د. طالب الصراف
خبر اراع وافزع كل انسان له ذرة من الشعور بانسانية الانسان انه زلزال اعقب سلسلة من الزلازل دون تحذير مسبق كما هو الحال في توجيه الانذارات المبكرة للناس قبل ايام او اسابيع من حدوث الزلازل عندما تشير مراكز الارصاد الى ذلك, وخاصة نحن اليوم في العراق يحسدنا الاخرون لان التكنولوجيا الاوربية وخاصة الامريكية ينعم بها العراق كما كانوا يتوقعون وسوف يكون حال العراق من التطور كاليابان والمانيا عندما احتلتهما الولايات المتحدة كما تحتل العراق اليوم. وفعلا ان الزلزال الاخير قد شاهده المرصد في هذه المرة وتوقع حدوثه كما جاء على لسان النائب الاقدم لوزارة الداخلية قبل اربعة ايام من وقوعه, وقد قدمت المعلومات وتم عرضها على اهل المراصد الذين هم على مسؤولية واختصاص اعلى من الوكيل الاسبق وفي الحقيقة الى اربع مؤسسات امنية الا انها لم تأبه من المختصين بأي اهتمام.
ان ما حدث في بغداد من تفجيرات في اليوم الثامن من شهر كانون الثاني 2009 يعد كارثة في حق ابناءه المدنيين من اطفال وشيوخ وعزل لايكتفي التعبيرعنها بالشجب والمؤاساة لأنها متكررة غير قابلة للوقوف مادام هنالك قوى محلية وعربية واجنبية قد شكلت موؤسساتها التآمرية على العراق ووحدته, ورغم ان الفرد العراقي والعربي والمسلم تعود على هذه المشاهد وكأنها هي مسيرته التي كتبت عليه ليشاهدها على مدار الساعة في بغداد وغزة واليمن والباكستان وافغانستان بل لاتخلو بقعة من بقاع هذه الامة الا وانفجرت فيها عين من الدماء وجفت عيون من المياه كما تجف مياه دجلة والفرات وتحل محلها ينابيع من دماء قانية طاهرة بريئة لم تختلط معها دماء الفساد الاداري والطائفي والعنصري ولا حتى قطرة واحدة من دم المحتل الذي هو السبب والمسبب بكل خراب يحدث في العراق.
واني واثق ان كبار علماء ومثقفي العالم وحتى في امريكا نفسها سوف لايكتفون بالشجب والموآساة فقط بل يحملون واشنطن المسؤولية عن هذه الاعمال الاجرامية, امثال العالم الامريكي الاكاديمي نوم جومسكي الذي يعتقد ان ضلعي مثلث الموت في الشرق الاوسط هما امريكا واسرائيل واما الضلع الثالث لكتابه "مثلث الموت" فهوالضلع الضعيف, ضلع المستضعفين في الارض ضلع المقاومة الفلسطينية التي لاتستسلم للذل والهزيمة مهما انطوت الاعوام وتعاقبت الاجيال, ضلع غزة النحيف المطل على مياه البحر الابيض المتوسط من مشارف ارض فلسطين السليبة, ضلع المستضعفين الذين ذكرهم الله في القرآن الكريم, وهو اصغر اضلاع خاصرة جسد فلسطين السليبة والبقية الباقية من المقاومة الشريفة على ارض فلسطين التي كانت ارض جذيمة والزباء, اللذان استوحينا فكرة المقالة من قصتهما.
انها الزباء او(زنوبيا) الملكة التي تبوأت العرش بعد مقتل ابيها على يد جذيمة الابرش. والعبرة في هذه القصة ان على الحاكم الا تحمله نفسه على الغرور والطمع اللامحدود كما هو عند الزعماء العرب من نزعة في الطمع والتوسع وبالاعتداء على الغير واشعال فتيل الحروب. والعبرة الثانية ان جذيمة لم يسمع الى استشارات الاخريين فكان دكتاتوريا فاستفرد برأيه مما ادى به جبروته الى الموت حين خدعته زنوبيا بجمالها لتصبح زوجة له واغرته بتوسيع ملكهما ليصبح جذيمة جلالة الملك المعظم. ولكنه وقع في فخ الملكة لتآخذ بثأر ابيها اذ طلبت بقطع شريانه وبدأ الدم ينسكب ويجري وهي تقول باستهزاء: لاتضيعوا دم الملك. فرد جذيمة عليهم وهو في الرمق الاخير من حياته: "دعو دما ضيعه اهله". والقصة اطول مما ذكرناه وفيها عبر اخرى.
