ميثم الثوري
لا شك ان افعال البشر بشكل عام تنقسم الى افعال غائية واخرى الية كما ان الواجبات التكليفية تنقسم الى واجباته بنفسها واخرى واجبات لغيرها فمثال الواجبات بنفسها الصلاة والثانية الوضوء فهو واجب لغيره باعتبار ان مقدمة الواجب واجب ولم يدل نص شرعي على وجوب الوضوء سواء في كتاب الله الكريم او الحديث النبوي وجاء وجوبه عقلياً بسبب وجوب الصلاة التي لا تتم الا به.ومن تلك الوظائف التي لا تشكل غاية بذاتها هي الانتخابات كممارسة ديمقراطية كرسها السياق العقلائي باعتبارها من الخيارات التي لابد منها في تحديد الحاكم او ممثلي الشعب.وبسبب زحمة الحياة الاجتماعية والسياسية وغياب المقاصد النبيلة والاخلاقية في افعال السياسة السائدة فقد اختلطت الغايات بالوسائل وتداخلت الهامشيات بالاساسيات واختزلت الاولويات بالثانويات فتحولت الغايات الى وسائل والوسائل الى غايات فتم تهميش الاساسيات وتأسيس الهامشيات فاحتجبت الرؤية الصائبة واختفت الاولويات ضمن ما وفرته الخيارات المتعددة في الاداء السياسي.والانتخابات بسياقاتها السياسية كمفردة مهمة من مفردات الاداء الديمقراطي ومظهر مهم من مظاهرها الحيوية والاساسية تعتبر وسيلة وليست غاية بذاتها.وقد يقال ضمن هذا السياق ما جدوى معرفة الانتخابات كونها غاية بنفسها او وسيلة وما هي الثمرة العملية او الفكرية التي تترتب على هذا التقسيم فسواء كانت غاية او وسيلة فقد لا نجد فرقاً كبيراً في طبيعة الاثار المترتبة عليها؟وهذا السؤال في غاية الوجاهة والنباهة ويحتاج الى بعض التفاصيل والتوضيح فليس كل سجال فكري وثقافي تترتب عليه ثمرة عملية لكي يكون جدياً فالكثير من القضايا اللفظية والنقاشات الفكرية لا تحمل في مضامينها أية اثار جدية ذات فائدة حقيقية.وليس كل قضايانا الفكرية هي ذات محل جدل حتى تكون متحققة الفائدة والثمرة وربما يدور النقاش والجدل على قضية لا تشكل في كل سياقاتها محل اهتمام واثر علمي وقد يدور الحديث والنقاش الفكري والكلامي حول الملائكة وهل كونها ذكوراً ام اناثاً ثم نصل في نهاية المطاف الى نتيجة مؤسفة وهي ان لا اثر عملي من وراء هذا النقاش ونتائجه الا اذا قلنا بان ثمة اثراً لم يلتفت اليه الباحثون وهو الاثر النحوي وعودة الضمير الى المذكر او المؤنث واما على مستوى التفسير فلا نجد اثراً واقعياً على هذا الخلاف.وفي موضوعة الانتخابات فالاثر العملي والواقعي على نتائج بحثنا من كونها غاية بذاتها او وسيلة يتحقق في اهمية هذه الانتخابات واهمية السعي لتحقيقها وتأكيد الدور الايجابي في حال الغائية الانتخابية او كونها واسطة موصلة لتحقيق اهداف اخرى.فلو قلنا بكونها غاية بذاتها فان السعي الكامل والجهد الشامل سيؤدي الى تحقيقها كضرورة غائية ويتكرس الجهد الانتخابي للانتخابات وحدها وليس لما يترتب على نتائجها وهو المستبعد في هذا السياق لانها لم تكن الا وسيلة موصلة لاهداف محددة والية لتحديد خيارات معينة.واذا قلنا بان الانتخابات هي وسيلة وهو الصحيح فانه الاهتمام المتزايد والتوجه المتصاعد لاهميتها يتأتي من كونها مقدمة لغايات نبيلة تصبح اهميتها باهمية هذه الغايات.وفي مثل هذا الفرض فان اهمية الانتخابات والحرص على اجرائها والسعي على تأكيد المشاركة فيها يحقق غايات رفيعة تسهم في تأسيس دولة المؤسسات وتجذر اسس الدولة الصحيحة المبنية على العناصر الصحيحة المكونة لاصول الدولة المدنية الحديثة.الانتخابات مقدمة اساسية لتأسيس المعادلة الجديدة في العراق واستبعاد الهيمنة والاستحواذ الطائفي والمناطقي على الدولة وتحريك مساراتها ضمن عقلية القرية او القبيلة اقرب ما يكون في طبيعة الاقطاع والاسياد في القرون الوسطى.اهمية الانتخابات تؤكد وتعزز احترام رأي الشعب وتوزيع السلطات والثروات على كل المكونات دون تهميش او اقصاء واذا اتاحت الانتخابات للاغلبية لابناء الشعب الاستحقاق والاحقية في الحكم والتمثيل التشريعي فانها لم تغيب حقوق الاقليات والمكونات الاخرى التي لم تسعفها الانتخابات من تحقيق ما تصبو اليه بل تحفظ جميع الحقوق وتؤمن التعايش السلمي كل بحسب ما يحققه من مقاعد او مواقع.في النظام الديمقراطي المبني على اسس سليمة وممارسات انتخابية نزيهة يعيش الجميع بمستويات متساوية واستحقاقات وطنية بلا تمييز ولا تفريق، وتخلق هذه الممارسة حصانة اكيدة من حصول أي انتهاكات او تجاوزات على الفرد والجماعة وتحقق القدر المتيقن من الاطمئنان والامان والمشاركة وتعزيز المواطنة، ولا مجال في دولة المؤسسات لاي محاولة استبدادية او استحواذية واحتكار المواقع والمناصب وفق العقلية الحزبية وان صناعة الطاغية والديكتاتور في ظل المؤسسات عملية بائسة ويائسة لم تحقق اغراضها واهدافها المريبة لان العقلية المؤسسية تعارض نمو الديكتاتورية وتمنع انطلاقها وتسهل اجهاضها.
https://telegram.me/buratha