منى البغدادي
لسنا من المولعين بقراءة الفنجان او الكشف عن الغيب او الاستفتاح بالفأل وان السياسة تعني فيما تعنيه فن الممكن وفن المتغيرات وهي تستبعد تماماً الرجم بالغيب او التحليلات الاستنتاجية الخاضعة للذوق والاحتمالات البعيدة عن الاستشراف الاستدلالي والبرهاني.ولكن ضمن مؤشرات الواقع العراقي ونبض مخاضات الاستعدادات الانتخابية القادمة يمكن ان نضع تصورات وتوقعات بعيدة عن الطوبائية او واللامنطقية.وما سنطرحه في هذا السياق ليس كشفاً للاسرار او رؤية استباقية مبكرة سابقة لاوانها بل ما سنستشرفه رؤى وتصورات لا تجانب الحقيقة ولا تنأى عن الواقع والمتوقع السياسي في العراق.ويمكن الاشارة العابرة الى اهم تلك القراءات المبكرة للمشهد الانتخابي القادم في العراق وضمن النقاط التالية:القراءة الاولى : لا يمكن التكهن بنتائج الانتخابات القادمة بسهولة وبارقام متقاربة كالتي حصلت في الانتخابات النيابية السابقة وفرز الخنادق وانكشاف الاوراق فان المراقب للشأن الانتخابي العراقي السابق كان يتوقع ما هو واقع ويستشرف طبيعة الكيانات والكتل وتوزيعها وبارقام تبدو دقيقة او متقاربة وربما انسجمت كل التوقعات في اجماع تصوري لم يفارق الحقيقة والنتائج الفعلية التي افرزتها الانتخابات السابقة وربما اسباب ذلك تعود الى طبيعة الاصطفافات الطائفية او ووضوح الكيانات المتنافسة والتي توزعت بين ثلاث رئيسيات يمثلن اهم المكونات العراقية (الشيعة والسنة والكرد) وهي الائتلاف العراقي الموحد وجبهة التوافق والتحالف الكردستاني، بينما في الانتخابات القادمة لم تكن التصورات الرقمية والحسابات المتقاربة لطبيعة النتائج بالشكل السابق بسبب تداخل الكيانات وتعددها وتقاربها وانقسام جبهة التوافق الى ثلاث كيانات او اكثر وانقسام الائتلاف العراقي الموحد الى ائتلافين هما الائتلاف الوطني العراقي وائتلاف دولة القانون وانضمام كل شخصيات المكونات العراقية الى جانب المكون الاخر، على ان هذه القراءة لا تشمل التحالف الكردستاني الذي لم يتغير وفق كل الحسابات وستكون نسبته من المقاعد نفس المقاعد السابقة مضافاً اليه الفرق الجديد والزيادة في مقاعدة مجلس النواب البالغة خمسين مقعداً ستتوزع بحسب حجم الكيانات المتنافسة مع احراز النسبة التقريبة للتحالف الكردستاني وضمانته لثلاث محافظات رئيسية لم تصوت لغير هذا التحالف وهي (اربيل ودهوك والسليمانية) بالاضافة الى بعض مقاعد الموصل وكركوك وديالي وبغداد رغم ان التحالف الكردستاني سيخسر بعض مقاعده من غير محافظاته الثلاث بسبب الدوائر المتعددة وتشتت اصواته في المحافظات العراقية الاخرى. القراءة الثانية : طبيعة التصعيد الانتخابي في الحملة الانتخابية سيتخذ مسارات خطيرة مدعومة بالضخ الاقليمي وسياسة المحاور وبالقدر الذي سيتجاوز السلوك الانتخابي والهدوء السياسي وربما ستلجأ بعض الكيانات الى استخدام سياسة الارض المحروقة او العمل وفق قاعدة " اقتلوني ومالكاً" او "اذا مت ضماناً فلا نزل القطر".التنافس الانتخابي سيكون على اشده وفي ذروته في الانتخابات القادمة وستستخدم فيه كافة اسلحة المعركة الانتخابية المشروعة والممنوعة والمسموحة والمحظورة ولا نستبعد ان تسهم الفضائيات في كشف المستور وممارسة الكذب والتزوير وقلب الحقائق.التزام السلوك الانتخابي واخلاقية التنافس ستكون صعبة او غير ممكنة في طبيعة الاداءات الدعائية القادمة وستشحذ بعض القوى المأتلفة جديداً كل اسلحتها لمواجهة الطرف الاخر الذي يمثل الحكومة الحالية ويطمح لتشكيل الحكومة القادمة.وربما تجد هذه القوى المتنافسة والمتصارعة طمعاً بتشكيل الكيان الذي يتأهل لتشكيل الحكومة نقاط ضعف لدى الطرف الاخر من تردي الخدمات وضعف الجانب الاداري وملف الكهرباء والمعتقلين والامن بينما سيلجأ الطرف الاخر بفتح ملفات خطيرة تتعلق باجتثاث البعث او المساءلة والعدالة لتشويه الطرف الاخر الذي يتمحور حوله البعثيون.وفي سياق هذا السجال التشويهي قد يلجأ كيان معين يحرص على الاحتفاظ بالحكومة لدور قادمة الى تشويه خصمه العنيد عن طريق ضرب البعثيين وفتح كل الملفات المؤجلة ضدهم عبر تفعيل قانون المساءلة والعدالة من جهة وتطبيق البند الدستور الذي يطالب بحظر نشاطات حزب البعث وقد يتخذ هذا الطرف اسلوباً تعميمياً خاطئاً بين البعثيين المتورطين قهراً وطمعاً وخوفاً بالانتماء لحزب البعث وبين البعثيين الصداميين وهو ما يحشد هؤلاء في خندق خاطىء لمواجهة المخاوف القادمة.وفي خضم هذا التصعيد الخطير والتنافس المرير بين تلك الكيانات والتي سيكون اهم محاورها البعث سيضع القوى المهاجمة للبعثيين امام محك خطير واختبار عسير باعتبارها ضمت من بينها شخصيات تدافع اساساً عن البعثيين بشكل عام واوعدتهم في حال حصولها على دورة حكومية ثانية ستبادر الى اعادة الضباط السابقين الى مواقعهم بعد عودتهم من القاهرة وعمان ودمشق.والحظ الاوفر في هذه المعركة الانتخابية سيكون لصالح الائتلاف الوطني العراقي الذي سينأى بنفسه قدر استطاعته عن هذه الصراعات والاحترابات الانتخابية وسيمارس دوره بحكمة وذكاء دون التورط بالانحياز لاي طرف من اطراف الصراع.ومن هنا يتضح للجميع اسباب اصرار الاتئلاف الوطني العراقي على اهمية ان ينطلق بائتلاف واحد دون ائتلافين لمواجهة كل المستجدات والمتغيرات والتحديات رغم ان هذه الرغبة الائتلافية التي تمظهرت باصرار وحرص شديدين اغرى بعض اصدقائنا بالابتعاد معتبراً ان هذا الاصرار ناجم عن توسل وضعف ومصلحة فئوية متناسياً ان حكمة الائتلاف الوطني العراقي ورغبته هي فوق المصالح الفئوية والظرفية والحزبية.
https://telegram.me/buratha