علي محمد البهادلي
تناقلت وسائل الإعلام قبل أيام خبراً مفاده : أن الجهات المختصة في أفغانستان تعتزم مساءلة 15وزيراً موزعين بين الحكومة الحالية والحكومة السابقة متهمين بقضايا فساد إداري ومالي ، فأُصبتُ بالدهشة وأخذ صدري يعج بالغيظ ، كأنما هو مرجل يغلي ، فأفغانستان البلد الذي لا يُقاس بالعراق من حيث الحضارة والثقافة والتي كانت محتلة من قبل الاتحاد السوفيتي السابق وسنوات مظلمة من حكم القاعدة وطالبان ، هذه الدولة التي تُسمَّى مجازاً دولة ، والتي لم تستنشق نسمات الانفتاح إلا قبل سنوات خلت ، تستطيع أن تسائل 15وزيراً ، ولم نسمع في الإعلام أن جهة سياسية هناك قد اعترضت على هذا الإجراء الخطير ، بينما نحن في العراق لا نستطيع مساءلة وزيرٍ واحد أو مسؤول كبير في الدولة إلا بشق الأنفس . . ربما يعترض البعض ويقول : إن هناك عمليات استجواب قام بها البرلمان العراقي ، منها استجواب وزير التجارة المستقيل ووزير الكهرباء ووزير النفط ، إن ما يقوله المعترض صحيح ، لكن لنتساءل عن حجم الاعتراضات التي رافقت عمليات الاستجواب ، فكلما اعتزم البرلمان أن يستدعي وزيراً معيناً تعالت الأصوات من هنا وهناك للوقوف بوجه هذا الإجراء ، وكأنما الوزراء معصومون لا يعتري مواقفهم وعملهم الريبة والشك ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فأعداد الوزراء الذين اُستُجوبوا لا يتجاوز أصابع اليد ، بينما في أفغانستان ينوون مساءلة 15 وزيراً مرة واحدة ، فالفرق بيِّن وواضح ، فإلى هذا الحد المزري قد وصل بلدنا الجريح ؟! أما آن الأوان أن يستفيق الممسكون بالسلطة وأن يتواضعوا للحق ، ويذعنوا أنهم بشر لهم أخطاؤهم ، كما أن لهم صوابهم ، نريد مرة واحدة أن يقف المتهم أمام العدالة ويواجه الاتهامات الموجهة إليه من قضايا فساد إداري ومالي كالرشوة وغسل الأموال والعمل غير المشروع في الشركات الوهمية و المقاولات والمشاريع ....دون أن تصاحب هذه العملية ضجة سياسية وإعلامية . في العالم المتمدن كثير من الوزراء والمسؤولين الكبار ورؤساء وزراء قدموا استقالتهم ؛ بسبب إخفاق هنا أو خطأ هناك ، أما إذا ثبت أنهم فاسدون أو عملوا عملاً يضرُّ بمصلحة البلد ، فالقضبان الحديد هي المكان الأنسب ليعيشوا خلفها ، لكننا لا نضرب المثل بهذه الدول التي قطعت شوطاً طويلاً في الحرية والحياة السياسية وثقافة تداول السلطة سلمياً ، بل لا يمكن أن نقيس أنفسنا ببعض الدول العربية التي لا يتجاوز عمرها عقوداً ، فهذه الكويت كم مرة استطاع البرلمان ( مجلس الأمة الكويتي ) سحب الثقة عن الوزراء والإطاحة بالحكومــة ، وها هــو الآن النائب الإسلامــي ( محمد فيصل مسلم ) يطالب باستجواب رئيس الوزراء بتهم هدر المال العام ، لكننا أصبحنا نقيس أنفسنا بأفغانستان ، فهل يا ترى سيسبقنا الأفغان إلى مطاردة الحيتان ؟!! حيتان الفساد التي ابتلعت الأخضر واليابس ، وسيأتي يوم تبتلع حتى تراب الوطن . ربما مستشكل آخر يقول : إن لجنة النزاهة في مجلس النواب وهيئة النزاهة كان لهما دور بارز ومتميز في مكافحة الفساد وأوضح مثال على ذلك قضية اعتقال وزير التجارة السابق والقبض على وكيل وزارة النقل متلبساً بالرشوة ، وهناك أكثر من ( 1455) ألف متهم بقضايا فساد أصدرت هيئة النزاهة بحقهم مذكرات اعتقال خلال النصف الأول من هذه السنة فقط ، وهناك قضايا كثيرة تحقق بها الهيئة تخص شرائح مختلفة من موظفي الدولة ، منهم من هو بمنصب وكيل عام أو مدير عام ، فلماذا كل هذا الإجحاف بحق المخلصين ممن يواجهون الفساد ، ويريدون القضاء عليه؟ والجواب هو لا أحد يستطيع أن ينفي أن هناك أكثر من جهة عملت على مواجهة الفساد بقوة ، منها لجنة النزاهة في مجلس النواب والجهات الرقابية الأخرى كهيئة النزاهة ومكاتب المفتشين العموميين في وزارات الدولة ومؤسساتها ، لكن الذي يغيظنا هو عدم مقدرة هذه الجهات على القيام بعملها بحرية تامة ، وإنما توجد قائمة من العوائق والحواجز التي تعيق عملها ، أوضحها المحاصة السياسية والطائفية وانعدام الموضوعية بحيث إذا أقدمت هذه الجهات على محاسبة ومساءلة المسؤولين فإن السياسيين وأصحاب الكتل وأصحاب القرار في البلد يحدثون ضجة سياسية وإعلامية تعكر صفو العمل الرقابي ، وقضية الاستجوابات الأخيرة خير شاهد على ذلك ، فالكل تدخل ابتداءً من رئاسة الوزراء إلى أعضاء مجلس النواب والسياسيين المنتمين لهذا التكتل أو ذاك ، وربما يصل الحد بالتصفية الجسدية وهذا ما أشار إليه رئيس هيئة النزاهة . إذاً نحن لا ننكر وجود مؤسسات تعمل جاهدة لمكافحة الفساد ، لكن نؤكد وجود العوائق التي توضع في مسيرة تقدم عمل هذه المؤسسات ، فكيف تعمل المؤسسة الرقابية بكل بحرية وموضوعية ومهنية إذا كانت السيوف السياسية والجهوية والحزبية مسلطة على رقابها ؟!!
https://telegram.me/buratha