الحاج هلال فخرالدين
ويشير احد المفكرين قائلا: بعد ان تحولت الخلافة الى (ملك عضوض) أنجبت فقها ينسجم مع عصوره اي فقها مشوبا بشائبة الاستبداد وبعد اكثر من الف واربع مئة عام على رسالة محمد بان هذا الفقه الذي تولد من عصر الاستبداد عائقا بين المسلم وربه وهنا يقول جمال البنّا: "الفقهاء أبناء عصرهم لا يمكن أن يتحرروا من روح العصر. عصر مغلق، عصر مستبد، عصر فاسد من أيام معاوية إلى عبد الحميد الثاني كل هذه الخلافة منذ سنة 40 هجرية إلى ، 1924 ميلادية أكثر من ألف عام. ما يسمونه خلافة كان ملكاً عضوضاً وليس له من الخلافة شيء. هذا هو العصر الذين عملوا فيه، حاول بعضهم أن يثور على حكم هؤلاء الطغاة، فسحقوا حتى الأئمة الأربعة كل منهم تعرض لاضطهاد رهيب. الشافعي كان قاب قوسين من الموت، مالك خلعت أكتافه، ابن حنبل مثله، أبو حنيفة يقال أنه سم لأنه رفض تولى القضاء. "إذاً، كان هؤلاء لا يملكون حرية الفكر، لهذه الأسباب جعلت فكرهم لا شيء، وجعلته قديماً ولا يصلح لعصرنا علناً. قد يقول قائل أن في أقوالهم للآلئ ودرر،فعلي من يريد الحصول على عرق الذهب الصغير أن يهد الجبل، ونحن لا عندنا وقت ولا جهد لذلك، وبعدين لماذا لا نعمل عقولنا نحن، لأننا لو اعتمدنا على عمل الأسلاف معنى ذلك أننا لن نعمل عقولنا وهذه أكبر خطيئة.
والأمثلة على تعدد الفتاوي الدينية الإسلامية السياسية أكثر من أن تعد رغم استنادها إلى المرجع الديني عينه ك(السقيفة) بل ونقض عرى الدين وابطال الشرعية الدينية باقصاء اهل الحق بدعاوى (دينية )لمأرب سياسية ..وخروج الصحابة على الخليفة الشرعى وتسعير الحروب ضده لاجل اطماع دنيوية ..وأحياناً إلى المذهب نفسه منذ أيام الشيعة والمرجئة والخوارج والصراعات بين الجبرية والقدرية وأهل الحديث وأهل الرأي والمعتزلة والأشاعرة وصولاً إلى اختلافات الأمس حول قضايا المصارف والتأميم والإصلاح الزراعي بين الأخوان المسلمين في مصر وسورياوالاردن والعراق ثم اختلاف تيار الخميني المعادي للشاه عن تيار شريعتمداري المعتدل إلى اختلافات اليوم بين نظرة التيار الصدري في العراق ونظرة المجلس الأعلى الإسلامي في العراق إزاء الاحتلال الأميركي وبين رؤية زعماء القاعدة والأخوان المسلمين وحزب الله وحماس اليوم... الخ. ونحن بالطبع لا نذم الاختلاف في السياسة ولا في غير السياسة بل نراه بالأحرى المظهر الطبيعي للحياة السياسية وغير السياسية في مواجهة المظهر الممسوخ والفقير للحياة الذي يتخذ شكل الرأي الموحد لكن حين يسند الرأي ولا سيما السياسي منه إلى الدين و(يفتى) به من جهات وصائية تزعم لنفسها عصمة ليست لها وتنطق عن الهوى وتقحم المجالات القدسية في المجالات الدنيوية او ان يجعل من الراى قيما ووصيا باسم المقدس فإن من شأن ذلك أن يحيل الاختلاف إلى عامل انقسام وتفتيت وحروب أهلية وغير أهلية. وما يلفت النظر أن رجال الدين في وقتنا الراهن يبدون آراءهم بقطعية وثقة عجيبة إلى حد أنك لم تعد تسمع منهم تلك العبارات (الديموقراطية التعددية الدستور صناديق الاقتراع ) الجميلة والتي كثيراً ما كنا نسمعها من قبل أقصد عبارة (الحاكمية )و(الله أعلم) فهم ربما يجدون في هذه العبارة انتقاصاً من وثوقيتهم وطعناً في (عصمتهم).
مؤدى الكلام أن اعتماد الحركات السياسية الإسلامية اليوم على دين منجز وتوظيف الطاقات الكامنة فيه وهي بعد طاقات مشربة بالطائفية والمذهبية والغلوا والتطرف لنصرة سياسات معينة تخدم غايات ومصالح دنيوية مختلفة وحتى متباينة هو منهج يعارض تماماً منهج الرسول في دعوته حيث اعتمد الرسول في الجزء الأعظم من نشاطه على فعالية السبل السياسية وجاذبية المكاسب الدنيوية كي يهيئ للدعوة سبل نموها واكتمالها وديمومتها. ففي حال الدعوة الإسلامية كان للدعوة سيطرة على السياسة وكانت السياسة وسيلة والدعوة هي الأبدأ، أما في حال الحركات السياسية الإسلامية فإن للسياسة موقع السيطرة والأولوية وهي التي تتوسل الدين لنصرتها عبر فتاوٍ تالية للمواقف والبرامج السياسية وليست هادية لها في الغالبية الغالبة من الحالات
يعرف إسماعيل محمد حسنى العلمانية في كتابه علمانية الاسلام والتطرف الديني بانها:(يد العدالة الالهية التي تسحب غطاء الدين عن السلطة وتجعلها تقف وحيدة في العراء أمام شعوبها ليس لها ماتستر به عورتها سوى كفاءتها وعدلها وشفافيتها واحترامها لحقوق مواطنيها ودفاعها عن امين الاوطان وسلامتها فيرفع مستوى أدائها ولا تصبح مرتعا للصوص ومع فرض الكثيثرين لفكرة العلمانية يؤكد أنها اكتسبت الثبات والاستقرار ما اكتسبه العديد من مبادىء النهضة الحديثة كتطبيق المكينة في مجال الصناعة واستخدام الحاسوب الالكتروني في حفظ وتشغيل المعلومات وان تطبيق العلمانية فكرة تنحاز للانسان لهذا لايعنى ان واقعنا العربي يستطيع استيعابها والايمان بها لاسباب بعيدة تماما عن مكاسب السلطة الاستبدادية من تنحيتها جانبا وان عملية التاصيل الثقافي لقيم الحداثة ووضع لبنة في جسر التواصل بين الحاضر والماضى من خلال إثبات أن قيمة الحداثة من حرية وديمقراطية وعدالة ومساواة واحترام حقوق الانسان والمنهج العلمي في التفكير كل هذا له جذور في وعينا الاخلاقى والديني حسبما يرى المفكرون وكان يمكن ان تنمو هذه القيم وتتبلور لو لم يقم تحالف الاستبداد الساسي والكهنوت الديني بوأدها في مهدها وهذا يستدعي ازالة الاوهام التي تراكمت في الذهنية العامة خلال العقود الثلاثة الماضية عن مثالية الحكم الديني وعن الجوهر العلماني للاسلام من خلال التعرف على المواقف الواضح للقران والسنة والصحابة من الفصل بين المطلق الديني والنسبي الدنيوي وان الجوهر العلماني لجميع الاديان وان التناقض بين الدين والعلمانية ليس سوى هم يتم ترويجه لحساب الانظمة الاستبدادية وجماعات الاسلام السياسي .
وهنا سؤال خطير يطرح نفسه وهو كيف استطاع معاوية ان ينصب يزيد السكير المتجاهر بالفسق والفجور والعهد جدا قريب بالرسالة ومع وجود كثير من الصحابة والتابعين ...؟صحيح ان ابن اكلة الاكباد الطليق معاوية نزى على منصب الخلافة المقدسة بحد السيف وشراء الذمم اي بالترهيب والتخويف وملاحقة الصالحين وصلبهم على جذوع النخل واصدر بيانه المشؤم :(انه قد بريئة الذمة ...من كل من يناصر الحق او الشرعية ..) صحيح انه بهذه السياسة الهرقلية اكم افواه البعض واسكت اصوات البعض لكن اين اصبحت امة (خير امة اخرجت للناس...) فعندما يجدب الواقع وتتخلى نخب الامة واهل الحل والعقد عن دورههم بالنصح والتقويم والاصلاح وتحمل مسؤولياتهم وبالخصوص جيل الصحابة والتابعين وصفوة العلماء ويستكينوا للظلمة طمعا بما في ايديهم ويهادنوهم بل ويناصرونهم في الباطل ويبررون طغيانهم وعبثهم بمقدرات الامة من اجل حطام زائل او اكياس من الدراهم وطلبا للعافية والسلامة فيزداد تفرعنهم ويستعبادهم للعباد وفي مقدمة المستكينين للظلمة العلماء لذلك نلاحظ الامام الحسين يحث ويؤكد على ضرورة نهوض العلماء بمسؤولياتهم فقد جاء في خطبة طويلة لابي الاحرار وسيد الشهداء يخاطب بها علماء عصره :(...وأنتم اعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لوكنتم تشعرون ذلك بان مجاري الامور والاحكام على ايدي العلماء بالله الامناء على حلاله وحرامه فانتم المسلوبون تلك المنزلة وما سلبتم ذلك إلا بتفرقكم عن الحق واختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة ولو صبرتم على الاذى وتحملت المؤونة في ذات الله كانت امور الله عليكم ترد وعنكم تصدر واليكم ترجع ولكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم ) تحف العقول ص 237وهذاواضح في دلالته في ان شؤون الامة من تدبير العلماء ويقول الشيخ علي عبد الزاق ان ضعف الحركة العلمية السياسية عند المسلمين وانحطا شأن السياسة عندهم ان منشأه من جراء ضغوط تلك الاجواء الاستبدادية الخانقة والقوة الغاشمة للسلطة تمنع من مباحث السياسة في مجالس العلم وان يعرض بعض العلماء رأي في مسألة سياسية على غير هوى الخلفاء
الحاج هلال فخرالدين
https://telegram.me/buratha