشياء، إلى أن قال بتكفيره ووافقه على ذلك الشهاب بن جهبل، وكتبَ تحتَ خطّه كذلك المالكي، ثمَّ عرضت الفتيا لقاضي القضاة الشافعيّة بمصر البدر بن جماعة فكتبَ على ظاهر الفتوى:الحمد لله، هذا المنقول باطنها جوابٌ عن السؤال عن قوله: إنّ زيارة الانبياء والصّالحين بدعة. وما ذكره من نحو ذلك ومن أنّه لا يرخَّص بالسفر لزيارة الانبياء باطلٌ مردودٌ عليه، وقد نقل جماعةٌ من العلماء أنّ زيارة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فضيلةٌ وسنّةٌ مجمعٌ عليها، وهذا المفتي المذكور ـ يعني إبن تيميّة ـ ينبغي أن يُزجر عن مثل هذه الفتاوى الباطلة عند الائمّة والعلماء، ويُمنع من الفتاوى الغريبة، ويُحبس إذا لم يمتنع من ذلك، ويُشهر أمره، ليتحفّظ الناس من الاقتاء به.وكتبه محمّد بن إبراهيم بن سعدالله بن جماعة الشافعي.وكذلك يقول محمّد ابن الجريري الانصاري الحنفي: لكنْ يُحبس الان جزماً مطلقاً.وكذلك يقول محمّد بن أبي بكر المالكي: ويبالغ في زجره حسبما تندفع تلك المفسدة وغيرها من المفاسد.وكذلك يقول أحمد بن عمر المقدسي الحنبلي. راجع دفع الشبه: 45 47.وهؤلاء الاربعة هم قضاة المذاهب الاربعة بمصر أيّام تلك الفتنة في سنة 726هـ . راجع تكملة السيف الصقيل للشيخ محمّد زاهد الكوثري: 155.وكان هناك ايضا من معاصريه مَنْ ينهاه عن غيِّه كالذهبي، فإنَّه كتَبَ إليه ينصحه، وهذا نصّ خطابه إيّاه:الحمد لله على ذلَّتي، يا ربّ ارحمني وأقلني عثرتي، واحفظ عليَّ إيماني، واحُزناه على قلّة حزني، وواأسفاه على السنّة وأهلها، واشوقاه إلى إخوان مؤمنين يعاونونني على البكاء، واحزناه على فقد اُناس كانوا مصابيح العلم وأهل التقوى وكنوز الخيرات، آه على وجود درهم حلال وأخ مونس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وتبّاً لمن شغله عيوب الناس عن عيبه.إلى كم ترى القذاة في عين أخيك وتنسى الجذع في عينيك؟ إلى كم تمدح نفسك وشقاشقك وعباراتك وتذمّ العلماء وتتَّبع عورات الناس؟ أمع علمك بنهي الرَّسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تذكروا موتاكم إلاّ بخير، فإنّهم قد أفضوا إلى ما قدّموا» إتحاف السّادة المتّقين للزبيدي 7: 49 ـ 491 و10: 374، المغني عن حمل الاسفار للعراقي 3: 122 و4: 477، كنز العمّال 15: 680/42712. وفي سنن النسائي 4: 52، باب النهي عن ذكر الهُلاّك إلاّ بخير: «لا تذكروا هُلكاكم إلاّ بخير».بل أعرف أنَّكَ تقول لي لتنصر نفسك: إنّما الوقيعة في هؤلاء الّذين ما شمّوا رائحة الاسلام، ولا عرفوا ما جاء به محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)وهو جهاد، بل والله عرفوا خيراً كثيراً ممّا إذا عُمل به فقد فاز، وجهلوا شيئاً كثيراً ممّا لا يعنيهم، ومِنْ حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.يا رجل! بالله عليك كفّ عنّا، فإنَّك محجاج عليم اللسان لا تقرُّ ولا تنام. إيّاكم والغلوطات في الدّين، كره نبيّك (صلى الله عليه وآله وسلم)المسائل وعابها ونهى عن كثرة السؤال وقال: «إنَّ أخوف ما أخاف على امّتي كلّ منافق عليم اللسان» مسند أحمد بن حنبل 1: 22، كنزالعمّال 10: 186/28969، إتحاف السّادة المتّقين للزبيدي، 1: 22، السلسة الصحيحة للالباني: 1013.وكثرة الكلام بغير زلل تقسي القلب إذا كان في الحلال والحرام، فكيف إذا كان في عبارات اليونسيَّة والفلاسفة، وتلك الكفريّات الّتي تعمي القلوب.