كريم الوائلي
احسب ان الامن في هذه المرحلة رهين بالسياسة وتبعا لذلك فأن الدوامة الامنبة قد تستمر وتعرض العراق الجديد الى اشد المخاطر ما لم يجد العراق الطريق الموثوق فيه لتخطي الدوامة الاشد خطرا وهي العودة الى الدكتاتورية والاستبداد ورهن حياة الغالبية العظمى من تعداد نفوس العراق تحت العبودية مجددا وتشغيل ماكنة التطهير الطائفي الذي طال العراقيين عقودا طويلة وبشكل خاص شعب الوسط والجنوب الذي كان ينتج التبر ويأكل التراب . ولا بد لنا ان نسلط الاضواء على جريمة يوم الثلاثاء الاسود من حيث توقيتها وطريقة تنفيذها واهدافها وهوية المنفذين لها بعيدا عن الانتقائية والمجازية طالما ان المنفذين قد تعهدوا بالرجعة والمواصلة حتى تحقيق اهدافهم ، وطالما ان السيل قد بلغ الزبى وان الامر لا يحتمل المزيد من مدارات الخواطر والتسويف ويستوجب الحرص على ثوابت الشراكة الوطنية بين ابناء العراق الواحد .
تزامنت الجريمة مع الاستدارة الحادة لسفينة العراق نحو الشواطيء الآمنة وبيان مشهد ما بعد الانتخابات القادمة وتجلي ملامح مستقبل العراق المنظور ليتم بعدها تدشين مرحلة ما بعد التأسيس لدولة العراق العصرية ، وكان واظحا انه توقيت ينم عن منهجية سياسية محترفة تستبطن انماط عدائية موغلة في الهمجية والوحشية يراد منها تحقيق اهداف ابعد بكثير من ما هو مكتشف او متوقع ، وقد نكون مكثرون اذا ما تكهنا ان ما وراء الاكمة اخطر واشرس من ما يعتمر في اذهان غالبية السياسيين والمتابعين العراقيين ، اذ ان التوقيت جاء لأعاقة فوز الغالبية النيابية المتوقعة وحلفاءها من المكونات العراقية المؤمنة بالتغير والواثقة من تحقيق الكرامة والرفاهية لمكوناتها تحت خيمة العراق المتحد الواحد وعلى مائدة مستديرة واحدة تتضمن سلة الخبز المتكافئة ، وبات واضحا لمحترفي الجريمة السياسية ان اطراف القوى السياسية المشاركة في العملية السياسية قد اعيد اصطفافها الى صفين غير متكافئين ، يمثل الصف الاول ، وهو الاوسع ، كل ممثلي المكونات العراقية التي آمنة بخيارها الوطني وايقنت ان لا عودة للحكم الفردي الانقلابي وان لا مناص للشراكة الوطنية الشاملة ، وان النظام الدولي الجديد لا يسمح للدكتاتوريات بالتسلط في اي مكان من العالم ، وفي المقابل يتمثل الصف الثاني ، وهو الاضعف ، الذي لا يمكنه الانسجام السياسي مع التغير والذي استنفد قواه التمثيلية وفقد الصلاحية ولم يعد قادر على المضي بخطه المائل في العملية السياسية ولا يمتلك ادوات الشراكة كونه رهين الماضي ويتسلح بأدوات تفكيكية لكل تغير ينهي تبعات الماضي وعليه فأنه لا يسعه الاستمرار بالنفاق السياسي وقد حانت له الفرصة الاخيرة التي عندها يعلن ولاءه الحقيقي وقطيعته مع ركب العراق الجديد ، وكما نلاحظ انه اصطفاف تمليه ولادة طبيعية وتلقائيه وصيرورة حتمية شهدها تجرب عالمية معروفة وان اختلفت في ظروفها ومحيطها والدليل القاطع على ولادتها الطبيعية ان الصفين يتناظران في التعديدية والهوية حيث نجد اليساري واللبرالي والاسلامي في كلا الصفين .
