قلم : سامي جواد كاظم
لما عزم الحسين عليه السلام على المسير اتجاه العراق وهو في مكة جاءوه القوم بين الناصح والمانع وكلها مواقف لا تمنع الحسين عليه السلام من النهوض بوجه الباطل وكل من لقاه الحسين عليه السلام كان يرى الامور من وجهة نظره هو ولهذا كانت اجوبة الحسين عليه السلام تتناسب والمتكلم فالبعض يشكره على نصحه ويعلمه بان هذا الامر لابد منه والبعض الاخر يحدثهم عن فسق يزيد وامتناعه عن بيعته ويذكرهم بقتل يحيى بن زكريا عليهما السلام وقوم بني اسرائيل الذين يقتلون النبيين وان امر مسيره لابد منه لان بقاء الدين متوقف على هذه المسيرة .محطة الفرزدق تحتاج الى توضيح حيث كثيرا ما يستشهد بها كل من يتطرق الى واقعة الطف وكل يفسرها حسب ما يميل هواه ولكن الغالبية العظمى ان لم يكن الكل يعتبرون جواب الفرزدق دليل غدر اهل الكوفة ومن خلال تتبعي لهذه الرواية وجدت فيها الكثير من التناقضات وانها لا تدل على اهل الكوفة فالرواية التي ذكرها الشيخ المفيد في الارشاد ومثير ابن نما هي ان الحسين عليه السلام لما لقى الفرزدق ساله من انت ؟ فقال رجل من العرب قال اخبرني عن الناس خلفك ؟ قال الفرزدق الخبير سالت قلوب الناس معك واسيافهم عليك ....أنتهى ،اما في تذكرة الخواص فكان سؤال الحسين عليه السلام فاخبرني يا فرزدق ما وراءك ؟ فقال : تركت الناس بالعراق قلوبهم معك وسيوفهم مع بني امية .....انتهى .الملاحظ الخلاف بين الروايتين ففي الاولى يسال الحسين عليه السلام عن الناس وفي الثانية عن ماوراءه واجابة الفرزدق هي الاخرى تختلف ففي الاولى لم يعين من هم الناس وفي الثانية قال اهل العراق ، ولا اشارة واضحة دالة على الكوفة ، فالاشارة تدل اما قصد الفرزدق بوصفه هذا اهل المدينة او البصرة وليس الكوفة ، فالفرزدق من مواليد البصرة وكان يذهب للكوفة هربا من زياد الذي كتب إلى عامله على الكوفة عبد الرحمن بين عبيد : إنما الفرزدق فحل الوحوش راعى القفار فإذا ورد عليه الناس ذعر , ففارقهم إلى أرض أخرى , فاطلبه حتى تظفلر به فعندما علم ( الفرزدق) هرب من الكوفة إلى والي المدينة سعيد بن العاص وهو يومئذ والي المدينة من قبل معاوية مستجيراً به فأجاره . ذكره الطبري الجزء الرابع ( الطبعة القديمة) .بقى في مكة والمدينة وبعدها ذهب الى البحرين والى اليمن .وبعد موت زياد ابن أبيه عاد إلى مدينة البصرة وعاش فيها عيشة بسيطة بين اخوته وعشيرته حتى مات سنة 114 أو 110 هجري في البصرة عن عمر يناهز الأربعة وتسعين عاما .الوالي على البصرة هو ابن زياد وهذا لا يرجح قدوم الفرزدق الى البصرة حيث الولد على سر ابيه فالارجح بقي في المدينة ولنفرض انه قدم البصرة فعند لقائه بالحسين عليه السلام وسؤاله عن الناس فانه من المرجح قصد البصرة لانه من اهل البصرة وكما ان ابن زياد قتل رسول الحسين عليه السلام في البصرة وتوعدهم ان قاموا بثورة فالسيف هو الجواب فلم يرده احد فيكون وصف الفرزدق بكلماته هذه للبصرة ، وقد يكون لاهل المدينة لان الخروج من مكة الى العراق تكون المدينة من المحطات التي يمر بها واحتمال ان الحسين عليه السلام سال الفرزدق قاصدا مدينة جده لان اهله وقومه فيها وهذا ايضا مرجح ، والامر الاخر فلو كان مقدم الفرزدق من الكوفة فان القوم في الكوفة كانت كلها مع الحسين عليه السلام قبل تولي ابن مرجانة عليها فكيف علم ان اسيافهم ضد الحسين عليه السلام ؟ ام قصد في جوابه هذا كغيره ممن وصفوا الكوفة بالغدر وقصدوا شيعة علي عليه السلام وليس الكوفة وهذا وارد ايضا ولكنه ليس بالجواب الذي يصف الحال في الكوفة وانه حجة على الحسين عليه السلام بانه علم بان الكوفة نقضت عهدها وقتلت سفيره فهذا الحدث لم يقع اصلا عند اللقاء بالفرزدق . بقي جواب الفرزدق الشاذ والذي يعتبره البعض انه بلاغة فحقيقة وقفت كثيرا عند هذا الجواب وانا اعتبره كلام شعراء والشعراء يتبعهم الغاوون وحيث لو اريد تطبيق هذه الكلمات على ارض الواقع فانها لا يمكن لها ان تجمع النقيضين فالقلوب التي تكون مع المحبوب يجب ان تصدر تصرفات تؤيد ذلك فان كانت تصرفاتها حمل السيف فهل هذا دليل على محبة القلوب ؟ .كل الاصرار الحسيني على الرحيل الى العراق مع الاصرار من المقابل على تغيير وجهته نجد هنالك من المشككين والمنافقين في قذف الشبهات والتاويلات على اصرار الحسين عليه السلام في رحلته هذه وبالرغم من ان الاحداث تتعاقب في الكوفة وانتهى الامر باستشهاد مسلم عليه السلام ومجموعة من اصحابه ولكن لو عدنا قليلا ليلة دخول اللعين ابن زياد الكوفة الذي غير مجرى الاحداث بتصرفاته الشنيعة هذه ، والتي من خلال دخول هذا اللعين الى الكوفة تظهر لنا ثقة الحسين عليه السلام بان الامور لصالحه لا محالة .والدليل ان ابن زياد لما دخل الكوفة تنكر بزي الحسين عليه السلام فكل من يراه يعتقده الحسين فيسلم عليه (السلام عليك يابن رسول الله ) وهم مستبشرين بقدومه ، فلو كان هنالك ادنى شك من ولائهم للحسين عليه السلام او غدرهم له لما استقبلوه بالترحاب علنا ظنا منهم انه الحسين (ع) ، وحتى ذكر الخوارزمي (وقد تبع الحسين عليه السلام خلق كثير عند وصوله زبالة لانهم كانوا يطنون استقامة الامور له عليه السلام ).من هنا بدأت الخطط الخبيثة لهذا اللعين فغيرت مجرى الاحداث واخبث ثلاث اجراءات اتخذها هي اولا حبس الكثير من اتباع الحسين عليه السلام من شيوخ القبائل واتباعهم منهم سليمان بن الصرد ومعه 4500 شخص وكذلك المختار ومعه اكثر من الفي شخص ، والثاني ارسال زجر بن قيس الجعفي ومعه خمسمائة فارس لقطع الطريق على من يريد الالتحاق بالحسين عليه السلام من الكوفة وان يقيم على جسر صراة ، ونفس الامر اتخذه لما خرج من البصرة حيث اوكل الامر الى بعض جنوده ليقطعوا الطريق بين البصرة والكوفة ومنع من يريد الالتحاق بالكوفة لنصرة الحسين عليه السلام ، والثالث هو منع التجوال في الكوفة والتنكيل بمسلم عليه السلام والتجنيد الالزامي مع اغرائهم بالمال لكل من يلتحق معهم ، اعتقد هذه اهم ثلاث خطوات اتخذها اللعين هزت الموقف الكوفي اتجاه الحسين عليه السلام .ولو ان اهل الكوفة كانوا هم الجيش بعينه الذي قاتل الحسين عليه السلام فاين كانوا لما ثار عليهم المختار باقل من ربع عددهم ان صح قولهم بان الذين قاتلوا الحسين عليه السلام هم الذي كاتبوه ، نعم هنالك بعض المتخاذلين منهم شبث ابن ربعي وحثالة على شاكلته اما اغلب الجيش فهم من الامداد الاموي لهم والا لكان لهم حضور لما ثار المختار .
https://telegram.me/buratha