بقلم محمد دعيبل كاتب وصحفي
ان الحديث عن ثورة الامام الحسين (ع) لن يسعه كتاب ولا حتى موسوعة متكاملة تتناول هذا الحدث التاريخي الهام الذي شكل منعطفا هاما في مسيرة البشرية اضفى الوجود على اللاوجود وكشف الحقيقة بعد الانطماس تاركا اثره في الكون جله وذلك من خلال التضحيات المنقطعة النظير التي قدمها سيد الشهداء وابو الاحرار ابو عبد الله الحسين (ع) فما عساني ان اتحدث بهذه العجالة عن امر لولاه لما ولد الدين من جديد بعد ان ال على نفسه خليفة الامويين ان ذاك يزيد بن معاوية (عليه اللعنة )على اماتة وحي السماء بكل ما اوتي من قوة متحديا بذلك ارادة السماء وبكل جرأة فقد ورد في الحديث عن الامام الحسن (ع) في ما يخص واقعة الطف الخالدة انه قال مخاطبا اخاه الحسين (ع) "لا يوم كيومك يا ابا عبد الله" وتيمناً بهذا الحديث الشريف لابد لنا ان نتمعن جيداً بكلام المعصومين (ع) لما يحمل من معان جمة،وهي في الواقع من احسن الكلم ذلك لانهم (ع) لن ينطقوا بشيء الا تعبيراً عن ارادته سبحانه وتعالى كونهم القرآن الناطق والذي يبين بالفعل آيات القرآن الصامت المتمثل بكتاب الله عزوجل ومن هنا نود ان نبين لقارئنا الكريم شيئاً من مراد الحديث الوارد الذكر في صدر الكلام ولعلنا نستقرئ ذلك في عدة محاور:1- لقد اعتاد ائمة اهل البيت (ع) وشيعتهم على اقامة المآتم على سيد الشهداء في شهر محرم الحرام وصفر وخاصة الايام العشرة الاولى من محرم الحرام اذ ان اتباع اهل البيت (ع) يقيمون طقوسا معينة في هذه الايام الحزينة جزعا على ماجرى في واقعة الطف الخالدة في حين نرى ان الاعداء يتهمونا بالتخلف جزافا ولا ادري لماذا ينتقد هؤلاء مسيرات العزاء على اختلاف الوانها والتي تقام في العديد من دول العالم وبضمنها الدول الغربية فيما يطبقون الصمت عن مجالس اللهو التي تشكل خطرا اجتماعيا وخيما ، الا يدل على سخافة عقولهم ونواياهم الشريرة لطعن الدين الاسلامي من الخلف ؟مما يستدعي منا اليقضة والحذر حين ممارسة تلك الطقوس وبما يتناسب مع مبادئ الدين الحنيف وعدم الخروج عن دائرة التقوى في الشريعة السمحاء وعدم التفريط بالواجب على حساب الندب كتاخير الصلاة مثلا بحجة المشاركة في مسيرات العزاء او اظهار ما اكدت الشريعة الاسلامية على اخفائه بالنسبة لحجاب المراة التي تشارك من جانبها في احياء تلك المراسم شريطة الالتزام بالاحكام الشرعية وعلى اكمل وجه او غير ذلك مما لايتسع المجال لذكره واترك الكلام الى الموالي فهو الذي يعرف الحقيقة كما نعرفها نحن . واود ان ابين وجهة نظري المتواضعة للقارئ الكريم ان الايام العشرة الاولى من محرم الحرام هي ملك للحسين (ع) وليست ملكنا مع اننا في الواقع لا نمتلك الزمان في الحقيقة الا ملكا اعتباريا ، مما ينبغي علينا ان نقدم كل مانملك لمن وهبنا كل ما يملك.2- دلالة الحديث على ان هناك خصوصية ليوم عاشوراء لاختلافه عن باقي الايام من حيث البعد الزمكاني في الكون ،هذا من جهة ،ومن جهة ثانية فان هذا اليوم العظيم يمتاز بشمولية المعاني والمفاهيم السامية مما يضفي عليه الخلود والى الابد ولعل العلة في عدم وجود المثيل لهذا اليوم وهو المتبادر الى ذهن القارئ وبلا تكلف هو ما ذكرناه من شموليته من حيث الزمان والمكان ومنذ خلق آدم عليه السلام والى يوم القيامة3- ولكي يتضح مرادنا بالحديث لابد لنا ان نبين قصدنا بالشمولية التي ذكرناها في المحور الاول اذ نقول : ان يوم