كريم الوائلي
برزت الى الواجهة في السنوات الاخيرة ولاسيما بعد سقوط النظام البائد عام 2003قضية الهوية العراقية وتصاعد الجدل الحاد وما زال حول مفهومها ومصادرها ومخزونها القييمي ، وعما اذا كان لها محور، وماهية ذلك المحور ، والحقيقة ان النزاع حول الهوية يمتد الى ما قبل سقوط النظام بعد ما حاول الاخير طمس الهوية العراقية من خلال الغاء وتهميش اهم مصادرها ،واشارة سماحة السيد عمار الحكيم الى مسألة الهوية ووضعها في السياق الستراتيجي الوطني سابقة فريدة لم يسبقه احد قبله ، وتعد بحق بادرة شجاعة من حيث توقيت طرحها اولا واعطاءها القيمةالاسترتيجية التي تستحقها ثانيا .وتأتي الاشارة الى قضية الهوية في وقت يتصف بالحساسية والدقة سواء على مستوى العراق او على مستوى العالمين العربي والاسلامي ، اذ ان ما حدث في العراق بعد 2003 احدث اضطرابا في البركة العراقية الراكدة فاثار رواسبها وأيقض مكنونها المغيب والمهمش فظهرت الى السطح الوان الطيف العراق المتمثل بالمكونات العراقية المتعددة ، اي بمعنى آخر الهويات الفرعية المتمحورة حول الوطنية العراقية وراحت تثقف بهويتها وتعلن عن نفسها مستثمرة فضاءآت الحرية في العراق الجديد بعد تهميش قسري لشخصيتها ، وصاحب ذلك تباكي اطراف لا يروق لها تمتع الانسان العراقي ، مهما كانت هويته ، بحقوقه الانسانية كاملة ، واغلب تلك الاطراف رضعت من ثدي النظام الشمولي العربي والنظام البائد وتسلحت بالقهرية والعنصرية والاستعلاء القومي .وعلى نطاق العالم العربي حدث الشيء نفسه ، حيث اصيب الشعب العربي بنكسات وهزائم عديدة جراء سياسات الانظمة الشمولية المتحكمة بمصائر الشعوب العربية قسرا وشعور المواطن العربي بالاهانة نتيجة غياب الديمقراطية والمؤسسات الدستورية وتعاظم الجنوح نحو التسلط والدكتاتورية واشاعة توارث السلطة داخل الحكومات العربية الى درجة اثارة الاشمأزاز والغضب في الشارع العربي في وقت يشهد فيه العالم نظام الانفتاح الكوني وتراجع الد كتاتوريات وهزيمتها على نطاق عالمي ، وتزامن ذلك مع عاصقة من التقنيات وشبكات المعلوماتية هبّت على المنطقة حاملة معها عوالم واطياف حداثوية من انماط الديمقراطيات وانظمة سياسية تعطي للانسان كامل حقوقه وتمنح المجتمعات حريتها في اختيار نظامها السياسي وطرائق معيشتها ، والادهى من ذلك والامر على الشعوب العربية هي خيبة الامل من حاملي الشعارات القومية والذين اوصلوا العرب الى هزائم مريرة في صراعهم مع اسرائيل واصرارهم على اقامة انظمة دكتاتورية استبدادية على شاكلة النظام العراق السابق والمنهار واطلاقهم شعارات قومية خادعة في وقت امعنوا فيه باهمال الحاجات الوطنية لبلدانهم ، فأنفضت عنهم الجماهير وتركتهم في خنادقهم المسيجة بالبوليس القمعي وراحوا ينظرون الى الهوية العربية على انها قيد قسري ، وبمعنى ادق انهم أساءوا اسائة بالغة للهوية العربية القائمة على السجايا العربية النبيلة والمطعمة بالقيّم الاسلامية السمحة .وفي العالم الاسلامي كان التشتت العقائدي قد بلغ حد التردي المخيف بسبب تنامي الانحراف الخطير الذي سببته التنظيمات السياسية الاسلامية السلفية والخلافوية والوهابية عندما اعتمدت افكار غريبة وشاذة تبيح قتل الانسان الاعزل البريء دون جريرة او خصومة مسبقة والاخزى من ذلك تسويقهم تلك الافكار الغريبة الى خارج العالم الاسلامي والقيام بأعمال اجرامية مستبيحة سيادة الدول واستقلالها ومتجاوزة على قيّم الضيافة ومستغلة الحريات العامة الامر الذي سبب تشويه شديد للهوية الاسلامية وسلب الخزين القييمي الهائل الذي يعتمر داخل العقيدة الاسلامية التي تحترم الحياة وتعتبر الانسان اعظم وانفس مخلوق على وجه الارض ، وكان من جراء ذلك شعور المسلمين بالخجل والحرج حين يعلنوا عن اسلامهم ومبادئم السامية ، وبمعنى ادق ان الارهابيين قد اساءوا الى الهوية الاسلامية بدرجة اعظم من اساءة اي عدوا للمسلمين ظهر في تاريخ نشوء العقيدة والدولة الاسلامييتين .ومن هذا يظهر اهمية اشارة سماحة السيد عمار الحكيم الى اهمية إلاء قضية ترسيخ الهوية العراقية والارتقاء بها الى مستوى البعد الاستراتيجي ، كما ان ذلك يفسر بشكل واضح وجلي دقة التوقيت حيث يتعالى مجددا الصوت الناشز للتحاف الصدامي التكفيري المحرض للفتنة الطائفية وفي مرحلة خطيرة وحساسة تجلت في الاعمال الاجرامية لمرتكبي الجريمة السياسية واستهدافهم المشهد القييمي للعراق والعراقيين وتزامن ذلك مع الاصطفافات السياسية الجديدة التي أملتها التحولات الوطنية العميقة والمؤثرة والتي من شأنها التعارض مع اهداف وميول بعض الجماعات السياسية التي لا تنسجم ميولها واهدافها مع التوجه الديمقراطي للعراق الجديد .ان الهوية العراقية تعبر عن نفسها من تعدد روافدها التي منحتها المزيد من الثراء القييمي والحضاري ومن مضامينها الغنية وفي مقدمتها الفكر الاسلامي ولا سيما الاشراقي منه والمتمثل بمدرسة اهل البيت عليهم السلام التي يتحلى بها العراقييون والتي منحتهم الشعور الانساني التضامني مع البشرية ليثبتوا للعالم ان الثقافة الاسلامية رافد مهم من روافد المعرفة الاممية ، كما تعبر الهوية العراقية عن عروبتها الاصيلة وذلك من خلال استلهام التراث العربي الحضاري الباذخ مضافا الى ذلك الاصول المتجذرة في اعماق التاريخ للحضارة العراقية وموروثها الغني والمتنوّع ، وتأتي الثقافات الاثنية العديدة لتصب في نهر الثقافة العراقية مشكلة المحور الوطني للهوية العراقية الذي يتضمن مزيج منسجم بفعل التاريخ المشترك للمكونات العراقية والارض الواحدة والمصير الواحد والمصالح المتواشجة ، فالهوية العراق مركب منصهر في بودقة الوطنية ومكونا المنظومة الثقافية الوطنية التي شكلت بحر من المعرفة والثقافة لتكون مصدر الهام للمواهب في مجال الادب والفنون المسرحية والسينمائية والتشكيلية وكذلك القصة والرواية والشعر .
https://telegram.me/buratha