ساهر عريبي
في كل عام لنا في محرم وقفة نستذكر فيها أبا الأحرار وسيد الثوار الحسين بن علي (ع) الذي قتل بسيف الظلم والبغي لأنه أبى إلا أن يعيش حرا رافضا لسطوة سلاطين الجور والدجل على الأمة, ومدافعا عن حقوق البشر في إنتخاب من يروه أصلحا لحكمهم, ورافضا لمبدأ إكراه الشعب على القبول بالحاكم بقوة السيف وببطش فتاوى وعاظ السلاطين. فلقد ابى الحسين إلا ان يضحي بنفسه من أجل الاتموت تلك المبادىء الي خلدها بملحمته الأنسانية الحسينية الحافلة بالقيم وعلى أرض العراق وفي صحراء كربلاء بعيدا عن موطنه وموطن أجداده قرب أول بيت مبارك وضع للناس ببكة.
فكان لتلك الملحمة الكربلائية وقعا في نفوس كل الأحرار وحرقة في قلوبهم لم تبرد رغم تعاقب الدهور وتوالي الأعوام.فلم يخدع هؤلاء بنقل الرواة وما أضافوه من وقائع لتلك الحادثة التي حولوها إلى أسطورة, ولم تحجب حقيقة الحسين عنهم تلك التراتيل والمراثي التي تناولت كل شيء إلا حقيقة الحسين وجوهره الخالص من غرض المطمع. فمحصوا امر الحسين فوجدوه ذهبا ولؤلؤا خالصا لم يتدنس بالمطامع ولا بالمطامح التي ترنو نحو عرش الحكم الزائل.وهل من دليل على ذلك أكبر من دمه ودم أولاده وأخوته وأتباعه والذي جرى على رمال كربلاء ليصبح عينا زلالا تسقي كل العطاشى الذين ترنو نفوسهم نحو الحرية والكرامة.
فشربت من عين كربلاء كأس الحرية أمم وشعوب وأقوام على مر الدهور, كأمة الهند العظيمة التي تعلم منها قائدها المهاتما غاندي كيف يكون مظلوما كالحسين فيحرر أمته وينتصر. ونهل من معينها ثوار واحرار قلبوا الموازين على عباد الحكم والسلطة فمحوهم حتى من ذاكرة التأريخ البشري فلم يعد لهم بقعة من أرض تحوي رفاتهم ,فيما بقي صاحب الذكرى كالطود الشامخ رغم تعاقب الدهور والأعوام , تناطح قبته الذهبية عنان السماء والناس مجتمعين حولها من كل حدب وصوب ومن كل أرجاء المعمورة رغم جور الجائرين وكيد المارقين.وكيف لايصبح الحسين كذلك ومأساته تنطوي على أسمى معاني الأستشهاد في سبيل العدل الأجتماعي كما قال ذلك الباحث الأنكليزي جون أشر في كتابه رحلة الى العراق. وكيف لايكون ذلك وهو الذي قدم أبلغ شهادة في تأريخ الأنسانية وارتفع بمأساته الى مستوى البطولة الفذة كما قال الأثاري الأنكليزي وليم لوفتس في كتابه الرحلة الى كلدة وسوسيان. وكيف لايكون ذلك وهو الذي عزم وعصبته القليلة المؤمنة على الكفاح حتى الموت وقاتلوا ببطولة وبسالة ظلت تتحدى إعجابنا وإكبارنا عبر القرون وحتى يومنا هذا كما يقول المؤرخ برسي سايكس.
وكيف لايكون كذلك وهو الذي لم يضحي من أجل أهداف دنيوية ولو كان كذلك فلم إصطحب معه النساء والصبية والأطفال ؟ إذن فالعقل يحكم بأنه ضحى فقط لأجل مبدأه وهو الأسلام كما يقول الكاتب الحر جارلس ديكنز. لكل ذلك قال إنطوان بارا لو كان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية , ولأقمنا له في كل أرض منبر ,ولدعونا الناس الى المسيحية بإسم الحسين عليه السلام.
واما في عيون العبيد فليس الحسين سوى مارق خرج عن طاعة إمام عصره يريد الفتنة وشق صفوف الأمة, وهو ليس في عيون تجار الدين سوى بضاعة مزجاة تدر عليهم الأرباح عبر سرد ملحمته على أسماع المحبين وجني الأموال منهم, وهو ليس سوى برنامج ناجح في عيون العبيد من السياسيين الذين يستغلون مأساة الحسين لبث الفواصل الأعلانية التي تدعو لأنتخابهم, وهو ليس سوى إسم يستخدمه أدعياء القرب منه ليكسبوا به الوجاهة والأحترام وليفعلو كل مايحلوا لهم في حياتهم الدنيا بعيدا عن قيم الحسين لأن البكاء عليه سيزيل عنهم كل الأثام والمعاصي والجرائم التي يرتكبوها بزعمهم.
والفارق بين الفريقين أن الأحرار خالدون بخلود الحسين , واما عبيد المال والجاه والكراسي والملذات فزائلون ولايحظون إلا بلعنة الأحرار مهما تعاقبت العصور والليالي والأيام. فسلام على الحسين وعلى أبناء الحسين وأصحاب الحسين وأطفال الحسين ماطلعت شمس وماإنجلى صبح ومافر عبد ومابقي الأحرار.
https://telegram.me/buratha