محمود الربيعي
لقد كان في الطف أصداء وأصداء، ولكل من كان في الطف مع الحسين عليه السلام صدى خاص يقرن بالحسين عليه السلام، ومن تلك الأصداء صدى صوت الطفلة الرقيقة رقية بنت الإمام الحسين عليه السلام ، هذه الطفلة التي لم تتجاوز الخمس سنوات قضتها في حضن أبيها الإمام وهي تعيش محن أهل البيت محنة فمحنة، وتنتقل من حزن إلى حزن لينتهي بها المطاف إلى أكثر الأحزان الماً ولوعة يوم الطف.. يوم أستشهد ألإمام الحسين عليه السلام وبقية أهل بيت النبوة، وفي ملحمة حزينة سبيت فيها النساء وبقية الله في الأرض من الأئمة الطاهرين عليهم السلام ممن كان مريضا او صغيرا في السن كما هو الحال بالنسبة للإمامين علي بن الحسين زين العابدين ومحمد بن علي الباقر عليهما السلام.
لقد شهدت الردة في عصر بني أمية أحداثا تركت بصماتها على التاريخ بوجهيه الصادق الأمين الذي سجلته أيدي المؤمنين، والكاذب منه الذي سُطِّرَ بشكل لم يسبق له مثيل على أيدي وأقلام كتبة الفراعنة والطغاة الذين باعوا ضمائرهم وأعاروا أقلامهم للسلطان، فكان ماكان من تشبيه الإمام الحسين عليه السلام وهو الإمام المفترض الطاعة أنه خرج على إمام زمانه وخليفة المسلمين يزيد بن معاوية ذلك الفاجر الفاسق فزعموا بأن الحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام ألقى بيده إلى التهلكة عندما خرج على يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، في الوقت الذي ترضوا فيه على يزيد شارب الخمر وملاعب القرود الذي أراد أن يطفئ شعلة الإسلام بنيران الجاهلية.
هذا اليزيد العنيد، والزمرة الجاهلة المريضة بجنون الغرور والغطرسة ممن كانت معه أبت إلاّ أن تقهر نفس الطفلة رقية بنت الإمام الحسين عليها السلام في اللحظة التي سئلت عن أبيها وطلبت رؤيته، فأمر الطاغية الملعون على لسان رسول الله بالكشف عن رأس أبيها المقطوع لتقع صريعة الصدمة التي زلزلت أركان روحها الطاهرة والتي عندها لم تتحمل ذلك الموقف الشديد فأراد الله سبحانه وتعالى أن يرفع روحها المعذبة ليلحقها على عجل بأبيها العظيم وبه في جنات النعيم وملك لايبلى ولسوف يعطيك ربك فترضى وهي راضية مطمئنة بقضاء الله وقدره.
كيف لأمة تفعل فعل يزيد أن ترتاح وتنام قبل أن تمزق هذا التاريخ السود الملعون المخضب بدماء العترة الطاهرة والذي رسم بأيدي أهل الجريمة من الذين لايستحقون في هذه الدنيا إلاّ اللعنة والعقاب بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين.
لم يكن الطف صرخة نسوية فقط من زينب وسكينة وليلى وأم البنين وأم سلمة، بل كان صرخة الطفولة بإسم عبد الله الرضيع إبن الإمام الحسين عليه السلام الذي قتل وهو ملفوف بقماطه، ورقية إبنة خمس سنين والتي قتلت حسرة على والدها وحبيبها الإمام الحسين عليه السلام.
فياأحرار العالم تيقضوا وأنتبهوا الى التاريخ وأقرؤوه جيدا كي لاتترضوا على مجرم، ولاتشاركوا ظالم، ولتكونوا أحرارا مع الإمام الحسين الذي لم يخرج أشِراً ولابَطِراً ولكن خرج لطلب الإصلاح في أمة جده آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ليقيم العدل ويدعو الى السلم، والذي لم يعطي بيده إعطاء الذليل ولم يُقِّر لهم إقرار العبيد، ولكي يؤسس للحق الذي لامناصَّ سيظهر يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج.
إن ظاهرة الطف تستلزم أن يتخذ الإنسان لنفسه موقفاً عقائدياً واضحاً من المجرمين، وليكن منهجنا سليماً في الإصطفاف مع الصالحين، ويجب على كل النفوس الأبية أن تلتحق بأحرار العالم في كل مكان ولينصرن الله من ينصره بالغيب، ولينصرن الله المظلومين والمستضعفين في كل بقاع الأرض.
https://telegram.me/buratha