ان شخصية جذيمة اليوم لاتزال موجودة تتقمصها شخصيات كثيرة من الحكام والملوك العرب اذ لاتخرج عن التفكير البدوي الذي يتحدث عنه ابن خلدون في كتابه المقدمة وتحت عدة عناوين من بينها"في ان العرب اذا تغلبوا على اوطان اسرع اليها الخراب" او" ان العرب ابعد الامم عن سياسة الملك" او" ان الاوطان الكثيرة القبائل والعصائب قل ان تستحكم فيها دولة". ورغم اختلافنا في بعض ما ذهب اليه ابن خلدون الا ان في كلامه الكثير من الواقع وخاصة في يومنا هذا وقد يفوق عما كان في ايام الدولة الاسلامية لما يمارسه اليوم الحكام العرب من انغماس في العصبية والجهالة مما اثر على الشعوب العربية تحت مقولة (الناس على دين ملوكها) فاضطرت الطبقة المثقفة الى العزوف من بذل الجهد في سبيل الوعي والثقافة وفضلت التمثل بقول الشاعر: "ولما رأيت الجهل في الناس فاشيا........ تجاهلت حتى ظن اني جاهل". لقد اصبح حكام العرب اليوم السبب الرئيسي في تخلف وتمزيق الامة العربية والاسلامية نتيجة لجهلهم ولطمعهم الذي استدعاهم الى الطمع في بلدان غيرهم ارضا وشعبا كما نرى ما يحدث من تدخلاتهم وتدخلات اسيادهم في العراق وغزة واليمن والباكستان وافغانستان بل وصلت اموال تآمرهم حتى الى الاقطار النائية في امريكا الجنوبية, ونتيجة لتصرفات تلك الدول العربية وليطيشها وغرورها انجرت الى حروب لاتحسب نتائجها وانها تعيش فوق بركان يتهيئ للانفجار لتدميرها كما دمر وهدم عروش الدكتاتورية في العراق, في وقت لايعرفه الا الله.
ان الميليارات من الدولارات التي تدخل اوتهرب الى العراق تأتي ومعها المتفجرات والالغام لتسفك دماء العراقيين لتسيل في شوارع بغداد كما سالت في شوارع بيروت وغزة وجنوب لبنان واليوم في اليمن وباكستان. ولكن سوف لايسلم منها الملوك والحكام العرب فسوف تسفك اطماعهم دماءهم كما سفكت وسالت دماء جذيمة فيقول البعض عنهم "دعو دما ضيعه اهله". ان البذخ اللامحدود من الدولارات التي تأتي لسفك الدماء الطاهرة تأتي من نفس المصدر الذي خصص خزينة لتمويل الارهاب في العراق هو نفسه الذي مول تفجيرات مركز التجارة العالمي في نيويورك الا انه حدث مرة واحدة وكانت فديته باهضة اذا قدمت الحكومة السعودية موارد النفط تعويضا عما حدث, وكذلك عليها الطاعة لاسيادها في تخريب ودمار العراق وغيره مما تؤمر به وليس لها الا التنفيذ. هذه الخزينة المومولة للارهاب تحولت اليوم مخصصاتها في الوغول والامعان في استمرار وديمومة نزيف دماء العرب والمسلميين وكذلك تصرف من اجل جمع المعلومات اللوجستية وشراء الاسلحة وتدريب المرتزقة لتقدمها هدية الى المخابرات الاجنبية التي تقف خلف هذه الحكومات العربية الهزيلة لفرض تعزيز سلطتها على شعوبها وللاطاحة بحركات التحرر اينما كانت.
