المقالات

الاجوبة غير المقنعة.. والدوران في ذات الحلقة المفرغة

665 11:27:00 2009-12-16

عادل الجبوري

بقدر ما كشفت موجة العمليات الارهابية الاخيرة التي استهدفت مواقع حيوية وحساسة في العاصمة بغداد يوم الثلاثاء الماضي، الثامن من شهر كانون الاول-ديسمبر الجاري، عن وجود خلل كبير في اداء المنظومات الامنية والعسكرية، وثغرات كبرى في بنيتها، فأن جلسات الاستماع في النواب العراقي لوزراء الدفاع والداخلية والامن الوطني، ورئيس جهاز المخابرات، وقائد عمليات بغداد، وقادة امنيين اخرين، كشفت بدرجة اكبر عن حقائق مرعبة ومؤلمة في ذات الوقت عن الواقع الامني العراقي، ناهيك عن انها سلطت الاضواء على حقيقة التأثيرات والانعكاسات السلبية للتجاذبات والمماحكات والصراعات والتنافسات السياسية على الملف الامني واستحقاقاته الخطيرة.

وتستدعي القراءة الموضوعية والمحايدة لما جرى التوقف عند جملة حقائق ومعطيات افرزتها طبيعة الحدث من حيث التوقيت واسلوب التنفيذ، وخلفياته، ثم تداعياته التي رسمتها وصاغتها بصورة واضحة وجلية الى حد كبير وقائع جلسات الاستماع التي مازالت متواصلة حتى كتابه هذه السطور، ومن تلك الحقائق والمعطيات:

اولا: غياب استراتيجية امنية واضحة، تقوم على اساس تكامل الادوار والمهام بين مختلف المفاصل الامنية والاستخباراتية والعسكرية المسؤولة عن حفظ الامن وحماية ارواح المواطنين، وصيانة البلد، وما يؤشر الى غياب تلك الاستراتيجية امور عدة منها، ما اكده اشخاص معنيين بالشؤون الامنية، كبعض اعضاء لجنة الامن والدفاع في مجلس النواب، وخبراء امنيين وعسكريين، بل وحتى اشخاص تنفيذيين، ومنها طبيعة الاجوبة والتوضيحات المرتبكة والانشائية والبعيدة عن جوهر الموضوع للوزراء والمسؤولين الامنيين على اسئلة واستفسارات اعضاء مجلس النواب، وعجز جميع من تمت استضافتهم عن تقديم الحد الادنى من الاجوبة المقنعة بشأن ماحصل يوم الثلاثاء الماضي، ولانه لم تكن لديهم مثل تلك الاجابات المقنعة، فأنهم راحوا يتحدثون عن منجزات سابقة، وينظرون لقضايا شائكة، ويسردون ارقاما لم يكن ممكنا التوثق من دقتها وصحتها بسهولة، الامر الذي اثار استياء وضجر اعضاء مجلس النواب، ناهيك عن استياء ملايين الناس الذذي كانوا يتابعون وقائع جلسات الاستماع من على شاشات التلفاز.

ثانيا:ليس هناك تناسب بين حجم المنجزات والمكاسب الامنية المتحققة مع حجم الانفاق الباهض والكبير جدا على المؤسسات الامنية والعسكرية، والاعداد الهائلة للقوات العسكرية والتشكيلات المختلفة في الجيش والشرطة والمؤسسات الامنية والاستخباراتية، والتركيز على الجانب الكمي في مقابل اهمال الجانب النوعي رتب استحقاقات مالية ولوجيستية هائلة، بيد انه لم ينعكس بالمقدار المطلوب على ارض الواقع.

وكل من يتحدث اليوم عن الانخفاض الكبير في العمليات الارهابية مقارنة بما كان عليه الحال قبل عامين او ثلاثة اعوام، ويوعزه الى تطور بناء المؤؤسسات العسكرية والامنية المختلفة، ينسى او يتناسى او يتغافل عن عوامل عدة خارجية وداخلية-موضوعية وذاتية-ساهمت في احداث مثل ذلك تلك المتغييرات، قد يكون تطور بناء المؤسسات العسكرية والامنية كما احد تلك العوامل، وهو ليس بالضرورة ان يأتي في مقدمتها.

ثالثا:في نفس الوقت ينبغي الالتفات الى حقيقة ان حدوث عمليات ارهابية على قدر كبير من الدقة والتنظيم من حيث التوقيت وطبيعة المؤسسات المستهدفة، والفترات الزمنية القصيرة، وبنفس السيناريوهات، يؤكد بما لايحتمل الكثير من التحليل والتأويل ان هناك اختراقات وثغرات خطيرة، لايمكن ان يسدها ملايين-وليس الاف-الجنود المدججين بأكثر الاسلحة فتكا وتطورا، ولا بمئات او الاف الدبابات والمدرعات والطائرات-ان وجدت بالفعل-وانما عبر شبكة معلومات منظومة بيانات استخباراتية فاعلة.

