كريم الوائلي
تلقت الجماهير المحتشدة امام جامع الخلاني ببغداد في تاسوعاء محرم الجاري خطاب فريد من نوعه ، حيث وضع سماحة السيد عمار الحكيم المشروع الحسيني في سياق خطة طريق معاصرة تأخذ من النهضة الحسينية نسوغها النهضوية التي غذتها بعوامل الخلود والبقاء لتكون اس من اسس الوصفات العلاجية والتقويمية لعلل الحاضر ومشاريعه ، ولم نسمع يوما خطابا من قيادة سياسية معاصرة تبنت مناقلة فكرية بين نهضة الحسين عليه السلام ، بصفتها رمز من رموز الهوية الوطنية ، وبين الحاضر بكل معضلاته واشكالاته . الغريب والملفت ، بل ، والمحزن ايضا ، ان نسمع ونرى ، وبالتزامن مع محرم الحرام ، بعض الاصوات المصابة بالغرور الطفولي النزق ، والتي اقل ما يقال عنها انها ذيلية وتقتفي هيذان ورطن الابواق المشبوهة الداعية الى حذف الشعائر الحسينية من منظومتنا المعرفية والفكرية ليحرموا الامة من عوامل الدفع النهضوي والضخ المعنوي التي تحتاجة في الملمات والمحن وليطعنوا ماضينا وحاضرنا بمدي الغدر والتشويه بحجة التجديد والحداثة ، وهذا ما نبه له سماحة السيد الحكيم في خطابه وهو يؤكد ، مخاطبا الحسين عليه السلام ، على (( ان هذه الجماهير ستلتزم فكريا وعاطفيا بمشروعك وسوف لن تتهاون ولن تتساهل تجاه شعائرك الحسينية )) وقد جاء التنبيه ليشير بالمؤكد ان عيون شعبنا راصدة ومتمعنة في ذلك الحراك الارتدادي الهادف الى سلب اهم ما في تاريخنا وحاضرنا من منابع الاشراق والنهوض وحرمان امتنا من النسغ المناعي ضد الكبوات الذي يتمثل بأشراقات مدرسة اهل البيت عليهم السلام ليسهل على الاعداء بث عوامل الاحباط والتراجع في جسد الامة ، وهذا ما كان يفعله النظام البائد بعد ان تأكد له ان الشعائر الحسينية هي القوة الدافعة الاكثر فورانا ومناعة ضد الاستلاب والاستبداد والظلم ، بل ، ان ذلك ما ادركه كل الطغاة عبر التاريخ .وما زالت الهجمات الوحشية للتحالف التكفيري الصدامي تتعاقب وتتوالى على منجزات امتنا التي تحققت بعد سقوط الدكتاتورية بفضل جهادية شعبنا وتضحياته وقد خابت بالفشل والخذلان ، وكان لزاما على الاعداء ان يستهدفوا عامل المدد الحسيني في نفوس ابناء امتنا لينسفوا جذوة الصمود والتصدي فيها والتي تشكل صمام امان لحفظ وصيانة منجزاتها ومصادرة ارادتها وقابليتها على المطاولة واستمرار في مواجهة الهجمة الصدامية التكفيرية المتصاعدة . ولم تكن النهضة الحسينية ناضبة الاشعاع الاصلاحي كي تركن في المتاحف او تحفظ في الاراشيف ، انما هي رسالة حياة ومشروع بناء كما جاء في توصيف سماحة السيد عمار الحكيم وهي مشروع دائم الولادة وغني بالطاقات التغييرية والاصلاحية الامر الذي يجعل الحسينيون دائمي الحظور في الساحة على الرغم من اعمال الغدر التي يمارسها منفذي الجريمة السياسية الذين يجهدون انفسهم في العودة لمسك السلطة السياسية من جديد ، وثمة فارق شاسع بين مشروع الموت الذي يتبناه الارهابيون وبين مشروع الحياة والبناء والسلام الذي يتبناه الحسينيون من اجل عراق يلوذ تحت خيمته الوارفة كل مكونات الشعب العراقي .والمناقلة الواعية بين المشروع الحسيني وبين مشروع عراق الحاضر نستلهم سجايا القيادة الرسالية للحسين في ظرف مشابه تكالبت فيه اعداء الامة من كل حدب وصوب مستخدمة كل وسائل الانحطاط والهمجية لاجهاض مشروع الاصلاح الذي تجشم من اجله الحسين مختلف التضحيات ، وما نريده ونحتاجه اليوم لارساء دعائم مشروع العراق الجديد قيادات رسالية تأخذ من سجايا القيادة الحسينية ما تحتاجه من الثبات والثقة في الله تعالى وحبس النفس على المكاره والحرمان ونكران الذات والثقة بالنفس والاصرار على خيار النصر ولا خيار غيره .والنهضة الحسينية عربية الاصل واسلامية الجوهر والعقيدة استقطبت كل الجماعات التي شغلت محيط الجزيرة العربية وامتدادات الدولة الاسلامية في ارض السواد ولم تستثن طرف من المكونات المحركة لمشهد حياة المسلمين وكان ما يجمع ذلك الرهط هو الاسلام المحمدي الاصيل الذي جاء الحسين ليصلحه في امة جده وابيه شعورا من الحسين بوحدة مصير الامة ووحدة هدفها وغايتها وهذا ما اراد سماحة السيد عمار الحكيم ان ينقله من ساحة الطف الى ساحة العراق الجديد وحاجتها الى وحدة الصف للوصول الى الهدف المنشود الواحد وهو انقاذ العراق من براثن الهجمة التكفيرية الصدامية ومن ثم مواصلة العمل الجمعي لبناء دولة المواطنة الجديدة .ان التغلب على اجندة اعداء العراق الجديد تستلزم الانضباط العال الذي تحلى به اصحاب الحسين عليه السلام وهم امام جيوش متسربلة بالحديد والقوة الغاشمة مقابل ثلة قليلة من العباد والنساك الذين يستكثرون خدش شعور المسلم ويستنكرون سفك دمه ، وهذا ما ألتمسة السيد عمار الحكيم ليتحلى به قادة العراق الجديد متمنيا ان يكون الدستور والقانون وروح المواطنة هي الواعز الانضباطي لبناة المشروع الوطني . ولم تفلح الصفقات المالية والمنفعية لتشتت اصحاب الحسين عليه السلام كما انها لم تفلح في انتزاع قوة الارادة عند الامام ولم تحقق لقادة العدو الاموي ما ارادوه من سمعة ووجاهة بعد الاقدام على جريمتهم ، واليوم فأن المنح والهبات من المناصب والمال السياسي الذي تلوّح به بعض الاطراف يجب ان لا يكون من السلوكيات الانتخابية تلك السلوكيات التي من شأنها ان تجلب لمروجيها ما جلبته على قتلة الحسين عليه السلام من لعنة ابدية !! .
https://telegram.me/buratha