والله قد صرنا ضحكةً في الوجود، فإلى كم تنبش دقائق الكفريّات الفلسفيّة؟ لنردَّ عليها بعقولنا، يا رجل! قد بلعت «سموم» الفلاسفة وتصنيفاتهم مرّات، وكثرة إستعمال السموم يدمن عليه الجسم وتكمن والله في البدن.واشوقاه إلى مجلس يُذكر فيه الابرار، فعند ذكر الصّالحين تنزل الرَّحمة، بل عند ذكر الصّالحين يذكرون بالازدارء واللعنة، كان سيف الحجّاج ولسان إبن حزم شقيقين فواخيتهما، بالله خلّونا من ذكر بدعة الخميس وأكل الحبوب، وجدّوا في ذكر بدع كنّا نعدّها من أساس الضّلال، قد صارت هي محض السنَّة وأساس التوحييد، ومَنْ لم يعرفها فهو كافرٌ أو حمارٌ، ومَنْ لم يكفر فهو أكفر من فرعون وتعدّ النَّصارى مثلنا.والله في القلوب شكوكٌ، إن سلم لك إيمانك بالشهادتين فأنت سعيدٌ، يا خيبة من اتّبعك فإنَّه معرضٌ للزندقة والانحلال، لا سيّما إذا كان قليل العلم والدّين باطوليّاً شهوانيّاً، لكنّه ينفعك ويُجاهد عندك بيده ولسانه وفي الباطن عدوّ لكَ بحاله وقلبه.فهل معظم أتباعك إلاّ قعيدٌ مربوطٌ خفيف العقل؟ أو عاميٌّ كذّابٌ بليد الذِّهن؟ أو غريبٌ واجم قويُّ المكر؟! أو ناشفٌ صالحٌ عديم الفهم، فإن لم تصدِّقني ففتِّشهم وَزِنهم بالعدم.يا مسلم! أقدم حمار شهوتك لمدح نفسك، إلى كم تصادقها وتعادي الاخيار؟! إلى كم تصادقها وتزدري الابرار؟! إلى كم تعظِّمها وتصغِّر العباد؟! إلى متى تخاللها وتمقت الزهّاد؟! إلى متى تمدح كلامك بكيفيَّة لا تمدح ـ والله ـ بها أحاديث الصحيحين، ياليت أحاديث الصحيحين تسلم منك، بل في كلِّ وقت تغير عليها بالتضعيف والاهدار، أو بالتأويل والانكار.أما آن لك أن ترعوي؟! أما حان لك أن تتوب وتنيب؟!أما أنت في عشر السبعين وقد قرب الرحيل؟! بلى ـ والله ـ ما أدَّكر أنَّك تذكر الموت بل تزدري بمن يذكر الموت.فما أظنّك تقبل على قولي، ولا تصغي إلى وعظي، بل لك همَّةٌ كبيرةٌ في نقض هذه الورقة بمجلّدات، وتقطع لي أذناب الكلام، ولا تزال تنتصر حتّى أقول: البتَّة سكتُّ، فإذا كان هذا حالك عندي، وأنا الشفوق المحبّ الوادن، فكيف حالك عند أعدائك؟! وأعداؤك ـ والله ـ فيهم صلحاء وعقلاء، وفضلاء، كما أنّ أولياءك فيهم فجرةٌ وكذبةٌ وجهلةٌ وبطلةٌ وعورٌ وبقرء.قد رضيتُ منك بأن تسبَّني علانية وتنتفع بمقالتي سرّاً، فرحم الله امرءاً أهدى إليَّ عيوبي، فإنّي كثير العيوب غزير الذنوب، الويل لي إن أنا لا أتوب، ووافضيحتي من علاّم الغيوب; ودوائي عفو الله ومسامحته وتوفيقه وهدايته، والحمد لله ربِّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد خاتم النبيين، على آله وصحبه أجمعين . تكملة السيف الصقيل للكوثري: 190 كتبه من خط قاضي القضاة برهان الدّين بن جماعة وكتبه هو من خط الشيخ الحافظ أبي سعيد ابن العلائي، وقد كتبه من خطّ الذهبي. وذكر شطراً من العزامي في الفرقان129.فمن هنا وهناك بادوا عليه ما أبدعته يده الاثيمة من المخاريق التافهة، والاراء المحدثة الشاذَّة عن الكتاب والسنَّة والاجماع والقياس، ونودي عليه بدمشق: من إعتقد عقيدة إبن تيميّة حلّ دمه وماله. الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني 1: 147.فذهبتْ تلكم البدع السخيفة إدراج الرِّياح (كذلك يضرب الله الحقّ والباطل فأمّا الزَّبد فيذهب جفاء وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الارض) الرعد: 17.
https://telegram.me/buratha