د.طالب الصراف
بدعوة من قبل الشهيد السيد مجيد الخوئي حضرت وليمة على شرف السيد جلال الطالباني وحينها كان قادما منالولايات المتحدة الامريكية سنة 1996 وكان عدد المدعويين قليلا من بينهم السيد محمد بحر العلوم واحد ابناءه والدكتور احمد الجلبي وبعد تناول الغذاء همّ السيد الطالباني في المغادرة الا انني بادرت بالقول: "السيد الطالباني لو كانت الوليمة خاصة بين وبينك يمكن ان تغادر بسهولة ولا احد يعلم ما دار بيننا ولكن الناس سيعلمون بهذا اللقاء وسوف يسألوننا ماذا سمعتم من السيد الطالباني وخاصة انه جاء من الولايات المتحدة الامريكية ؟" فعاد وجلس الرجل وقال: اولا "ان الامريكان جادون باسقاط نظام صدام".....ثم سأله الأخرون باسئلة اخرى . وفي ختام كلامه قال كلمة هي بيت القصيد في هذه المقالة المختصرة-وافضل نشر ما قاله الان بدلا من وقت مغادرته لهذا المنصب لكي لايقال لماذا لم نتحدث اثناء رئاسته-وهو رئيس العراق حاليا. قال السيد الطالباني:"الاكراد يقولون نحن الاكراد,والسنة يقولون نحن السنة, الا انتم الشيعة العراقيون تخافون ان تقولون نحن الشيعة فسوف لن ولا يسمعكم العالم حتى يقول الشيعي انا شيعي دون تخوف". نعم ايها الرئيس لايزال الشيعي العراقي مترددا وخائفا بتعريف نفسه والذي لايعرف نفسه لايعرفه الاخرون. وحين تسأل الشيعي العراقي عن هويته الشيعية يخاف التصريح بها واذا قلت له لماذا قال لان الاخرين سوف يرموني بالطائفية مجرد ان اقول اين حقي ؟ وهم يعرفون اني(الشيعي) لا امارس الطائفية بل انهم يمارسوناها بكل اوجهها القبيحة:يمارسونها في الوظائف وفي العقيدة وفي العلاقات الاجتماعية وفي كل جوانب الحياة بل حتى في العلاقات مع دول الجوار فان الاخرين يقولون ما يشاؤون ولايهمهم ان ترميهم بالطائفية او العنصرية بل انهم يفتخرون بالدفاع عن عقائدهم واهدافهم, وقد كان هذا الحال قبل 2003 ولازال الى يومنا هذا.
قالها السيد الطالباني... ولكن لاحياة لمن تنادي اذ لم يتجاوب أي شخص من الحضور مع ما قاله السيد الطالباني وكأنه تكلم مع حجر او ان السكوت في معرض الحاجة بيان او ان السكوت من الرضا, هذا هو حال الشيعة قبل 2003 سواء في داخل العراق او خارجه. الا ان الطاغوت قد ذهب دون رجعة فهل ان هنالك طاغوت جديد على رأس الشيعة او انه (قابلية الاستعمار من الداخل) التي تعرض لها المفكر مالك بن نبي في كتابه "شروط النهضة "حين طالب من الشخصية العربية ان تنتفض اولا على استعمار نفسها من الداخل وجعلها تشعر بانها حرة وانها تعرف نفسها وتعرف الاخرين وتعرّف نفسها للاخرين بطريقة حضارية. فمشكلة الشيعة في العراق لاتتعلق بالجانب المادي والمعاشي فقط بل بالوعي الاجتماعي والاخلاقي والسياسي الذي طاردتهم سلطات الظلمة عليه منذ فجر الاسلام فانتج شخصيات سياسية غير ثابتة في اراداتها وقراراتها.
فالواقع ان الاكثرية متى التزمت بالجوانب الاخلاقية والاجتماعية وحسن المعاشرة فيما بينها وبين الاخرين سوف ترقى الى النهوض الذي يأخذ بيدها الى مصاف الشعوب الواعية التي تعرف حقوقها الحقيقية لاالشكلية, وهنا استوقفني حديث للسيد اية الله العظمى محمد سعيد الحكيم في زيارته لندن للعلاج قبل سقوط نظام صدام, اذ كان الكلام مع مجموعة من الشباب العراقين في لندن حيث سأله احد الشباب قائلا "ما هي العلوم الموجودة في مدينة النجف اذ سمعنا انه لا توجد الا كتب قديمة ولايوجد كمبيوتر او وسائل العلوم الحديثة"؟ فاجابه السيد حفظه الله قائلا يا بني لدينا علم يسمى (حسن المعاشرة) وفعلا انه علم, فقد نادى رئيس وزراء بريطانيا السابق جون ميجر بالعودة الى الاصول العائلية وحسن عاداتها ومعاشرتها سنة 1993 والتعاون بينها وبين المجتمع والدولة وان لايرمى كل شيئ على عاتق الدولة. وفعلا يحتاج العراق اليوم الى هذا العلم علم حسن المعاشرة لاعلم الملايين من الدولارات التي لايعرف من اين تأتي والى اين تذهب ولاتولّد الا القتل والخراب.
