بقلم : حسين الكعبي
قد يرى كثير من الناس ان الحديث عن ازمة اقرار قانون الانتخابات قد فات اوانه . . . الا انني ارى ان تلك الازمة تستحق الوقوف عندها كثيراً !! خاصة بعد ان اعقب انفراجها تفجيرات دامية راح ضحيتها العشرات من العراقيين الابرياء في العاصمة الحبيبة بغداد ، فهل كان لانتظار منفذي التفجيرات الخروج من ازمة اقرار قانون الانتخابات علاقة بتحديد موعد التفجيرات ؟! لن استطيع الاجابة على هذا السؤال كما ان الضحايا من ابناء الشعب العراق لن يستطيعوا الاجابة ايضاً ، ولكن ربما يكون الذين افتعلوا ازمة اقرار القانون وتعطيله هذه الفترة يملكون بعضاً من الاجوبة . . . او ربما لا يملكون الاجوبة ايضاً . في ازمة قانون الانتخابات لابد من دراسة هذه النقطة بعمق الا انني لن اناقشها هنا بل ادعو القارء العزيز الى البحث مابين السطور وما وراء الكلمات ، اما النقطة الثانية فهي استخدام الدستور او ما اطلق عليه خلال هذه الازمة ( الحق الدستوري ) لتعطيل استحقاق ينتظره الشعب العراقي بفارغ الصبر ، والدستور كما يعرف كل ذي نظر تضعه الشعوب المتحضرة من خلال العملية الديمقراطية ، لتحقق مصالحها وتطلعاتها نحو ترسيخ الحقوق والحريات ، ومعرفة الواجبات تجاه البلدان التي تعيش فيها وتنتمي اليها ، ولا يمكن في اي حال من الاحوال ان يضع شعب من الشعوب دستوراً يتنافى مع مصالحه العامة وتطلعاته المستقبلية . الا ان البعض يحاول دائماً ان يسخر كل شيء من اجل مصالحه الشخصية وطموحاته الحزبية والفئوية .
وهو ما حدث عندما ادعى نائب رئيس الجمهورية العراقي الدكتور طارق الهاشمي انه استخدم حقه الدستوري في نقض قانون الانتخابات ، الذي كان الشعب العراقي بكل مكوناته ينتظر اقراره على احر من الجمر ، ورغم ان تطلعات العراقيين تحققت في هذا القانون عندما تحول نظام الانتخابات من القائمة المغلقة الى المفتوحة ، بعد جهود مضنية تبنتها وسائل الاعلام والمرجعيات الدينية والشخصيات الاكاديمية ، الا ان فرحة الاعراقيين لم تدم لأن القانون اصطدم بنقض الهاشمي الدستوري ؟ ؟ ! ومن المؤكد ان معظم العراقيين لم يقتنعوا بما ادعاه الهاشمي في نقضه ، وهو المطالبة بحقوق المهجرين خارج العراق ، وان هؤلاء لم توضع لهم النسبة الكافية من مقاعد البرلمان وهي 5% ، لأن المفروض ان لا تكون هناك نسبة اصلاً اذ ان بالامكان ان يصوتوا كما حدث في الانتخابات البرلمانية السابقة ، وان تحتسب اصواتهم كل حسب المحافظة التي ينتمي اليها ، وبذلك يحصلون على تمثيل حقيقي لاصواتهم دون ان يعطوا نسبو قد تظلمهم او قد تظلم استحقاقات العراقيين الموجودين داخل العراق ، وهو ما تم اقراره في التعديل على قانون الانتخابات ورفضه الهاشمي ثم تم اقراره دون ان يرفض الهاشمي في المحصلة النهائية للتسوية الاخيرة . لذلك فان القانون بشكله الاخير اوضح ان النقض لم يأت لمصلحة عامة بل لمصلحة خاصة او ( غاية في نفس الهاشمي ) ، قد تكون من ضمنها الدعاية الانتخابية لرفع رصيده أمام الناخبين ، من خلال طريقة ( خالف تعرف ) وهي الطريقة التي اخذ بعض الساسة العراقيين يتبعونها هذه الايام لاثار الانتباه ولفت انظار الناخبين اليهم .
