حسن الهاشمي
يخطأ من يظن أنه قادر على كبح جماح الفكر لا سيما إذا كان من النمط القيمي الهادف، ويخطأ أكثر من يسعى إلى نكوص الآخر النوعي عن ممارسة ما يعتقده ولو استخدم العنف والقوة التي ربما تكون نتائجها عكس ما يتوخاه الجاني، ويتوغل في الخطأ ذلك الذي يظن إنه بإجرامه وآثامه وموبقاته قادر على تصدير فكره حتى لو اعتقد بأحقيته هو، ولكن الإقناع لابد أن يتظافر بالمجادلة والقاء الحجج والبراهين لا بالتكفير والتفخيخ والتهميش.ونحن نستغرب إذ نعيش زمن التكنلوجيا الحديثة التي توفر الرأي والرأي الآخر بكل سهولة، بيد أننا نرى من يلجأ إلى استهداف المواكب الحسينية والشعائر الحسينية بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة والعبوات اللاصقة والأدهى من ذلك ابتكرت الشبكات الإرهابية طرقا خبيثة أخرى عن طريق توزيع مواد غذائية معبأة بمواد متفجرة يمكن تفجيرها بعد تسليمها على أساس أنها مساعدات للمواكب وكذلك في ساريات الأعلام الحسينية فيتم تعبئة سارية العلم بالمتفجرات وتوزيعها على المواكب.والحقيقة التي لا غبار عليها إن تلك الفئات الضالة التي تعادي الشعائر الحسينية أن موقفها مهادن ومتناغم إزاء اليهود والكفار والبوذيين واللادينيين، ولكن حقدها الأعمى جعلها يقذف بجام غضبها ضد أولئك الذين يشتركون معهم بثوابت ليست بقليلة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على هشاشة ما يعتقدون ولا سيما بما يرتبط بعدل القرآن وأحد الثقلين الذين أوصى بهم الرسول الأكرم بمواطن عديدة ومناسبات مختلفة، ولأسباب ليس أولها الدفاع عن سلطات الجور والطغيان ولا آخرها الحقد الموروث من السلف الطالح مع هن وهن، ولكن الجامع المشترك بين هذا وذاك يمكن مشاهدته من خلال انتشار فكر أهل البيت عليهم السلام وخاصة تداعيات النهضة الحسينية في أوساطهم كالنار في الهشيم وما يعتورهم من دمغات ربما تودي بعروشهم الطاغوتية المبنية على جماجم الفقراء والمساكين والمستضعفين من عباد الله الصالحين. وأنهم بأعمالهم الإرهابية يظنون باستطاعتهم الوقوف أمام الصرخات الهادرة من أجيال المسيرة الحسينية الخالدة التي تشكل أكبر الخطر على عروشهم الخاوية التي لا تزال تتحكم بمصائر العباد والبلاد بالحديد والنار والظلم والإستكانة والقهر والفساد والتهميش، تلك المعطيات التي حاربها الإمام الحسين وما زال أتباعه وأنصاره يقارعون الظلمة لارجاع النصاب الشرعي والحقوقي ليس لأبناء الشعوب المسلمة فحسب بل للإنسانية جمعاء، وفاتهم أن الذين يعتقدون بإمام كالحسين عليه السلام وبعقيدة ككربلاء المقدسة لا يهابون الموت ولا يبالون بالمخاطر التي ربما تواجههم وهم في طريقهم لتجديد العهد مع المولى أبي عبد الله في ذكرى استشهاده في عاشوراء أو أية زيارة خاصة به، وإن لهذا التجديد نوع من الضخ المعنوي الذي يحتاجه المؤمن بين الفينة والأخرى لمقارعة الظالمين وتشذيب النفس ما علق بها من ذنوب ومعاصي في سالف الأيام، وما الشعور الذي يعتور المؤمن بتلقي الصعاب والمخاطر في هذا الطريق إلا ليثبت أن للإمام الحسين خصوصية فريدة يتلذذ المؤمن من خلال تحصيل رضاه وبالتالي رضا الله تعالى بتحمل كل خطر أو خسارة مادية أو تعب فإنه سرعانما يتحول إلى فوز ونشوة وتألق لا يحس بها غير الزائر العارف.يقول الإمام الصادق عليه السلام لابن بكير واصفا ذلك الزائر: (أما تحبّ أن يراك الله فينا خائفا)؟ أما تعلم أنه من خاف لخوفنا أظله الله في ظل عرشه، وكان محدثه الحسين عليه السلام تحت العرش، وآمنه الله من أفزاع القيامة، يفزع الناس ولا يفزع، فإن فزع وقرته الملائكة، وسكنت قلبه بالبشارة. (بحار الأنوار / جزء 98 / صفحة [11]). فالشعائر الحسينية ومنها زيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه مع أن المشهور عند فقهاء الشيعة استحبابها ـ لا وجوبها ـ لا تسقط حتى مع الخوف، أي لا يسقط استحبابها فضلاً عن جوازها، ولم يسمع عن المعصومين صلوات الله عليهم تعبير مماثل في مورد عبادة أخرى، فمن يصمم ويعزم على أن يستفيد ويفيد بتقديم الخدمة في مجال القضية الحسينية المقدسة فسيكون موفـّقاً وتقلّ حسرته في الدنيا وفي الآخرة، ومن يقصّر في ذلك فستكون حسرته في الدنيا وفي الآخرة أكثر.ورد في إحدى زيارات الإمام الصادق للإمام الحسين صلوات الله عليهما، وهي زيارة معتبرة وصحيحة السند: أشهد أنك طهر طاهر من طهر طاهر طهرت وطهرت لك البلاد وطهرت أرض أنت بها وطهر حرمها، أشهد أنك أمرت بالقسط ودعوت إليه، وأنك ثأر الله في أرضه حتى يستثير لك من جميع خلقه. (بحار الأنوار / جزء 98 / صفحة [149])، فمعنى ثار الله هو: إن الله تبارك وتعالى هو المنتقم للحسين صلوات الله عليه، كما إنه تعالى هو المنتقم للمعصومين صلوات الله عليهم وللإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه حيث إن المقصود في قول الإمام صلوات الله عليه: (وابن ثاره) من عبارة: (السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره) الواردة في زيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه هو الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه.ومعنى مقطع الزيارة المذكور أعلاه إن الله سبحانه وتعالى ألقى مسؤولية دم الحسين عليه السلام على جميع ما خلق أي الإنس والجن والحيوانات والنباتات والجمادات والشمس والقمر وكل موجود في الكون، وهذا يعني أننا نحن أيضاً جميعاً مسؤولون تجاه قضية الإمام الحسين صلوات الله عليه، فإنّ الله أعطى للحسين ما لم يُعطِ أحداً من العالمين؛ إذ ربط دمه بعالم التكوين، فألقى مسؤولية دمه على كل ما خلق، لينظر أيهم بريء بعمله وسلوكه من هذا الدم وأيهم متوغل فيه ليس في واقعة الطف فحسب، بل البراءة والإيغال تطال الجميع منذ أن خلق الله تعالى الكون حتى قيام الساعة. لقد شاء الله سبحانه وتعالى أن تتسع إقامة الشعائر الحسينية يوماً بعد يوم رغم محاربتها، فالله تعالى شاء أن تشرق الشمس وأن يبزغ القمر، وأن تجذب اﻷرض اﻷشياء، وليس بحول الشمس والقمر واﻷرض أن يقوموا بغير ما شاء الله جلّ وعلا، وهكذا فيما يخصّ قضية مولانا سيد الشهداء صلوات الله عليه، فقد شاء الله عزّ وجلّ أن تزداد الشعائر الحسينية وتتسع يوماً بعد يوم رغم عرقلة الظالمين لها ومحاربتها، وهذا وعد إلهيّ تكوينيّ وقطعيّ، ولا يمكن عرقلته أو منعه.إن محاولات محاربة القضية الحسينية لها نتائج عكسية أي إن هذه المحاولات تبعث على ازدياد واتّساع إحياء قضية الإمام الحسين عليه السلام ، وليس أنها محاولات عقيمة فقط، أما من كان معرقلاً لإحياء عاشوراء فلا يمكننا أن نتصور عاقبته السيئة واليوم الأسود الذي ينتظره وما سيصيبه في الآخرة، إذ أنّ قضية مولانا سيد الشهداء عليه السلام اختبار وامتحان كبير للخلائق، هذا الامتحان يجري وسيظلّ يجري على الجميع، فعلينا أن ننتبه جيّداً إلى أن إهانة قضية سيد الشهداء عليه السلام والتلاعب بالشعائر الحسينية أمر خطير جدّاً.إن المقبور صداما قد منع إقامة الشعائر الحسينية، لكننا اليوم لا نرى أثراً لصدام وأعوانه الظلمة، وفي المقابل انظروا إلى سعة وانتشار إقامة الشعائر الحسينية في العراق، بل إن مجالس العزاء على مصاب مولانا سيد الشهداء صلوات الله عليه تقام اليوم في جميع قارات العالم، فهي اليوم أصبحت عالمية وغدت منتشرة في كلّ مكان، حيث أن الأيام علمتنا إن الإرهاب ضد الشعائر الحسينية تكون نتائجه معكوسة بالضد عما يخطط له الأعداء دائما.احياء ذكرى عاشوراء إنما هو احياء للمباديء التي ضحى من أجلها الإمام الحسين وذريته واصحابه واصلاح الإعوجاج الذي يصيب المسيرة في كل وقت ومكان، وكل من يحارب تلك الشعائر إنما يحارب القيم والأخلاق والفضيلة والعدالة، وإنما يحابي المفسدين في مواقفهم المضللة، والغريب في الأمر إن أبناء الديانة المسيحية في الوسط والجنوب أعلنوا عدم مشاركتهم في أفراح ميلاد السيد المسيح لهذا العام لتزامنها مع أيام عاشوراء احتراما لصاحب الذكرى وتقديرا لمشاعر المؤمنين في هذه الأيام التي هي أيام حزن ومصاب قد ألمت بالإسلام بقتل ابن بنت النبي وفلذة كبد الزهراء البتول، في حين أن بعض المحسوبين على الإسلام من التكفيريين والنواصب قاموا بنصب اليافطات الضوئية في محرم كتب عليها عاشوراء يوم فرح وسرور، ونفس أولئك يتربصون المواكب الحسينية المتجهة الى كربلاء المقدسة لانزال القتل والإبادة في أوساط المجاميع المؤمنة المعزية للرسول بفقد ريحانته على يد شرار خلقه، وفاتهم أن أعمالهم تلك لا تزيد المؤمنين إلا صلابة على نهج الحسين وثورته الخالدة وكما قالت العقيلة زينب لابن أخيها الإمام السجاد عليهما السلام بعد واقعة الطف: لقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الامة لا تعرفهم فراعنة هذه الارض، ينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء (عليه السلام) لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي والايام وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهورا وأمره إلا علوا. (بحار الأنوار / جزء 28 / صفحة[57]).
https://telegram.me/buratha