نحمد الله ان لدينا نخبة من المجتهدين وعلى رأسهم اية الله العظمى السيد علي السيستاني حفظه الله والذي يحسدنا الكثيرعليها حتى في العالم الاوربي لافتقاره الى هذا النوع من العلماء في عصر العلوم البحته. لدينا هذه النوعية من المجتهدين في الدين ولكن مع الاسف لاتوجد لدينا نوعية من المجتهدين في السياسة وخاصة بين القائمين على العملية السياسية وتسيير امور البلاد. ان الحوزة الدينية التي انتجت امثال هؤلاء العلماء لهي قادرة على تقديم الكثير من الافكار والقوانين كما نراها ونقرأها في باب المعاملات في رسائل المجتهدين الذين لم يتركوا قضية عملية في حايتنا الا وعالجوها ولكن انتاج وطرح الافكار وتقنينها لايكفي وحده بل يجب ان تنفذ وتطبق طبقا لمهماتها الاخلاقية والاجتماعية والسياسية التي نطمح لتطبيقها. اقول لايوجد عندنا علماء في السياسة قبل عام 2003 ولا بعده والسبب واضح, فقبل هذا التاريخ كانت الدكتاتورية التي قتلت العلم والعلماء واما بعد الدكتاتورية فجاء الاحتلال ليضع قانون المحاصصة والتوافقات مما اعطى باعا طويلا للفئوية لكي تقتل كل انسان بل أي شيئ يسمى معرفة او كفاءة ومحاربتها وعزلها من اجل ان تفرغ الساحة للجهلة وسليلي صدام وللذين يرضون بحياة الذل والخنوع من اجل السلطة والمال السحت, ومع الاسف ان الكثير منهم يتبوءون مراكزا مهمة في الدولة حتى هذه اللحظة.ان الاخوة الاكراد اكثر مصداقية ممن يدعي انه يمثل الاكثرية لان الاكراد اكثر صراحة فحين نتابع تصريحات قادتهم الاخيرة فقط, ولا نريد ان نسرد تسلسل تصريحاتهم التآريخية عن اعلان اهدافهم الحقيقية وهم لايخشون احد, فقد صرح السيد مسعود البرزاني عن قريب ولانريد الذهاب الى كثير من تصريحاته السابقة التي يطالب فيها اعلان دولة كردستان المستقلة بل نشير الى اخر ما صرح به من تشكيل جيش كردستان وكذلك ما يصرح به بعض المسؤولين الاكراد وهم يعملون في داخل الحكومة العراقية المركزية بأن للاكراد حلم تشكيل وبناء دولة كردية, واما الطرف الثاني الذي يقوده طارق الهاشمي وامثاله والذي يدعي ان لاحياة له دون السعودية وحلفائها فهو يطلق تصريحات تسمع مرة بنبرة اعلى من صوت الاكراد ومرة يخفف من دعواه ومطاليبه لأنه لايجد له مكاناً الا في السلطة واستئثاراتها¸واما الطرف الثالث من المعادلة السياسية والذي يعبرعن الاكثرية المطلقة كما يسميها حسني مبارك رئيس مصر حين قال ان شيعة العراق اكثر من 65% وولائهم الى ايران, فلا تعرف حتى من هو الناطق باسم حكومتها, فلو اخذنا على سبيل المثال تصريح السيد علي الدباغ يوم 19-12-2009 حول دخول الجيش الايراني في العراق الذي لم يكن له من الحقيقة شيئ اذ نسمعه نفسه يعلن في اليوم الثاني بان لايوجد أي جندي ايراني على الاراضي العراقية بعد ان شجب واستنكر وهدد وتوعد ايران دون أي مستمسك مادي حيث ان السفير الايراني في العراق كذب الخبر مباشرة ولكن دون جدوى, واما عضو البرلمان العراقي السنيد الذي يبدو انه قريب من السلطة التنفيذية كما هو الحال عند السيد الدباغ ظهرعلى شاشة التلفزيون شاجبا متشنجا وكأن الجيش الايراني دخل بغداد. وقد نسوا هؤلاء وامثالهم ان العراق هو الذي غزى ايران والكويت وان هذه الحجج التي تباكى ونادى بها كلا من الدباغ والسنيد هي نفسها التي نادى بها صدام حين غزى الجمهورية الاسلامية. والغريب ان الناطق باسم جيش المحتل الامريكي يقول هذا شأن عراقي داخلي ويبدو انهم يريدون تطبيق نظرية خير الله طلفاح "هدوا كلابهم عليهم". أي ليقتل الشيعة بعضهم البعض ولم يمضي يوم واحد الا وانكشفت الحقيقة. ولكن هل هنالك من يحاسبهما على هذا التخريب بين الدولتين الشقيقتين وليس الجارتين فقط, وكان المفروض ان لا يستعجلا وان يصبرا على الاقل الى يوم الانتخابات لكي تنجلي الامور اكثر وان غدا لناظره قريب ام ان هذا رضاء واسترضاء للمحتل.
المطلوب من الطرف الذي سمح له ان يتسنم رأس السلطة التنفيذية, أي منصب رئيس الوزراء ان يفهم انه وضع في هذا الموقع لا لأن اسمه اياد علاوي او ابراهيم الجعفري او نوري المالكي اوالذي يأتي بعدهم بل لانه ينتمي الى الاكثرية الشيعة,بالتصريح لا التلميح, ولذا اختير بان يكون في هذا المكان الا اننا لم نرى من هؤلاء مَن دافع عن شريحة الاكثرية كما يدافع السيد الطالباني عن الذين يمثلهم وكذلك الحال عن مجموعة الهاشمي. ولكن الحقيقة تقول ان الذين ارتقوا على كرسي الاكثرية منذ 2003, (وهو حسب المحاصصة مقعد رئيس الوزراء) ان لم نقل انهم خذلوا الاكثرية بالتعاقب وبشكل لايقل عمّا ارتكبه صدام - باستثناء القتل والتشريد والاجرام- وذلك في اعطاء الافضلية في الوظائف للذين انتموا الى حزب البعث او لمن يحذو حذوهم ولا نريد ان يجرنا القلم الى اكثر من ذلك على الاقل في هذه المرحلة من زمن الانتخابات ولنا بعدها حديث اذ لكل مقام مقال.
ان عراقنا الحبيب يعيش فترة من الفوضى لايعرف من هو المسؤول عمّا يحدث في العراق وقد فقد المواطن الثقة باي تصريح لاي كتلة سياسية او جهة حكومية ولا استطيع ان اعزو هذا الا للتدخل السعودي واسياده سواء كانت اسرائيل او جميع الدول الكبرى التي تقف وراءها. وان تدخل قوات الاحتلال في الامور الداخلية للشأن العراقي جعلت البلاد في وضعية يشفق عليه من قبل دول الجوار المسلمة اكثر من الدول التي تتكلم بلغته ولاريب في ذلك لاننا لم نرى ان اللغة وحدة الدول وان الدول تنازلت عن مصالحها ومعتقداتها في سبيل اللغة التي لاتعني سوى النطق والتفاهم واذا كان الامر كذلك فان اللغة الانكليزية اصبحت اكثر انتشارا بل انها غزت كثيرا من دول العالم ومن بينها الدول العربية التي اصبح ابناء طبقتها العليا بل حتى الوسطى منهم يفتخرون بكونهم يتفاهمون مع بعضهم البعض بالانكليزية,فهل هذا يعني اننا سوف ننضم او نتوحد مع المملكة المتحدة او الولايات المتحدة الامريكية ؟ الجواب انا واثق ان هذه الدول سوف ترفض اي دولة عربية للاتحاد معها حتى لو نطقت الانكليزية بفصاحة وطلاقة لأن التقارب بين الشعوب بالحضارة والتقاليد والعقيدة لا باللغة والبداوة والتخلف والا لكانت الهند احدى الولايات الانكليزية او الامريكية والامثلة كثيرة.
وخلاصة القول ان الذي يحاول التقرب الى السعودية او مصر اوغيرهما من حكومات العمالة والخيانة لايجني الا الاهانة والندم وسوف يعيش في خط تنازلي مما يسقطه امام من يدعي تمثيلهم وبشكل يصعب عليه اصلاحه, ولنا تجربة في ذلك حيث بذل بعض قادتنا السياسيين الجهد المضني في سبيل ارضاء بعض الزعماء العرب ولكن كان العكس اذ بذل الزعماء الجهد بالاطاحة بقادة العراق لفترة ما بعد 2003 والحبل على الجرار. وسيبقى قول الرئيس الطالباني اعلاه دون تطبيق لشعور من يمثل الاكثرية بالضعف وعدم الثقة بالنفس .ولكن ستبقى الاكثرية متمسكة بشعار قائد مسيرتها السرمدي الامام الحسين (ع) ابو الشهداء "هيهات منّا الذلة" شعارا هزّعروش الطغاة منذ القرن الاول للهجرة والى يومنا هذا وسيبقى خالدا مازال للحسين (ع)هنالك من انصار وصلوا وتواصلوا مع كل امة في العالم.
د.طالب الصرافلندن 22-12-2009
https://telegram.me/buratha