ولعل جانب كبير من السجال والجدل في جلسات الاستماع الاخيرة، وقبلها، وعبر منابر سياسية ووسائل اعلامية، تمحور حول تلك النقطة، وطبيعي انه في اكثر المجتمعات امنا واستقرارا يصعب رصد مظاهر عسكرية مسلحة في الشوارع والمدن والاماكن العامة، وقد لانخطأ اذا قلنا ان نسبة وجود المظاهر العسكرية المسلحة في الشوارع والمدن، بأي بلد من البلدان، يتناسب عكسيا مع درجة الامن والاستقرار فيه، وهذا امر له مصاديق كثيرة، فبلد مثل سويسرا على سبيل المثال لا الحصر، يتمتع بقدر كبير من الاستقرار السياسي والامن والاجتماعي، لكن لا وجود لعساكر مدججين بالسلاح يجوبون الشوارع، ولامعسكرات داخل المدن، ولاحوجا كونكريتية في كل مكان، ولادبابات ومدرعات تتحرك ليلا ونهارا في الشوارع وكأنها سيارات اجرة!، في مقابل ذلك فأن بلدا مثل الصومال، لاتخلو زاوية من زواياه من مظاهر العسكر وقعقعات السلاح، لكن من العسير جدا ان تعثر على زاوية فيه يسودها الامن والامان والاستقرار.

هذه هي المعادلة، التي يمكن ان تتحكم فيها وتوجهها منظومة البيانات والمعلومات الاستخباراتية، التي تقوم على مبدأ او مفهوم "الامن الوقائي". يقع كبار المسؤولين الامنيين في خطأ كبير حينما يستغرقون في الحديث عن عدد وعدة مؤسساتهم العسكرية-الجيش والشرطة الاتحادية وغيرهما-ويعجزون عن تقديم اجوبة واقعية وموضوعية وعلمية عن واقع المنظومات والمؤسسات الامنية الاستخباراتية.

رابعا:يبدو من خلال ما طرحه الوزراء الامنيين، ان المنظومة الاستخباراتية والمخابراتية للنظام السابق، الذي مرت اكثر من ستة اعوام ونصف على الاطاحة به، تعمل بطريقة اكثر فعالية ومهنية وحرفية من المنظومات الاستخباراتية والامنية والمخابراتية للنظام الجديد، وهذه بالفعل مفارقة عصية عن الفهم والتفسير، وكيف لعموم الناس ان يفهموها ويفسروها اذا كان المعنيون بشؤون البلد الامنية لم يفهموها حتى الان، ولم يجدوا تفسيرا لها.

لكن علينا ان نلتفت الى الارقام التي تتداولها جهات حكومية عن اعداد الضباط والمراتب الذين كانوا يعملون في اجهزة الامن والمخابرات والاستخبارات وما يسمى بفدائيي صدام، والعناصر التي كانت فاعلة في حزب البعث المنحل، الذين انخرطوا بصورة او بأخرى في المؤسسات الامنية والعسكرية الجديدة، بل انهم باتوا يمثلون اعمدتها الرئيسية في مجمل المفاصل المهمة والحساسة.

ولم يجيب حتى الان أي مسؤول سياسي او امني رفيع المستوى في الدولة العراقية، عن حقيقة ذلك الذي لايمكن الا نسميه بالاختراق، ولو كان السيد وزير الداخلية جواد البولاني قد اجاب على تساؤلات النائب في مجلس النواب ورئيس لجنة المساءلة والعدالة فيه فلاح شنشل عن مغزى وجود ضباط امن واستخبارات وفدائيي صدام في بعض من مفاصل وزارة الداخلية الحيوية، لو كان السيد الوزير قد اجاب على ذلك لربما توضحت بعض الامور، ولكن لاجواب لا من وزير الداخلية ولا من غيره. واذا كان واقع الحال بهذه الصورة، فعلينا ان نتحسب لايام اخرى دامية في العراق، ومتى ما تم تطهير الاجهزة والمؤسسات الامنية والاستخباراتية-لاسيما مفاصلها الحيوية والحساسة والمهمة-من منظومات النظام السابق، وباتت الاولى اقوى من الاخيرة، فحينذاك يمكن ان ترتفع مؤشرات التفاؤل.

خامسا:مثلما تنعكس الاوضاع الامنية على مجمل الاوضاع السياسية والاقتصادية والحياتية، فأن العكس صحيح ايضا، ولعل ما يمنع ويحول دون اتساع نطاق التفاؤل هو طبيعة الاجندات والمشاريع السياسية المتقاطعة.

ولم تكن بعض الايادي الداخلية بعيدة عن مظاهر الارهاب والعنف الدموي الذي اجتاح البلاد في عامي 2005 و2006 والنصف الاول من عام 2007، ونفس الشيء بالنسبة للاعمال الارهابية اللاحقة لها، لاسيما احداث الاربعاء والاحد والثلاثاء الدامية في العاصمة بغداد. والايادي الداخلية لابد ان تكون مرتبطة ومشتبكة ومتشابكة مع اياد خارجية، ولم يعد الحديث عن الاطراف والجهات الخارجية المتورطة بالاهاب في العراق من الاسرار والخفايا الخطيرة، لذا فأن احدا لم يعد مهتما كثيرا بمثل ذلك الطرح، بل التساؤل الملح والمكرر للمسؤولين عن الوزارات والمؤسسات الامنية، هو ماذا فعلتم لتضعون حدا لايقاف المد الارهابي القادم من الخارج، ومرة اخرى اما لاجواب، او اجوبة غير مقنعة ولامقبولة بتاتا. اذن الا يصح وصف كل ذلك الجدل والسجال سواء داخل مجلس النواب او خارجه، بأنه دوران في ذات الحلقة المفرغة من النقاش العقيم، حتى يأتي يوم دام اخر بعد الثلاثاء؟.يبدو هو كذلك بالضبط!.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك