تمر علينا في هذه الأيام من محرم الحرام ذكرى أبيّ الضيم حسين الشهيد عليه السلام وثلة من أصحابه الميامين وأهل بيته العظام .
هذه الثلة المؤمنة كان كل واحد فيها مثالا يحتذى ومدرسة إيمانية إصلاحية عظيمة وقفت في وجه الشجرة الخبيثة في وقتهم وهي ثورة على أية حال مدعوون نحن لأن نرفع شعاراتها في وجه أي شجرة خبيثة في كل زمان ومكان .
إن تلك الشجرة الخبيثة المتمثلة في بني أمية والتي ما انفكت تحارب الإسلام , وتظهر حقدها الدفين وعداوتها المتوارثة له منذ أبي سفيان مرورا بمعاوية ووصولا إلى الملعون يزيد . يتكرر نموذج وجودها على مر التاريخ ووصولا إلى يومنا هذا .
و إن خروج أبي الأحرار عليه السلام كان من أجل الإصلاح , ومحاربة بدع سنها معاوية ابن أبي سفيان في الأمة ولاسيما عندما ورّث الحكم لابنه الفاسق الفاجر يزيد عليه لعائن الله والملائكة والناس أجمعين إذ قال مثلي ( الخير ) لا يبايع مثله ( الشر )
الإصلاح الذي طلبه أبو عبد الله الحسين والذي دفع حياته ثمنا له كان لأجل العودة لدين جده المصطفى كما لا يخفى علينا أنه كان لنشر العدل والمساواة بين الجميع.
والسؤال الآن لنا ونحن أتباع مذهب آل البيت : ماذا تعلمنا من خروج الحسين عليه السلام في محاربته الفساد والطغيان ؟؟ و خصوصا ونحن من وقع علينا ومررنا بكافة الضغوط وحُوربنا في وجودنا وهُدد كياننا عبر الأجيال من قبل كل أنظمة الحكم المتعاقبة رغم اختلافها فيما بينها , إلا أنها كانت جميعها متفقة على محاربة هذا الفكر وهذه الثورة الحسينية التي خطت بأحرف من نور لرفض الذلة حتى وإن كان الثمن حياتنا.
نفتخر نحن أتباع أهل البيت بالحفاظ على الشعائر الحسينية عبر التاريخ ولنا الفضل في حفظ ذكر آل البيت من دون بقية المذاهب الإسلامية لكوننا المؤتمنين على حمل الأمانة منذ أن وضع أساساها أئمتنا الميامين وأمرونا بالسير على خطاهم , فكان أحدنا يدفع حياته ثمنا من أجلها ويتسابق للشهادة ولا يبالي من أجل هذه العقيدة والولاء لها .
ونحن نعيش في العراق الجديد وفي ظل الحرية في المعتقد والدين , وإقامة الشعائر في وضع لم يشهد له التاريخ الشيعي مثيلا من قبل , علينا الاستفادة من الدروس والعبر التي كتبتها واقعة الطف سنة 61 هـ وترجمتها على أرض الواقع كأتباع لمن ضحوا بحياتهم من أجل رفعة الإسلام وإعلاء كلمته .
الإصلاح الذي قصده سيد الشهداء هو مفهوم شامل وعام لكل نواحي الحياة الدينية و المدنية والتي تبدأ بإصلاح الذات أولا والثورة على النفس وتحريرها من جميع الأمراض والمفاهيم الخاطئة التي لحقت بها من المحيط العام وبالأخص تلك التي فرضها النظام العفلقي , والذي زرع عمدا الكثير من تلك الأمراض الاجتماعية نتيجة سيطرة عصابة من المجرمين والتي أصبحت كأمر واقع مسّلم به وكأنه في أصل المجتمع .
لقد عمت الرشوة الدوائر , وعم الفساد وسرقة المال العام الذي استمر إلى يومنا هذا رغم تغير الواقع الاقتصادي في البلد. فالرشوة سابقا كانت تتم تحت "غض" أنظار السلطة الحاكمة التي كانت تعيش وتعرف أنها كانت تعيش أواخر عهدها بالسلطة فارتأت أن يشيع الفساد وتعم الفوضى بعد رحيلها .
