( بقلم : د. عمار عباس الحسيني )
يعيش عالم اليوم ثورة من المعلومات والاتصالات التي أحدثت تغييرات جذرية في العديد من المفاهيم وفروع العلوم ومنها القانون, هذه الثورة التي بدأت تظهر معالمها وتتحدد ملامحها منذ منتصف القرن العشرين وما وصلت إليه في الوقت الحاضر, وما أدت إليه هذه الثورة التكنولوجية من بروز مصالح جديدة وحقوق متعلقة بها فضلاً عن تهديد واضح للعديد من تلك الحقوق والحريات.....
لذا ظهرت طائفة جديدة من الجرائم عرفت بـ ( الجرائم المعلوماتية) أو ( جرائم الكومبيوتر والانترنت ). ومن هذه الجرائم جريمة ( إفشاء الأسرار). وهذه الأخيرة جريمة معروفة في إطار قانون العقوبات التقليدي, تناولها معظم إن لم نقل كل قوانين العقوبات العالمية تحديداً وتجريماً ومنها قانون العقوبات العراقي الذي تناولها وجرمها وعاقب عليها في المواد (437- 438).
فجريمة إفشاء الأسرار تعرف بأنها الكشف عن واقعة لها صفة السر صادر ممن علم بها إنها سر... هذا كله وفقاً لقانون العقوبات التقليدي الذي كان يخاطب الأفراد المرتكبين للجرائم وفقاً للطرق التقليدية, بيد إن الجديد في الأمر هنا هو استخدام شبكة المعلوماتية والانترنت في ارتكاب هذه الجرائم ومنها جريمة إفشاء الأسرار. ولعل هذه الشبكة تعتبر وسيلة فاعلة وسريعة في ارتكاب هذا النوع من الجرائم, ولعل هذه الجريمة- إذا ارتكبت بواسطة تلك الشبكة – تتخذ عدة صور لعل أهمها:أ. إفشاء أسرار الدفاع الوطني : وهنا يعمد الجاني إلى إفشاء أسرار حصل عليها تتعلق بالدفاع الوطني أو الأمن القومي, ولا شك في أهمية مثل هذه المعلومات والأسرار وخطورة الإفشاء بها, وإعلانها على شبكة الانترنت.
ولم يكن قانون العقوبات العراقي النافذ ببعيد عن تجريم مثل هذه الأفعال الماسة بسلاسة البلاد وأمنها, حيث تناولها في المواد ( 177-178) وان كان تناول إفشاؤها بالطريق الاعتيادي التقليدي, ونرى انه لا مانع من التوسع في تفسير النص ليشمل إفشاء أسرار الدفاع عن البلاد وأسرار الأمن الوطني وان ارتكبت بواسطة الانترنت, بل ما نراه هو جعل استخدام هذه الشبكة في مثل هذه الجريمة ظرفاً يشدد عقاب مرتكبه نظراً للأعداد الهائلة التي تستخدم الانترنت.
ب. إفشاء الأسرار المهنية: لا نشك في أهمية الأسرار المهنية وأسرار العمل بالنسبة لكل صاحب عمل أو مهنة, بل إن نجاح الكثير من الأعمال والمهن يتوقف على سرية معلوماتها, حتى إن العديد من الشركات الكبرى والمصارف في العالم تتحفظ على أسرار عملائها والمتعاملين معها. ولاشك في إن إفشاء تلك الأسرار المهنية يشكل خطراً كبيراً يضر بتلك المؤسسات وقد يؤدي إلى انخفاض نسبة المتعاملين معها, إن لم نقل إفلاسها, ناهيك عما يشكله هذا الإفشاء من احتمال وارد لتعرض حياة أصحاب هذه المهن والمتعاملين معهم للخطر....
ج. إفشاء الأسرار الشخصية: قد نتخذ المعلومات التي ينصب عليها الإفشاء صور التعاملات اليومية كالخطابات والمراسلات والمحادثات الهاتفية, ناهيك عن العديد من الأسرار الشخصية والعائلية والصحية..., وهنا يمكن لمن يحصل على هذه المعلومات القيام بنشرها وتعريض صاحبها للخطر والإحراج.ناهيك عن إن العديد من تلك المعلومات الواردة في السطور الثلاث أعلاه قد يتم الحصول عليها عن طريق العبث بشبكة الاتصالات وانتهاك العديد من مواقع البريد الالكتروني, وهو ما يبنبئ عن تفشي هذا النوع من الجرائم في الحاضر والمستقبل القريب والبعيد.
د. عمار عباس الحسينيرئيس قسم القانون في الجامعة الإسلامية
https://telegram.me/buratha