ان المسؤول وخاصة الذي يدعي الاسلام يجب ان ينصف الناس من نفسه اولا ولايظلم غيره ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده, وليس شيئ ادعى الى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من اقامة على ظلم, فان الله سميع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد, وقد فصل واجاد امام المتقين(ع) في كتابه نهج البلاغة. ولكن الله سبحانه يأمرنا بنفس الوقت أن ترتفع اصواتنا بوجه الظالم وهو اوسط سلاح من اسلحة التقويم لاالمقاومة؛ الكلمة التي اصبح اليوم التخوف من استخدامها لكثرة التشويه الذي احاط بها. ان كل من نال من الوعي حظا قليلا يعرف ان الظالم يلجم افواه الاصوات الحرة ويوقف القلم بدولارات النفط ,الدولارات التي كان الاولى ان تقتل الفقرلا ان تقتل ابناء جنوب لبنان وغزة والحوثيين وابناء العراق الذين سالت دماؤهم لتصبغ شوارع بغداد بالوان الدماء القانية والتي هي اصفى وانقى واطهرمن قلوب الحكام العرب ومرتزقي دولاراتهم. وما علينا الا ان نعتبر بحال غيرنا الذين وحدتهم الثقافة والحضارة ولم يوحدهم اللسان كما هو الحال في اوربا, وعلينا ان نتأمل امرنا وحال تشتتنا والا سنكونوا اذل الامم دارا واجدبهم قرارا وسوف نتأسى بالمثل السائر"دعو دما ضيعه اهله".
ان تفجيرات سنة 2009 تختلف عن التفجيرات السابقة في حجم تدميرها واختيار اماكن تفجيرها التي استهدفت مؤسسات حكومية مهمة منها تابعة للمنطقة الخضراء وهذا يشكل وضع علامات استفهام على بعض افراد المؤسسات الامنية التي ازدادت فيها المتناقضات في ادارة شؤون البلاد نتيجة لنظام المحاصصة والتوافقات التي افسدت مسيرة مؤسسات الدولة الامنية وفسحت المجال لولادة وظهور الخارجين على القانون مرة اخرى وباشد ضراوة. وان حرب العصابات هذه تعتبر من نوع دراماتيكي اذهل الكثير من السياسين بل احدث هزة وادهش واثار استغراب الكثير من الذين يهمهم الشأن العراقي والحريصين عليه اكثر حتى من الذين يؤمنون بالمحاصصة والتوافقية ويحاربون الديمقراطية واستحقاقات الاكثرية كما هي في اوربا والدول المتحضرة. نعم ان الكثير من القائمين على دفة الحكم سواء ينتمون الى كتل قومية اومذهبية وهي حقيقة يستنكرها ويستهجنها اغلب المثقفين بل كل طبقات الشعب التي تؤمن بالديمقراطية وكذلك الشرفاء من الذين يساهمون في دفة الحكم. وان تكرار هذا النوع من التفجيرات والارهاب يعني ليس التحدي للحكومة فقط وانما يعني ان حرب العصابات اختارت مكان مبارزتها العاصمة بغداد بدلا مما كان على جبهات متفرقة فلا سبيل للقضاء على هذه العصابات الا بجمع الصف والشمل للخيرين من ابناء الشعب العراقي والا سوف تردد الاجيال "دعو دما ضيعه اهله" كما يردده البعض اليوم على القضية الفلسطينية.
واذا كان الامر كما يتوقع السيد رئيس الوزراء وغيره من المسؤولين بل حتى قوات الاحتلال ان التصعيد مستمر لقرب الانتخابات ولايمكن ايقافه اليوم, فهذا يعني ان حرب العصابات لاتحلها الا حرب شبيهة واكثر منها عدة وعددا من اجل دحرها وانهاءها تماما, وافضل من ذلك ان تسخر نسبة كبيرة من الاجهزة الامنية في متابعة هذه العصابات كما هو في الدول المتحضرة. وهل تعلمون ان وسائل الاعلام البريطانية تكشف لنا بان الذي يدخل في شارع اكسفورد في لندن تؤخذ له في حدود 300 صورة فوتوغرافية في الاجهزة المنتشرة على طول الشارع دون معرفة المواطن لها ولكنها من اجل خدمة وسلامة الانسان. واهم من ذلك ان هنالك نظاما تعارف وتعاقد عليه المواطنون ان يراقبوا ما حول بيوتهم وشوارعهم ومناطقهم واخبار السلطات الامنية عما يشكّون به ويطلقون على ذلك مصطلح Watch Dog وكذلك يساعدهم هذا النظام على الحفاظ على سلامة اطفالهم وغيرها من الامور التي تساعد على استتباب الامن والاستقرار والمنطقة ثم البلاد.