عاشوراء يحمل في طياته دروساً ناطقة تشمل الحياة بكل جوانبها واقطابها اذ اننا نعتقد ان ثورة الحسين (ع) لن تترك مفصلاً من مفاصل الحياة الا وغذته بالمبادئ والقيم ليتعلم منها المرء ما يرد عليه نفعه في الدارين (الدنيا والاخرة) واليك عزيزي القارئ ما تيسر منها لكي نبينه والا فكل ما نقول بحق هذه الثورة الكبرى ويومها الخالد هو غيض من فيض اذ مهما كتب عنها الكتاب ومهما قيل عنها لا يدرك مقامها السامي كما قدمنا في بداية الكلام ، وذلك لانها فاقت تصور المعقول وهي بالذات من ركائز الدين المحمدي الاصيل واسسه التي تكون مسؤولة عن ديمومته واستمراره فمن الدروس التي نتعلمها من يوم عاشوراء هو درس عقائدي له مساس بالايمان بالله تعالى والانبياء والرسل وهذا يتضح لنا حينما نقرأ حديثا ورد عن الرسول الاكرم (ص) في حق الحسين (ع) : (ان الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة) اذ نحن في الواقع مدينون لهذا الحديث ولمن قيل في حقه كونه (ع) احد اقطاب رحى الايجاد وخامس اصحاب الكساء والاعتقاد به (ع) اصل من اصول الدين الاسلامي والاصل مقدم على الفرع بلا شك ومن هنا يتجلى لنا مبحث الاعتقاد بالامامة التي هي من مكملات النبوة وكما في صريح قوله تعالى في حجة الوداع حينما اشار الرسول (ص) الى وجوب اتباع الامام علي (ع) خليفة من بعده كما ورد في حادثة الغدير تفسيرا لقوله تعالى "اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً"، فالحسين (ع) هو خليفة الرسول الاكرم فعلا بعد شهادة اخيه الحسن (ع) والذي ما هدأت نفس معاوية- والد يزيد وواهبه الخلافة ، وكأن الاخيرة اصبحت كرة يلعب بها الصبيان لا كونها الامامة المكملة للنبوة بشهادة الكتاب والسنة واقرار العامة وايمان الخاصة بذلك- ولا اقر له قرار الا بعد ان سم الامام الحسن خارقا بذلك كل العهود والمواثيق التي وافق عليها في الصلح بينه وبين ابي محمد الحسن (ع) ، ومن هنا يتبادر الى الذهن سؤال لابد من الاجابة عليه الا وهو " اذا كان خليفة المسلمين معاوية قد خرق كل العهود بينه وبين الامام الحسن (ع) امام الملأ وبشهادة التاريخ، والاسلام بطبيعة الحال يعتبر هذا الفعل امرا قبيحا حرمه الشارع المقدس وتوعد فاعله بالعذاب الاليم وقد جاء ذلك على لسان الكتاب المبين فكيف حق لمعاوية حينئذ ان ينصب ولده يزيدا خليفة من بعده مع ادعائه انه خليفة لرسول الله في الوقت الذي حلل لنفسه ماحرم الله ؟ وجوابا على ذلك اقول وبصيغة السؤال ايضا " هل ان الانسان المنصف يقبل هذا الامر فيرضى بمن هو معاد لله ولرسوله ان يكون خليفة للمسلمين "واترك الكلام للتاريخ نفسه ليجيب وبكل صراحة ذلك ان واقعة الطف قد مثلت مفصلا حيويا ميز الحق عن الباطل فكانت بحق درسا انموذجيا يتعلم منه الاجيال حياة العز والكرامة والوقوف بوجه الاستبداد والطغيان وسلاطين الجور ابد الدهروهذا يدلنا على ان احد الاهداف الاساسية لواقعة الطف هو هدف سياسي فضلا عن باقي الاهداف الاخرى ، وما تحدي يزيد لشخصية الحسين (ع) وهو الوارث الشرعي للامامة الا تعبيرا عن العصيان المطلق لشريعة السماء ولعل الحرارة والغليان اللذين اشار اليهما الرسول محمد (ص) في حق سيد الشهداء "ان لقتل ولدي الحسين (ع) حرارة في نفوس المؤمنين لن تبرد ابداً" هو مصداق لعقيدتنا الدينية والسياسية في شخص الحسين (ع) وما تحمله عاشوراء الخالدة هو صورة لهذا المصداق.
https://telegram.me/buratha