د.علي عبد داود الزكي
مجتمعاتنا الشرقية وفكرة الزعامة والسيطرة والوجاهة والمنصب العالي والقيم العشائرية التي غالبا ما تميل للدكتاتورية والتسلط القهري وتحترم القوة والبغي في كثير من الاحيان بعيدا عن الانسانية وقيمها وبعيدا عن السماحة الدينية ..ويبقى الجهل متسيدا في ادارة السلطة في مجتمعاتنا الشرقية .ان هذه الجهل يولد الدكتاتورية اضافة الى الدكتاتورية السلطوية المتجذرة والتي لا يمكن التخلص منها بسهولة. ان الازمات الاجتماعية والاقتصادية كبيرة جدا لا يمكن حلها وتحجيمها بسهولة من قبل أي سلطة ودائما الازمات تسبب انفلات امني وعدم احترام للسلطة .. لذا تميل السلطة الجاهلة غالبا الى استخدام القسوة والدكتاتورية لفرض هيبة قهرية للدولة على حساب الفضيلة والحق وعلى حساب المجتمع.. كما تبرز مشكلة كبيرة اخرى هي استغلال السمة العشائرية والمناطقية والطائفية بشدة لغرض تقويض سلطة القانون وترسيخ هيبة دولة قهرية...غالبا ما تنتفع شراذم اجتماعية وتستخدم القسوة والترهيب لغرض اجبار اناس على الخضوع والاستسلام وتقويض أي معنى حقيقي للديمقراطية...ان الديمقراطية ليست كلمات رومانسية يبتهج لها الشعب دون ضريبة.
ان مجتمعاتنا تعاني من مشكلة مهمة وهي عدم وجود تقارب ثقافي بين مكوناتها بسبب سمة التعصب مجتمعاتنا تعاني من مشكلة السلطة المتجبرة التي غالبا ما تسعى الى ترسيخ مفاهيم عدم احترام الاراء والحريات والثقافات الاخرى أي ليس هناك تقبلا للاخرين .. لذا الديمقراطية الجديدة في عراق ما بعد سقوط هبل بغداد بسبب ضعفها وتخلل بنيانها وهشاشتها وقلت تماسكها... بدات تعمل بمبدا المساومة على حساب الحق والفضيلة . حيث ان المساومة هي تراجع عن النظام والقانون لحساب مصالح الاستمرار والتسلط لفئات معينة منتفعة باسم الديمقراطية ... العجز السطوي كبير والتصارع لا يمكن تجنبه... اضافة لذلك فقدان السمة التي توحد الشعب وتعطي معنى للوطنية العراقية .
ان مفهوم الوطنية والقومية ظهر في القرن التاسع عشر في اوربا بعد الثورة الصناعية الكبيرة في اوربا.. وللاسف تم تصدير هذه الفكرة لشعوب العالم ومنها الشرق الاوسط.. وبدلا من استيعاب معنى Nationality والتي تعني نشنلتي او ناسينلتي او تعريفها ياتي من ناس او انسان او أنسه (تجمع ناس) الذين يعيشون على ارض وتربطهم سمات وعلاقات تكاملية تجعل منهم دولة حتى وان اختلفت اعراقهم واختلفت هوياتهم وثقافاتهم الخاصة وديناتهم وانما يجتمعون بثقافة اجتماعية تجمعهم وتجعلهم يحملون هوية وطن او هوية تعطي سمة تجانس وانصهار لتكوين توحد اجتماعي وشعبي لا يمكن تمييز اختلافاته لو تم تناسي الخلافات التافهه بين مكوناته . تم في بعض بلدان اوربا تبني مفهوم النشنلتي على انها الوطنية للدولة ولا معنى للاعراق في ذلك . لكي تتم المحافظة على حقوق الشعب في الدولة و تم تعظيم الوطنية لابناء الدولة وذلك سعيا للازدهار الحضاري والتقدم والرفاه الاجتماعي وهذا فعلا ما حصل في الكثير من بلدان اوربا مثلا في فرنسا واسبانيا وبريطانيا ...