اما التفسيرات الاخرى التي تقوم على الاتهامات وتمزيق وحدة الصف العراقي فلا تعني الا الادغال وسفك ونزيف دماء الابرياء من الشعب العراقي وليس من المسؤوليين القائميين على مسؤولية الامن في العراق او قوات جيش المحتل وافراد اجهزته الاخرى التي يتجاوز عدد افرادها اعداد قواته المسلحة. وسوف يرافق ذلك الاحباط تقديم تنازلات اخرى ثم اخرى على حساب العميلية الديمقراطية والمساومة على حساب مصلحة الفقراء التي لاتبنى ولاتتحقق الا بديمقراطية مباشرة دون قوائم مغلقة او تدخل قوى الاحتلال ودول الجوار التي تحالفها من اجل جعل العراق متراجعا وراكسا في مستنقع راكد لاشراع ولااتجاه له.
وفي الحقيقة اني لاادرك التخوف الذي يشير اليه اكثر سياسي العراق وكذالك اعلام المحتليين بان عمليات التفجير سوف تزداد كلما تقرب فترة الانتخابات البرلمانية, فان كانت هذه التصريحات تعني الناخبيين وتخوفاتهم من هذه التفجيرات فالجواب ان هذا النوع من التحليل لاواقع له لان الواقع ان الناس لم ينقطعوا عن اعمالهم حتى البسيطة منها وقد اعتادوا على ذلك بل تحدوا الارهاب بزياراتهم المليونية للأمة الاطهار(ع) ولم يرمش لهم طرف عين. ولكن كل هذا النوع من الاعلام وغيره من المقولات السائدة بين الناس التي يطرحها اعلام الاجندات التي تقول على سبيل المثال ان التفجيرات تعزى الى الفراغ الذي تركه انسحاب القوات الامريكية من شوارع بغداد بالاضافة الى رفع الحواجز الكونكريتيه, فهذا تفسير مسؤولة عنه الجهات والشخصيات التي تحملت وزر واعباء المسؤولية الامنية سواء كانوا من العراقيين او قوات الاحتلال من الامريكيين اتجاه الشعب العراقي , وان ما وراء الأكمة ما وراءها. ومن نافلة القول ان التفاؤل بانتخابات برلمانية حرة نزيهة تحكم عن طريقها الاكثرية مهما كانت صبغتها وتصنيفها سوف توقف نزف الدم العراقي باعتبار ان نتائج الانتخابات عبارة عن ميثاق بين افراد المجتمع العراقي الاسلامي الواحد هذا الميثاق الذي التزم به المسلمون ليس فيما بينهم فقط بل حتى مع اليهود الذين عاشوا بينهم كما جاء في محكم القرآن الكريم:واذا اخذنا ميثاقكم لاتسفكون دماءكم ولا تخرجون انفسكم من دياركم ثم اقررتم وانتم تشهدون". نعم ان المواثيق تحترم وخاصة اذا كان كل افراد المجتمع يصوتون من اجلها, الانتخابات ميثاق امام الله وامام المجتمعات المتحضرة التي تقر بنتائجها وتستسلم لحصيلتها وهي الحد الفاصال في انقاذ الشعب العراقي من محنته ومن المؤامرات التي تحيط به من كل جانب, وسوف ينقلب المثل الذي اطلقه جذيمة الى مثل يقابله ويعارضه في المعنى"ما ضاع حق وراءه مطالب".
د. طالب الصراف لندن
https://telegram.me/buratha