جمعة العطواني
لا اتصور ان احدا ممن اكتوى بنار البعث، او تلوت على ضهره قابلوات الجلادين، او انتهكت عرضه امام ناظريه، او وضعت ابنته في كيس مع القطط المتوحشة، او ذابت اوصال والديه في التيزاب امام عينيه، او قطع لسانه لانه شتم الطاغية، او قطعت اذنه لرفضة الخدمة في جيش الظالمين، او فقد شقيقه او صديقه العزيز، او او او او .اقول لا يمكن تصور كل ذلك يجري امام عينيه ولعقود طويلة قضت على زهرة شبابه ويقول ان البعث اصبح من الماضي .نعم الذي يستطيع ان يعد البعث اصبح كذلك اولئلك الذين لم يتعرضوا الى شيء مما ذكرنا، او كانو يعيشون ضمن منظومة االبعث ويتفياون بفيئه وبعد سقوط النظام استفادوا من ( الفوضى الخلاقة ) ليصبحوا فيما بعد قادة وسادة في ظل الفوضى التي تعطي للبعض الفرصة ان يتسلق على رقاب الناس، وفي ظل الثورة التي ( تاكل ابناءها البرره )، وهذا النموذج يؤرقه استحضار الماضي خشية ان يعاد النظر به وبامثاله .هذا النموذج لايرى في استحضار الماضي مبررا ، بل يرى ان ذكر الماضي ماهو الا اجترار لا طائلة من ورائه .لكن اولئك الذين لازالوا يشعرون ان الماضي وماجرى فيه لابد ان يكون حاضرا بكل تجلياته المريرة، وآهاته الشجية، وزفراته الساخنة ،وآلامه المبرحة كي لايندثر هذا التاريخ الاسود كما اندثر تاريخ العديد من الطغاة والمستبدين ، بل تحولوا الى اولياء وصالحين وفاتحين ومحررين .هذا هو حال الاجيال التي لا يكون الماضي حاضرا في حركة مجتمعاتهم، لهذا تتكرر الطغاة ويعود الجلادون باسماء واوصاف اخرى وتعاد الماساة من جديد .ان مايحصل في العراق كان من احدى اسبابه نسيان الماضي او تناسيه، ومن اسبابه الاخرى وصول البعض الذين لم يتحسسوا بالام ابناء الشعب في معاناته ، نعم قد يسمعوا او يقراوا عن تلك الآلآم لذلك تجد شعار ( عفى الله عما سلف حاضرا في مخيلتهم )، ومن يريد ان يعرف مدى صحة هذا الكلام ما عليه الا ان يجول في بصيرته عن اسماء وهويات اولئلك الذين يحملون هذا الشعار، وينظر في ماضيهم وحاضرهم ليجد ما ذكرناه جليا واضحا .اما الذين قضوا ريعان شبابهم في قعر السجون ودهاليز الاقبية المظلمة فان مجرد سماعهم لهكذا شعارات يلعنون قائلها وقائدها وراكبها .لابد من التاكيد ان القفز على التاريخ او الاستخفاف بجرائمه يعد جريمة لا تقل عن جرائم الطغاة، لان ذلك من شانه ان يكون مدعاة لمزيد من انتهاكات حقوق وكرامة الانسان ، وان حملة هذا المشروع لايقولن ذلك لنسيان الماضي فحسب ، بل انهم يحملون نفس المشروع الظلامي ولكن بوجه اخر، وان حنق الناس وكراهيتهم من ذلك المشروع يمنعهم من التصريح او التلويح به، لكن سياسة التهدأة والتبسيط والتسطيح والتدرج في العودة هو الحل الامثل لاولئك من اجل العودة الى الماضي الاسود .لذلك نجد حملة هذا المشروع بدأوا بالقول ( ان البعث اصبح من الماضي ويجب طي صفحته )او القول بعدم تسييس موضوعة البعث وان القضاء وحده الكفيل بذلك _علما ان اغلب المجرمين لم يتركوا اثرا لجريمتهم - او ان اتهام البعث في اي جريمة تحصل يعدها هؤلاء انها غير صحيحة وانما تستخدم للاستهلاك المحلي .ولم يقف اصحاب( العودة) عند اعادة الجلادين الى مناصبهم التي كانوا فيها ، بل لابد من احتساب سنوات الجريمة وسنوات القتل وسنوات المحنة التي وضعوا الشعب فيها لا بد ان تحتسب لهم خدمة وبامتياز ، بل وتعدوا ذلك الى ان من كان يعارض ذلك النظام ما هو الا ماجور او عميل لانه ساعد على اسقاط نظام السلطة، ومن يراجع ارشيف تصريحات حملة هذا المشروع لايمكن ان يجد كلمة تدغدغ مشاعر المحرومين من ابناء شعبنا (ابناء المقابر الجماعية والانفال وحلبجة)، وحتى عندما تواجههم بهذا الجرائم فان افضل مايقوله اذا لم ينف صحة هذه الجرائم يقول( ان مايحصل اليوم في العراق لايقل عن تلك الجرائم)، وقد تغافل صاحب هذا القول ان ما يجري من مسلسل الدم في العراق تمتد جذور الجريمة فيه الى تلك السنوات المرة، وان الايادي المجرمة التي امتدت على اقدس نفس زكية في العراق نفس ( السيد محمد باقر الصدر ) هي نفسها التي تمتد الى هذه النفوس الطاهرة ، لكن بمساعدة ودعم من نظائرهم في مؤسسات الدولة .جمعة العطواني
https://telegram.me/buratha