كريم الوائلي
يسترشد سماحة السيد عمار الحكيم في طروحاته بالواقع العراقي وافرازاته واستشراف تلويحات الافق المنظور وما ينعكس عليه من نتاج الفاعل السياسي الساخن ومفاجآته في خضم الصراع المتسارع مع تصاعد وتائر التحول السياسي الى مراحل متقدمة وتقليص ساحة الحراك على خصوم واعداء العراق الامر الذي يدفع بهم الى مزيدا من الانحراف السلوكي والاقدام على ابشع الجرائم بحق المدنيين العزل واستعدائهم بديلا عن سوح المنازلات المعتادة بين الخصوم والاعداء ، وعند هذه الفاصلة اشير الى ان انشطة المعارضة السياسية في كل الدول ولاسيما الديمقراطية منها مشروعة شريطة ان تراعي الثوابت الوطنية والاخلاقية في عملها السياسي وتحريم قتل الناس العزل طالما انها تهدف الى الفوز بالسلطة وعلى هذه الحقيقة فأن الجهات التي تقف خلف اعمال العنف في العراق هي عصابات متمردة تعرض امن المنطقة والعالم الى الخطربأرتكابها جرائم سياسية ، وهنا لابد من الاشارة الى وجوب تدخل الامم المتحدة والمباشرة بتطبيق الضمانات الدولية بفرض الاستقرار في العراق وحماية المدنيين العراقيين من وسائل الدمار الشامل والابادة الجماعية ، لكن ذلك لا يعف العراقيين من العمل المثابر والسعي الدؤوب على ارساء دولة عراقية قوية وقادرة على اثارة الفزع والرهبة في نفوس المتورطين في انتهاك شؤونها الداخلية والتدخل في مهام حكوماتها الشرعية والمنتخبة ، والمتتبع لخطب ومحاضرات ومداخلات سماحة السيد عمار الحكيم يستشف درايته بكل الاسقاطات الامنية مع ان سماحته يشتغل على الفاعل السياسي ولا دخل له بآليات بناء المنظومات الامنية وهذا هو شأن ساسة دول العالم صغيرها وكبيرها ، وعلى ذلك نلاحظ ان رؤساء الولايات المتحدة وغيرها من كبريات الدول ينصاعون لنصائح منظوماتهم المعلوماتية دون اللجوء لطلب اية استبيانات امنية . والمتقصي لمسير الفاعل الامني يلاحظ ان ثمة تضادا عملياتي مستديما بين اطراف العملية الامنية ونعني بهم الطرف الحكومي من جهة والعدو المتمثل بمرتكبي الجريمة السياسية من ارهابيين تكفيريين وبقايا النظام المنحل من جهة اخرى ، وغالبا ما يسجل المتابع للحراك الامني ان العدو يبتكر طرائق الهجوم مستفيدا من نجاح الصعقة الاولى فيما تكون الاجهزة الامنية الحكومية مجهضة للصعقات التالية وهذا يستشف منه ان المبادرة غالبا ما تكون عند العدو ، كما نجد ان العدو منسجم سياسيا ويصب دعايته عقب كل اعتداء على المواطنيين يتوعده على تكرار اعتداءاته ويهدد بعمليات اقسى واشد مما يشكل عوامل احباط وتدهور نفسي للمواطنيين وفي مقابل ذلك نجد ان الاجهزة الامنية واطراف الحكومة تتبادل التهم والملامة وتتصاعد التجاذبات ومن ثم يوظف الاخفاق الامني الى دعاية سياسية وهذا ما يؤكد انعدام الانسجام السياسي بين قادة الاجهزة الامنية ، ويلاحظ ان العدو يستخدم ادوات تفكيكية داخل الاجهزة الامنية لفتح ثغرات خطيرة فيها يمرر من خلالها كل وسائله اللوجستية وفي المقابل لا تمتلك الاجهزة الامنية اية ادات اجهاضية تفكيكية داخل منظومة العدو ، ونرى ان الاجهزة الامنية تبالغ كثيرا جدا في تضخيم نفسها بمزيد من التورم والاتساع وهذ مجدي ومنتج عند مواجهة ماكنة عدو على خلفية مواجهات بين دول وجيوش ، لكنه لا يجدي ولا يعتد به في مقارعة عدو يركن للتسلل واستغلال المناطق الرخوة والثغرات والترهلات ، ومعلوم ان الفيل مهما بلغت دربته لا يمكنه صيد الفأر . ان من أوليات بناء الدول انشاء قوة عسكرية دفاعية قادرة على التحول الآلي الى قوة هجومية عند حدوث عدوان خارجي مستعينة بالشرعية الدولية التي تتيح لكل دولة من دول العالم الحق بالدفاع عن ارضها وشعبها ، ومن معالم هيبة الدولة وصيانة استقلالها امتلاكها منظومة معلومات مخابراتية قوية وضاربة لها القدرات الاستباقية على الوصول الى المعلومة وتعزيز المناعة الامنية الوطنية ضد التدخل الخارجي وتهديد الامن القومي وتأهيل الظرف المناسب اللرد والمواجهة مع العدو المفترض .