أما استمرارها اليوم فهو نتيجة ضعف الحكومة في تطبيق القوانين للحد من هذه الظاهرة إضافة إلى تعدد السلطات التي أضعفت إيجاد رادع للمفسد ليكف عن فساده , كما أن الفساد أصبح على مستوى المسؤوليين والحيتان في الدولة ولم يتم معالجته بطريقة شفافة وأمام الملأ ليثبتوا لنا أن القانون فوق الجميع ولتتعظ الأسماك الصغيرة أو الكبيرة على مستوى الدوائر الحكومية .
وبهذا سوف يستقيم أمر البلد باتخاذ الخطوة الصحيحة في طريق بنائه ليبنى على أسس صحيحة وإلا سيكون مصيره مصير الأمم التي هلكت ولم تتعظ بإرشادات الأنبياء والمرسلين .
إن الثورة والإصلاح تبدءان من أنفسنا أولا وأخذ العهد عليها بالعودة للمبادئ التي جاد في سبيلها أبو الأحرار بكل غالٍ ونفيس , وقدمنا دماءنا في الحفاظ عليها والعمل على بناء جيل من الشباب يكون قادرا على حمل الأمانة من خلال العمل الجاد والمثمر.
نرى الآن شبابنا خريجي الجامعات بين عاطل عن العمل و محتاج لا يستطيع أن يدفع ثمنا من أجل تعيينه في دائرة ما , أو وظيفة باختصاصه , كما نرى سلبيات كثيرة مصاحبة للسلوك الفردي في المجتمع والذي يكاد يكون صفة عامة بين الجميع وهو انعدام الإخلاص والهمة في إنجاز العمل للغالبية والاتكالية وتأجيل عمل اليوم إلى غدٍ .
كل هذا وغيره هي من الأسباب التي أخرت بناء مدننا وقرانا بعد تقريبا سبع سنوات من التغيير رغم صعوبتها وبعد كم التضحيات التي صاحبتها ورغم معرفتنا الأكيدة من أن مناطقنا الجنوبية من أكثر المناطق تضررا في أيام النظام المباد ! .
نتمنى على الدولة وبكافة وزارتها وبخاصة ذات الطابع الإنساني منها أن تكون أكثر تحمّل للمسؤولية في بناء الإنسان وتقويمه من خلال المناهج الدراسية أو الإعلام فبالنسبة لوزارة التريبة مثلا وهي المسئولة عن تخريج آلاف الأجيال سنويا أن تقوم بمراجعة شاملة للمناهج التي تبني وتقوم بعيدا عن أي تعصب في عراق متعدد الأطياف , ولكن مع الأسف نرى بطئا للعمل في الوزارة بشكل لافت , حيث ما زالت مناهج النظام المباد الذي يروج لأفكاره موجودة في الكثير من المدارس , وكما أن وزارة الثقافة لم تمارس دورها في السيطرة على ما يأتي عبر الأثير من قنوات فضائية بعيدة كل البعد عن أخلاقنا ومبادئنا , فأين تنظيم العمل الإعلامي ولجان الرقابة والسيطرة التي من حقها أن تختار ما يناسب مجتمعنا منها فحسب , فمهمة تقويم وتوجيه الأجيال هي مهمة جماعية يشترك فيها الجميع دون تهاون للحفاظ على أخلاقيات وتراث ومبادئ مجتمع يفتخر أنه من أتباع لآل البيت عليهم السلام أجمعين
أتمنى أخيرا أن تسود المبادئ التي ضحى من أجلها الحسين عليه السلام في مجتمعنا لنكون حقا جديرين بانتمائنا لهذه المدرسة العظيمة لا أن نرفع شعارت ثورة ونكون نحن أول من خان مبادئها وفعل فعل أعدائها .
عراقيـــة
https://telegram.me/buratha