( بقلم : د. علي عظم )
يبدو إن الحرب الصليبية التي بدأت أواخر القرون الوسطى وبداية العصور الحديثة تلك الحروب التي باركتها الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية لم تنته بعد, لكن الظروف السياسية تملي على العالم المسيحي أساليب تختلف من فترة زمنية إلى أخرى, ولكن دوافعها واحدة هي الهيمنة على العالم الإسلامي سياسياً وسلب مقدراته الاقتصادية, فعندما فشلت الحرب العسكرية سابقاً ودحرت الجيوش الصليبية في العصور الوسطى, لجأت إلى أسلوب إقامة الأحلاف فحاول الاوروبيون التحالف مع المغول ضد المسلمين , غير إن الحضارة الإسلامية استوعبت الموجة المغولية و فشل العالم المسيحي من تحقيق أهدافه, ثم حاولت الكنيسة إثارة العالم المسيحي ثانيةً والقيام بحملات صليبية عندما اخذ العثمانيون في السيطرة على الدولة البيزنطية بإسم الإسلام وهذه الدعوة هي الأخرى فشلت بسبب أطماع الكنيسة الكاثوليكية بأملاك الدولة البيزنطية مما أدى إلى انهيار تلك التوجهات فجاءت المحاولة الأخرى بضرب الإسلام في اسبانيا والقضاء على الوجود الإسلامي ومن ثم احتلال العالم الإسلامي وساندت الكنيسة هذه السياسة وحدثت المذابح ضد العرب و المسلمين هناك وفي أوائل القرن السادس عشر ناشد البابا الدول المسيحية والمسيحيين احتلال العالم الإسلامي و من يُقتل هناك فهو شهيد, وبذلك ساندت الكنيسة التوجهات الاستعمارية للغرب كما هو الحال في مساندة الاستعمار البرتغالي, غير إن مجرى الأحداث و الصراع قد تغير نتيجة ظهور الدولة القومية في أوربا وتراجع العامل الديني في حركة السيطرة والاستعمار الحديث, ولكن هذا لا يعني بان الكنيسة قد انتهت آمالها في تدمير العالم الإسلامي بل ساهمت في دفع الحكومات الأوروبية إلى فرض قوانين تضمن هيمنة المسيحيين غير المشروعة على اقتصاد العالم الإسلامي , ثم برز ما يعرف بالمسالة الشرقية وهي الصراع بين الدولة العثمانية ذات الصبغة الإسلامية والدول الأوروبية المسيحية ومن مخلفات ذلك الصراع دولة لبنان القائمة على أساس حكم الأقلية المسيحية, ثم تطور الصراع في القرن العشرين يأخذ شكلاً آخر خاصة بعد بروز قطبين دوليين مسيحيين هما الولايات المتحدة والغرب والاتحاد السوفيتي الأول يدعو الى احترام حرية الأديان, والثاني ذو توجه مادي يعتبر الدين مرحلة متخلفة في حياة الشعوب.
وهنا نلاحظ بان الطرف الاول قد سخر الفكر الإسلامي لمقارعة الطرف الثاني باعتباره ملحداً ويهاجم العقيدة الاسلامية, ويلاحظ هنا المراقب مخاطبة الكنيسة العالم الإسلامي والمسلمين بكل احترام كما أملته الظروف السياسية, حيث أقامت الكنيسة علاقة ودية مع الدول الإسلامية لاسيما ذات العقيدة السلفية مثل السعودية وبنفس الوقت تحالفت الكنيسة مع الحركة الصهيونية ومساندة دولة إسرائيل من جهة ثانية وأصبح الحلف الصهيوني – المسيحي حلفاً استراتيجياً وصل إلى حد تبرئة اليهود من شنق النبي عيسى (ع).
وبمجيء القرن الحادي والعشرين فان الهجوم المسيحي قد غير إستراتيجية دورة كاملة لاسيما وان العالم يشهد القطبية الأحادية في السياسة الدولية وعلى شكل حلقات خاصة بعد أحداث الحادي عشر من ايلول, ووصف الإسلام بالإرهاب بحيث أصبح أي طرح إسلامي فكري هو طرح إرهابي وصرح بعض القساوس الأمريكان بان محمد(ص) إرهابي. وان أي حالة دفاع عن النفس هي عمل إرهابي كما هو حاصل في النزاع العربي- الإسرائيلي أو الصراع بين إسرائيل وحزب الله, وفي هذا السياق التاريخي تأتي تصريحات بر لسكوني رئيس وزراء ايطاليا السابق إن الحضارة المسيحية تتفوق على الحضارة الإسلامية,وتلك التصريحات التي جوبهت بالرفض من الشارع الإسلامي فأعلن برد سكوني بأنها زلة لسان, ثم جاءت الرسوم السيئة للنبي محمد في الصحف الدنماركية والنرويجية وبعض الصحف الاوربية باسم حرية الصحافة واليوم تأتي ملاحظات البابا حول الإسلام ونبي الرحمة من اجل تعايش الأديان, والحقيقة إن هذا الحديث يأتي في السياق التاريخي للحرب على الإسلام بعد أن أصبح المسلمين قوة وهنالك دول تعتمد على الإسلام نظرية حكم مثل إيران, أو إن الحركات الإسلامية أصبحت جزءاً من القرار السياسي في بعض البلدان الإسلامية مثل فلسطين والعراق.وفي الوقت الذي ندين فيه البابا ونتهمه بأنه غير موضوعي ولم تكن لديه ثقافة واسعة بالأديان علينا ان نعترف بان المسلمين فيهم الكثير من القصور وعدم الوعي لواقعهم السياسي فكثير من القيادات الإسلامية عدوها الاول بعض الفرق الإسلامي كما هو الحال بالنسبة للحركات الإسلامية التي تتخذ العنف والقتل وسيلة لضرب معارضيهم كما هو الحال في العراق, حيث تدعم بعض القيادات الاسلامية والانظمة السياسية التي قتلت الشعب العراقي لاسيما أبناء الطائفة الشيعية بحجة إنهم مساندون للوجود الامريكي وهذا بعيد عن الواقع , وان أعمال العنف تخدم الأمريكيين ولا تخدم العراق مطلقاً, فالامريكي هو محتل ويجب انهاء احتلاله بأية وسيلة ولكن متى ما توحد الشعب العراقي,
غير ان الواقع تجد قيادات دينية سعودية ومصرية وأردنية وفلسطينية تؤيد الزرقاوي وهو الذي يصب ناره على العراقيين اكثر مما يصب على الأمريكيين وهذا ما يؤدي إلى هوة بين عامة الشعب العراقي في الوسط والجنوب وإبعادهم عن روح المقاومة كما حرموا مساعدة المقاومة في لبنان واعتبروا إن الانضمام إلى المقاومة حرام لان تلك المقاومة شيعية ولا يجوز مساندة الشيعة كما هو الحال في السعودية فبالله عليك أي فتوى هذه تحرم القتال ضد الاسرائيلين على الرغم من انهم يحتلون ارضاً إسلامية, والانكى من ذلك إن بعض الحركات الإسلامية من صنع المخابرات الأمريكية نفسها مثل حركة طالبان.
https://telegram.me/buratha