ولا نكشف سرا اذا اشرنا الى ان ليس بالجيوش المنظمة وحدها تعاد الحقوق المصادرة وتصد الهجمات غير المباشرة وتهان السيادة المكتسبة ، وليس بالآلة العسكرية الثقيلة وحدها تفكك الانظمة المعادية التي تفرض على الخصم خيارين لا ثالث لهما في ان اكون انا او ان تكون انت ، كما كان عليه الوضع بين الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيلتي المنحل ، بل من المستبعد جدا الان ان تتقارع الدول بالاسلحة التقليدية او الاستراتيجية ، ويذهب العقلاء في العالم الى انه من الحماقة في هذا العصر اللجوء الى التصارع العسكري المباشر في الخصومات الدولية وذلك لكون الحروب هي في الاساس صراع ارادات تتقد لسبب واحد ولا تنطفيء لكل الاسباب وغالبا ما يكون المنتصر فيها خاسرا والمنهزم مدمرا ، ومن ذلك نستنتج ان الدولة التي تريد البقاء وتحترم سيادتها واستقلالها عليها ان تمتلك وسائل الدفاع على قاعدة (شخّص عدوك واعرف مكامن القوة والضعف فيه ومن ثم اختر الاداة التي تلزمك) ، وما نراه اليوم في العراق من خروقات امنية يأتي من العوز المناعي في منظومته الدفاعية بكل اصنافها والناتج عن فقدان المنظومة الامنية المعلوماتية المشيّدة على الاحتراف والخبرة والمهنية ، ولا يمكن لأيّة منظومة مخابراتية ان تنجح ما لم تقوم في المقام الاول، وقبل كل شيء ، على انسجام فكري وسياسي يستلهم المعان الوطنية السامية وصميمية الانتماء للوطن والاخلاص للدولة وللنظام السياسي القائم على الشرعية التي يمنحها الشعب من خلال مؤسساته الدستورية وسلطاته التشريعية وهذا بالتحديد يمثل الحلقة الرخوة في الوضع العراقي الراهن وتلك ليست مثلبة على العراقيين اذا ما رجعنا الى حتمية انساق ومراحل الحمل والولادة التي تنتج نظام سياسي انبثق من ركام الكوارث ولا يتم ذلك إلّّا بظروف الصيرورة التراكمية وفي ظرف تطمأن كل اركان واطراف النظام على مصالحها وحقها في الحياة ، ويقال ان اعظم المنجزات ما بنى على الركام الشامل ولنا امثلة على ذلك منها اليابان والمانيا ، بل ، وامريكا نفسها .ومن المؤكد ان سماحة السيد عمار الحكيم بما لديه من ملكة الاستشعار والاستشراف يعي ان ما من احتلال إلّا ومعة ممانعة في هذا الجانب او ذاك تلزم الوطنيين اظهار مزيدا من الحكمة والتحكم بمفاصل المصير الذي ستؤول اليه الدولة بعد مرحلة الاحتلال واستكمال ممكنات الاستقلال والسيادة دون استغفال حاجة العراق ، وبوقت مبكر ، الى استكمال منظومات الدفاع الذاتي المختلفة شأنها في ذلك شأن المؤسسات الاخرى المتفق عليها مع اصدقاء العراق الدوليين ، ولما كانت القوات الصديق على اعتاب الانسحاب فأن ما تبقى من الوقت غير كاف لبناء منظومة معلومات تسد الفراغ الامني بعد الانسحاب ، ولا يفوتنا التأكيد على ان للعراق حاجة ملحة للاستفادة من خبرة الدول الصديقة في بناء المنظومة المعلوماتية العراقية ، بل ، ان ذلك الزام وتعهد شرفي واخلاقي لا مناص من الوفاء به بين الاصدقاء الذين تربطهم معاهدات واتفاقيات ملزمة لكل الاطراف .ان التحدي الاشرس الذي يواجه العراق في هذه المرحلة يأتي من خارج الحدود ، اذ ان التخطيط والتمويل والتسويق والتغطية الدعائية والاعلامية مؤمنة من الخارج ، وعلى ذلك لا بد من جهد مخابراتي يتعقب الاموال ومصادرها واسلوب غسيلها واصولها واستكشاف الارصدة المالية واساليب تمويهها وغطائها ومناقلتها ، وهذه مهمات كما هو واضح لا تعالجها جيوش مدججة بالسلاح ، كما ان تعقيب الافراد المطلوبين للقضاء العراقي يتطلب علاقات عامة وخبرة دبلماسية وسياسية ومعرفة بالقانون الدولي ونوع ومستوى العلاقات الدولية مع العراق واطلاع على الخرائط السياسية في كل بلد ومناطق نفوذ وقدرات الاحزاب المعارضة فيه ، وينطبق هذا على المشاكل المستعصية بين الدول مثل مشاكل المياه وحركة التجارة وضبط الحدود والامن التعليمي والغذائي والامن البيئي من تسمم الاجواء والمياه وزرع الاوبئة وغير ذلك من المخاطر التي تواجه الدول ، وهي في العموم لا تحتاج الى تحشيد عسكري هجومي واسع .ان العمل المخابراتي في هذا الوقت يرتكز على التقنبات والاموال والدربة وهذه متوفرة في العراق وممكنة جدا ولا توجد اية ضمانة في هذه المرحلة لصيانة استقلال العراق وحماية شعبه بدون منظومة معلومات على جانب كبير من القوة والذكاء .
https://telegram.me/buratha