كما تم الى جانب ذلك ظهور مفهوم اخر للنشنالتي وهو المفهوم العرقي والمفهوم الذي يعتمد احيانا اللغة والدين ونسيان اهم المقومات التي تجمع الشعب في كيان الدولة وهذا المفهوم للاسف ادى الى ظهور العنصرية بشكل مخيف وسبب كوارث كثيرة . تم تبني هذا المفهوم للنشنالتي كمفهوم عرقي (قومي) من قبل الالمان وسبب كوارث لالمانيا وللعالم كله ، وظهرت اسوء معاني العنصرية العرقية والدينية . رغم هزيمة المانيا في الحرب العالمية الثانية الا ان الشرق الاوسط تم فيه تبني المفهوم الثاني لمعنى النشنالتي (أي المفهوم القومي العرقي) ونمى هذا المفهوم بشدة في الشرق الاوسط .. وتسبب نموه وتبنيه كفكر في المنطقة الى حصول كوراث عرقية كثيرة رغم ان شعوب المنطقة كان تعيش بسلام وامان في اوطانها وكان الجميع يعانون ظلم السلطة ولا فرق بين انسان واخر. .حيث ان مفهوم العرقية ادى الى وضع اسم القومية بدلا من الوطينة لمفهوم النشنالتي ..فتسيد المفهوم القومي (العرقي)في الشرق الاوسط وتم اهمال ونسيان المفهوم الوطني وهذا سبب ظهور صراعات داخلية كبيرة في دول المنطقة منذ منتصف القرن التاسع عشر ولازالت هذه الصراعات متسيدة احداث الالم في الشرق الاوسط ، صراع عربي تركي وصراع كردي تركي ثم صراع اسرئيلي عربي وصراع عربي كردي وفارسي كردي وفارسي وعربي .. هذه الصراعات العراقية لم تكن واضحة وكبيرة قبل 200 عام وذلك لان المفهوم الوطني كان هو السائد أي ان الدولة العثمانية جميع المكونات العرقية تعمل ضمن مفهوم الدولة والكل يشاركون الدولة في صراعاتها مع الاطماع الخارجية رغم ان مكاسب الدولة كانت لفئة محددة او عشائر تركية محددة لكن المجتمع كان خاضع للسلطة.. قد تظهر الحركات التي تعمل ضد الحكومة المركزية رفضا للظلم ورفضا للقسوة لكن مفهومهم لم يحمل شيء من العنصرية. لكن بعد ظهور النشنالتي في اوربا وتفسير ذلك كمفهوم عرقي في المانيا والشرق نشات حركات مدعومة من دول اوربا الطامعة في السيطرة على الشرق الاوسط ودق اخر مسمار في نعش الدولة العثمانية التي كانت تلفظ انفاسها الاخيرة.
اوربا لا نعرف هل استغلت ذلك في نشر النزاعات في بلدان الشرق الاوسط ام انها الصدفة وانتشار الافكار المتناقضة وراء ذلك بعد ظهور الطباعة والصحافة بقوة في نهايات القرن التاسع عشر... فعلا تم استغلال افكار التطرف العرقية وغرزها في الشرق الاوسط واستثمارها في حقبات مختلفة لمصالح الغرب الذي لا يتوانى عن فعل أي شيء من اجل الحفاظ على مصالحة قبل أي شي في الشرق الاوسط.. لم يذكر التاريخ حصول صراع عرقي متواصل بين شعوب المنطقة مع وجود صراعات سلطة لا يكون فيها معنى كبير للعرقية ... كما كان هناك نزاع مستمر وطويل يحمل المفهوم الطائفي بين الشيعة والسنة بالدرجة الاولى مع وجود بعض الصرعات الدينية والتي كانت فيها الكثيرة من الدموية وبعد تبني شعوب المنطقة مفهوم النشالتي كمفهوم عرقي قومي ظهرت الخلافات وظهرت الصراعات وظهرت العنصريات لتكوين دويلات مستقلة هنا وهناك وظهرت بنفس الوقت العنصرية الشديدة والتي لا تتقبل ثقافات الاعرق الاخرى في المنطقة وثقافات التعايش السلمي بين مكونات البلد الواحد وادى ذلك الى تنكر البعض لابسط معاني التواصل مع الماضي الذي كان يعني ان الشرق الاوسط هو كتلة واحدة ونسيج اجتماعي واحد بالوان متعددة الذي ممكن ان يؤلف اعظم دولة في قلب العالم . وكمثال على ذلك هو قيام الاتراك برفضهم الاستمرار باستخدام الاحرف العربية في كتابة لغتهم وكذلك انتهاج بعض الاكراد نفس هذا المنهج واعتمدوا الاحرف اللاتينية وذلك ياتي من مفهوم عنصري اتجاه ثقافة المنطقة ولجعل الشعب الكردي والشعب التركي بعيد عن أي مؤثر عربي حتى لو كان ذلك هو الحرف العربي.. رغم ان هذه الشعوب مسلمة لكنها عملت على محو أي علاقات تاريخة بين بلدان المنطقة وعدم منح أي سمة للتجانس بين هذه الشعوب بالمنطقة لا بل بالعكس كان هناك عنصرية شديدة ومحاولة في زيادة الاغتراب بين شعوب المنطقة . نسمع ونقرا احيانا عن بعض المتعصبين قوميا رفضهم للاسلام لان القران نزل باللغة العربية وبعضهم توجه توجهات علمانية متطرفة و توجهات الحادية وماركسية لغرض مسح الهوية الاسلامية عن شعوبهم وفصلهم عن ماضيهم وفصلهم عن انسجامهم التاريخي مع الشعوب في المنطقة. ان هذه السلوكيات المتعصبة ضد الدين الاسلامي والعربية سببت فهم خاطيء لشعوب المنطقة بان العلمانية تعني الالحاد و العداء للدين . وذلك ناتج عن فهم خاطيء للحدث حيث ان اغلب الحركات التركية والكردية لكي تبتعد عن الفكر العربي حاربت الثقافة الاسلامية باسم العلمانية . وذلك لكي تنشيء كيان مستقل وكيان لا يربطها مع الماضي الموحد.. ان العلمانية التركية التي فضلت استخدام الاحرف اللاتينية على العربية في جميع مدراس تركيا حصل بعد انهيار الدولة العثمانية وظهور حركات التحرر العربية او القومية العربية والتي بدات تتسيد ساحات المواجهة في جميع الاقطار العربية وهنا لكي تنفصل تركيا وتمنع أي تاثير على ثقافتها بعد فقدانها السلطة على جميع الدول العربية استخدمت اسلوب التنكر للاسلام والتمسك بالعلمانية الى درجة قهر شعبها ومحاربه العبادة فيه .
بدايات القرن العشرين جاء المحتل الاوربي ليسيطر على جميع مناطق الشرق الاوسط ولتظهر صراعات التحرر التي اتسمت بسمة القومية والتعصب العرقي... حيث ظهرت القيادات والحركات التي تدعي النضال لصالح القومية وبدات ماسي المنطقة... الحركات القومية العربية وكيف انها سببت كوراث حقيقية لشعوب المنطقة كرد وعرب وطوائف دينية متعددة... وبنفس الوقت ظهور اسوء فكرة قومية وهي فكرة الدولة الصهيونية والقومية اليهودية او الاسرائيلة ودعوة اليهود لتكوين وطن قومي لهم وجلب جميع يهود العالم لغرض انشاء دولة لهم في فلسطين على حساب التعايش السلمي مع شعوب المنطقة. هنا ظهرت فكرة الصراع والتي تعنصر لها المكون العربي وتعنصر لها بشكل اكبر اليهود ودعم الاوربيون لافكار النزاع هذه وجعل المنطقة تعاني من صراعات لا تنتهي... صراعات بمسميات عدة قومية ودينية وطائفية ... وان فكرة زوال هذه الخلافات والوصول الى السلام اصبح مستحيلا ... ولا يمكن للاطراف في المنطقة ان ترجع للوراء لما قبل القرن التاسع عشر في مستوى ادراكهم للوطنية التي هي اهم واعظم من مفهوم القومية العرقية. ان الوطنية هي الشعور بالانتماء للوطن وحفظ حقوق الوطن والشعب والتكامل بين مكوناته فمثلا العراقي يعاني من العطش بكل مكوناته سوءا عربي كردي تركماني وبينما الكردي والتركي والعربي في تركيا هم من لديهم وفرة المياه وبلدهم يستثمر ويستغل المياه على حساب الشعب العراقي . لذا ان اهم شي لتوحد أي شعب هو تاريخ ذلك الشعب وكيفية كتابة هذا التاريخ بحيث يوحد مكونات هذا الوطن ويربطها باواصر تاريخية تنمي عصبية وطنية قوية توحد المكونات لغرض النظر للمستقبل من بوابة التوحد الوطني... الوطينة لا تنعي اللغة بقدر ما تعني اننا شعب واحد ونعيش نفس الظرف ونعيش نفس الاقتصاد ومستقبلنا بتوحد ارانا وبنفس الوقت الحفاظ كل منا على ثقافته وخصوصيته العرقية والدينية..... لذا ليس السلطة والقوة والعسكرية هي من تصنع التلاحم الشعبي ... لكن التلاحم الشعبي يتم من خلال كتابة التاريخ وانضاج فكرة استيعاب الوطنية العراقية وهذا لا يتم الا من خلال تخطي ماسي المرحلة الحديثة..
الروح الوطنية العراقية للاسف مفقودة والاغتراب كبيرة جدا خصوصا لدى الشباب لذا هناك ضياع لاهم مقومات الشعب بالتوحد لا نرى المكون الكردي(السياسي) يسعى لترسيخ مفهوم الوحدة ومفهوم التماسك الوطني العراقي وانما يسعى الى جعل الوضع هش وغير مستقر لاغراض عنصرية واغراض قومية على حساب العراق الواحد.. وبنفس الوقت لم نرى المكون العربي(السياسي) العراقي يعمل بوطنية خالصة نفس الاسلوب.. لا بل الاسوء من ذلك هو حصول تشرذم داخلي وصراع اجتماعي طائفي لا يمكن تجاهلة ولا احد يعمل على تهوين الطائفية.. العرب بسبب تدخلات دول الغباء العربية الطائفية الارهابية وتدخلات ايران غير المحمودة والتي تسعى لتوسيع دائرة نفوذها ... وهذا ما سببت كوارث على المكون العربي في العراق بالدرجة الاولى ...اما الجانب الكردي فقد استغل فكرة الصراع الطائفي في العراق لصالحه وترسيخ مكاسبة وتوهين المفهوم الوطني.. لكي يتم معالجة ذلك يجب ترسيخ المفاهيم الوطينة وترسيخ المفاهيم التي توحد هذا الشعب وتجعل منه امة لكي يتم صناعة المستقبل المزدهر ويجب التخلص من جميع افكار التشرذم القومية و الطائفية يجب ان يتراجع مفهوم القومية العرقي على حساب الوطنية والتوحد يجب رفع شعار الوطنية العراقية قبل أي انتماء اخر... ان امريكا الان هي امة... ومن اعظم امم العالم رغم اختلاف اعراقها واختلاف طوائفها واديانها ... والعراق قلب الشرق وهو عاصمة الشرق الاوسط الكبير فهل سيقود الشرق ام انه سيكون ككرة تتلاقفها الاطراف والاهواء الاقليمية بالمنطقة ......
العراق واحد العراق امة لا يمكن تجزئتها... الامة الاكدية العراقية هي من سيقود الشرق الاوسط للسلام والازدهار والمحبة.. لنتكاتف من اجل وطنيتنا الضائعة بين مصالح سياسية غبية وبين تصارعات اقليمية مقيتة... العراق واحد العراق لا يقبل التجزئة ... لنعمل من اجل وطنيتنا العراقية..
https://telegram.me/buratha