أما حقوق المهجرين وتثبيتها والدفاع عنها ، فاننا نتساءل هل من المنطق ان نضرب بعرض الحائط حقوق الغالبية العظمى من العراقيين من اجل قلة قليلة ترك اكثرهم العراق لاسباب شخصية ؟ ! هذا السؤال يضعه جميع العراقيين امام الدكتور الهاشمي للاجابة عليه ، وهم يضعون معه حقائق عمن يسميهم الهاشمي وغيره ( المهجرين ) . ومنها ان اكثرهم من ازلام النظام البائد الذين هاجروا بعد ان خاضوا طوال سنوات في دماء العراقيين ، واهدروا ثروات العراق حتى اعادوا العراق الى العصور المظلمة ، أما الان فهم يديرون العمليات الارهابية من الخارج ويرسلون الانتحاريين الى العراق ويجندون المقاتلين باموال الشعب التي سرقوها على مدى 35 عاماً ، اذ ان الدماء التي اراقوها لاكثر من ثلاثة عقود حكموا فيها العراق لم ترو عطشهم وساديتهم ، وليس ببعيد عنا تفجيرات الاربعاء والاحد والثلاثاء الدامية ، وبينما تحصد مفخخاتهم ارواح العراقيين وتملأ شوارعنا بالدم والدمار ، يقضون هم سهرات مجونهم في ملاهي سوريا ومصر والاردن وغيرها من الدول العربية ، متلذذين بما يصلهم من اخبار الضحايا العراقيين الذين يتساقطون منتيجة اعمالهم . أما الفئة الثانية فهم من خرج من المطربين والفنانين الذين لم ترقهم الاطاحة بسيدهم وولي نعمتهم ، واخذوا يكيلون الشتائم بابشع صورها للعراقيين ولحكومتهم المنتخبة من خلال الفضائيات المسمومة ، مبتعدين عن اساليب النقد البناء التي يتبعها العديد من الاعلاميين داخل العراق ، في ظل نظام ديمقراطي يتقبل النقد حتى ولو كان موجهاً ضد رئيس الجمهورية ، شرط ان يكون محكوماً باخلاقيات النقد الرصين الهادف ، لا التشهير والشتائم والسباب والالفاظ النابية التي نشاهدها في بعض القنوات الفضائية . وبعد ان تخلى هؤلاء عن بلدهم وهو بأمس الحاجة اليهم من اجل الدرهم والدينار والدولار ، وجدوا في شخص الهاشمي وبعض من يسير في ركبه مدافعاً باسلاً عن حقوقهم .
لقد كان الاجدر بالهاشمي أن يدافع عن العراقيين الذين عانوا القتل والدمار والتشريد داخل بلدهم ، وضحوا بكل غال ونفيس لاكثر من ستة اعوام دون ان يفكروا في مغادرة العراق ، فعندما تصاعدت حدة العنف الطائفي واصبح القتل على الهوية في بعض محافظات العراق مثل بغداد وديالى والموصل ، فضّل مئات الالاف من العراقيين ان يهاجروا الى المناطق الامنة داخل العراق في النجف وكربلاء والحلة وغيرها من محافظات الوسط والجنوب ، وقد وجدوا الترحيب من اهلهم دون ان يضطروا الى الرقص او الدعارة في الملاهي الليلية لكسب قوتهم كما حدث للعراقيين الذين هاجروا الى الدول العربية الشقيقة !!! ولم يتخل هؤلاء عن العراق وهو يمر باحلك الظروف بل صمدوا حتى انزاحت الغمة وبدأ العراق يستعيد عافيته . لقد كنا نفضل ان يقف نائب رئيس الجمهورية مع الضحايا لا مع الجلادين عندما يستخدم حقه الدستوري لمصلحة العراق والعراقيين . لا ان يكون الحق الدستوري هو الطامة الكبرى في هذا الموضوع برمته ، فالهاشمي يعطل العملية السياسية ويتجاوز على حقوق الشعب العراقي معتبراً ذلك حقه الدستوري ، ولابد ان اذكر الهاشمي هنا ان يعود الى الوراء قليلاً ، ويمعن النظر بما حدث عند تشكيل الحكومة المؤقتة التي انبثقت عن الجمعية الوطنية السابقة ، والحكومة الحالية التي انبثقت عن البرلمان الحالي ، لقد كان الائتلاف العراقي الموحد والتحالف الكردستاني في الدورتين يمتلكان الاغلبية المطلقة ، وقد كان من حقهما دستورياً ان يشكلا الحكومة وهو امر متعارف عليه في جميع الدول الديمقراطية والمتحضرة في العالم ، ولم يكن احد ليلوم اياً من هذين الكيانين فيما لو عمدا الى هذا الاجراء ، الا انهما لم يتمسكا بحقهما الدستوري ـ كما فعل الهاشمي اليوم ـ رغم انهما يمتلكان الاغلبية ، بل تصرفا على اساس اخلاقي ووطني ، وحرصا كل الحرص على مشاركة الجميع في حكومة وحدة وطنية ، دون اهمال اي اقلية مهما كان حضورها محدوداً على الساحة السياسية ، لقد كانت المصلحة الوطنية مقدمةً انذاك لا على المصلحة الشخصية والفئوية فحسب . . . بل كانت مقدمةً حتى على الحق الدستوري ، ولو ان الائتلاف العراقي والتحالف الكردستاني تمسكا بحقهما الدستوري لما كان الهاشمي وكثيرون معه يتسنمون الان مناصب سيادية في الدولة العراقية ، ولما كانت لهم هذه الامتيازات والمخصصات التي يغترفون منها دون حسيب او رقيب . لذلك ندعو الجميع الى التفكير في مصلحة الشعب العراقي اولاً ، وان لا يكون الحق الدستوري ذريعةً لايجاد ديكتاتورية جديدة ، تريد تمرير مطالب افراد بعينهم على حساب الغالبية العظمى من العراقيين المضحين ، وان لا تستخدم الامتيازات للدفاع عن المجرمين والمسيئين للشعب العراقي .
https://telegram.me/buratha