علي بابان وزير التخطيط العراقي
لدينا في الإقتصاد العراقي همومنا وتحدياتنا وأجندتنا الخاصة بما يجعل من عملية الإلتفات إلى ما حدث للأخوة في إمارة دبي عملاً ترفياً بالنسبة لنا, لكن هذا لا يعني بالمرة أن ما وقع في تلك الإمارة التي طالما ( شكلت ملاذاً للعراقيين ونموذجاً يعجبون به ) لا يحمل أي درس مفيد لنا في العراق ونحن في ظروفنا الحالية نتأهب لبناء بلدنا وإعادة تأهيل إقتصاده وربما كان هناك أكثر من درس ينبغي إستخلاصه من تلك الأزمة بما يدفعنا لتسديد مسيرتنا وتجنب الوقوع فيما وقع به الآخرون من أخطاء دون أن يعني ذلك أننا لانقر بالنجاح الذي حققته الإمارة أو أننا نعتبر بأن كل ما أنجزته كان سراباً ولا شك أن هناك تقييمات مختلفة لحجم الأزمة التي ألمت بامارة دبي مابين مبالغ بأمرها ومهون لشأنها.
إعتبر كثير من الإقتصاديين العرب والأجانب إقتصاد دبي نموذجاً لـ(إقتصاد الفقاعة) وكان هذا التوصيف يزعج القائمين على أمر التجربة في الإمارة المزدهرة, ومفهوم إقتصاد الفقاعة يقوم على الحالة التي يحصل فيها إزدهار ظاهري أو نمو سريع ولكنه لا ينهض على أساس متين أو قاعدة صلبة ولذلك فهو سرعان ما ينفجر كما تنفجر الفقاعة, غير أن دبي كان لها حيثياتها المختلفة فهي واحة من الإزدهار والعمران في بيئة غنية بمواردها الطبيعية وهي نموذج غربي مزروع وسط صحراء الربع الخالي وهي قاعدة للتسهيلات والتطبيقات الحديثة في عالم عربي يتوق للتجارب الحديثة, وكانت كل هذه العوامل تدفع تجربة دبي نحو النجاح وتوفر لها فرصة الريادة والتفوق لكن الطموح المنفلت والعجلة في تحقيق الأهداف دفعت بالأمارة لإعتماد أسلوب القفزات وأخطر ما فيه هو الإقتراض والإستدانة بلا قيود أو ضوابط, لم يكن للدين سقف كما لم يكن للطموح حدود وفي آخر المطاف كان لابد للدائن أن يستوفي دينه ويسترد أمواله وجاءت الأزمة المالية العالمية لتجعل كثيراً مما كانت تعده الإمارة اصولاً مضمونة تفقد شطراً هاماً من قيمتها وتفقد معه ميزة الحماية والضمان لمديونية دبي ولذلك حلت لحظة الحقيقة وجاء وقت إنفجار الفقاعة التي طالما تحدث عنها وتوقعها الكثيرون.
لو دخلت متجراً يديره تاجر من التجار الأصلاء لوجدت قطعة مخطوطة كتب عليها ( الدين هم في الليل وذل في النهار ) ولوجدت رسماً بخط اليد لشخص يجلس ضاحكاً.. مرتاحاً وقد كتب تحته ( البائع بالنقد ) وشخصاً اخر أشعث الشعر مرتبك الملامح والإنزعاج والحيرة بادية على وجهه وقد كتب تحته ( البائع بالدين ), كان التجار العراقيون المتمرسون يضعون ذلك على جدران محلاتهم ليصرفوا زبائنهم عن طلب الشراء بالدين أو التقسيط وبالقطع فان كلاً من الرسم والعبارة صحيحان تماماً وينطبقان على الدول والمؤسسات كما ينطبقان على الأفراد.
جانب آخر لا يمكن إغفاله في تجربة دبي ونعني به التركيز على أنشطة وقطاعات لا تنتسب إلى الإقتصاد الحقيقي ونعني بها الأنشطة الهامشية التي لا تستند على قاعدة إنتاجية حقيقية وهذا يحدث في جميع الدول التي تركز على مثل تلك الأنشطة وتهمل الإقتصاد الإنتاجي الفعلي من زراعي وصناعي وخدمي, فاقتصاديات الدول والمجتمعات لا يمكن أن تذهب بعيداً عن المعطيات المتوفرة ومصادر الثراء والتميز فيه أو تتجاوز عناصر الإنتاج الزراعي والصناعي القائمة على أرضها وكل ما يرتبط به من قطاعات مساندة.
الإقتصاد الحقيقي هو الذي يدوم للأمم والمجتمعات أما غيره من أنشطة هامشية فهو كالأنتفاخ الذي يزول بين عشية وضحاها, دبي إستثمرت بنجاح خصائص الموقع وأقامت شبكة إتصالات وتواصل حديثة مع الإقليم والعالم وكان ذلك من أسباب نجاحها وأنطلاقها وأقامت مدناً حرة للصناعة والتجارة وعمقت من إرتباطها بالإقتصاد العالمي ولكن ذلك بقي مرتهناً للغير بدرجة أو بأخرى يصعد مع إزدهارهم ويتراجع مع تراجعهم كما حدث بالفعل..
بالقطع لايمكن لأي إقتصاد في العالم اليوم ان ينعزل أو أن يبني قلعته المستقلة التي لا شأن لها بالآخرين ولكن مفهوم الإعتمادية على الرغم من ذلك كله يبقى هاماً ومفيداً وفاعلاً فالإقتصادات السليمة هي التي تملك قدراً من القوة الداخلية والتي تخفف من درجة إعتمادها وارتهانها للآخرين.
حصلت دبي منذ أن بدأت إنطلاقاتها على الكثير من الثناء والإعجاب وكان المشهد يدعو لذلك بالفعل, وبالتأكيد فان كل هذا النجاح لم يتلاش اليوم بفعل الأزمة الأخيرة على الرغم من التساؤلات التي باتت تفرض نفسها حول التجربة, هنا ايضاً يوجد درس ثمين ينبغي عدم إهماله وهو ان مديح الآخرين وثناءهم لا يفترض فيه أن يشغلك عن التقييم السليم لما فعلته والحرص الكبير على سلامة مسيرتك وما أنجزته ففي آخر المطاف ليس المهم ما يقوله الآخرون عنك ولكن ما تعرفه أنت عن نفسك فأهل مكة دائماً هم الأدرى بشعابها.
https://telegram.me/buratha