ويبدو ان الانقسام الى صفين مسحوب الى الاجهزة الامنية ونستدل على ذلك من طريقة التنفيذ فالخط الواصل عبر الاهداف المقصودة يدل على انتقاء قصدي مخطط له بأحكام ويطال جانب مهم من البنية التحتية وهو المؤسسات القضائية والتعليمية بعد ان دمرت الادارتين المالية والدبلماسية وقصد الفاعل المنفذ اتخاذ اكثر الطرق صيانة امنية ومتعمدا اختراق مناطق مطوقة بكثافة امنية محققا بذلك الردع النفسي للقادة الامنيين ومشيرا الى ان المنفذين من عناصر امن النظام السابق الذين تدربوا على ايدي اجهزة القمع في الانظمة الشيوعية المنهارة والتي زج بها داخل المنظومة الامنية دون تمحيص ومن خلال الرشوة التي تصل الى مبالغ طائلة ، ومع ان غالبية تعداد الاجهزة الامنية وطنية وموالية للشعب العراقي الاعزل ولا يمكنها الغدر به ، غير ان محترفي الجريمة السياسية يتمركزون في المفاصل المتحركة ويهيمنون على الادوات التنفيذية للقرار السوقي وللوجستي لجهاز الامن ، وان من وضعهم في تلك المفاصل يتفوق على العناصر المخلصة في الحرفية والتخطيط ويمتلك ادوات جرمية غاية في الدقة والمهارة وقادرة على اسكات مصادر الاعتراص او الاحتجاج ، وقبل ذلك تمكن محترفي الجريمة السياسية من اشاعة الفساد المالي والاداري في الاجهزة الامنية مستغلة اموال الدولة السابقة والحالية ومعتمدة على طرائق دعائية ونفسية قد تقنع الكثير من اصحاب النوايا الحسنة الغير متمرسة بالعمل العسكري والسياسي ويحصل كل هذا في اجهزة حديثة التكوين يعوزها ضبط عسكري وجهاز على ما هو عليه الضبط في الجيوش الصديقة وجهاز معلومات استخباري عال الدربة ومنظومة ثقافية مستقلة تعزز عند افراد الاجهزة الامنية الحس الوطني وشرفية الانتماء الى وطني .ولا يختلف اثنان على الاهداف التي تتجلى بكل وضوح في تسقيط سياسي لممثلي الغالبية (الشيعية) في عمل اجرامي استباقي لاجراء الانتخابات القادمة واظهار ((الغالبية)) الشيعية في البرلمان والحكومة الحاليتين على انها غالبية غير مؤهلة لقيادة التحولات السياسية والوطنية المعلنة والتي تشكل مطلب وطني متفق عليه من قبل الشعب العراقي كما يهدف الى الحيلولة دون حصول الغالبية على الاصوات الكافية لتفصيل الحكومة القادمة وتشكيلها تمهيدا لمصادرة المنجز الوطني للاكثرية بطرائق مبنية على خداع الرأي العام الدولي وركب موجة ((التغير الديمقراطي)) وصولا الى الهدف الاكبر المتمثل بمصادرة السلطة والبدء بتصفية الخصوم السياسيين ، والمتمعن في طرائق التنفيذ يجد ان محترفي الجريمه السياسية حكموا على انفسهم بالسقوط الاخلاقي والسفالة السلوكية بأرتكابهم جرائم زادت في دمارها وتفوقت في مساحتها على كل ما فعله الاحتلال الاجنبي وكنا ومعنا العالم كله يعلم ان مقاومتهم للاحتلال كذبة لم تنطلي على احد ، فجراذم مثل هذه لا تستثني الطفل الرضيع او المواطن الاعزل لا يمكن تصنيفها إلا في خانة جرائم الابادة الجماعية ، انها جرائم يراد منها افهام الشعب العراقي انهم ان ظفروا بتحقيق غاياتهم فأنهم سيقيمون حمامات الدم وهتك الاعراص والمجازر في كل شارع وحي ، وان لا مفر للناس إلا الاذعان والخضوع لهم ، ويبدو ان الغالبية المستهدفة غير آبهة لمخطط محترفي الجريمة السياسية والمتحالفين معها من الشطر الثاني السالف الذكر ، وبدلا من اتخاذ التدابير المناسبة بالتشاور مع الاطراف المؤمنة بالعراق الجديد واقامة تحالف واسع يضم تلك الاطراف لدرء الاخطار المحدقة بالجميع ، نقول بدلا من ذلك ، نسمع هنا وهناك تصريحات وافعال يراد منها مغامرة بكل ما انجزه الشعب العراقي بتضحياته الجسام ، وهي اقرب الى الطفولة السياسية منها الى التعقل والرؤية وتدفع بالعراق والعراقيين الى كارثة حقيقية .
https://telegram.me/buratha