بقلم : هاشم حسين .
خلال سفرنا الى محافظة دهوك احدى محافظات كردستان العراق ، للمشاركة في دورة اعلامية مختصة بالتغطية الانتخابية ، مررنا بمدينة تدعى ( بردرش ) هذه المدينة التي تحولت الى قضاء مؤخراً اختزنت قصصاً مأساوية لقرىً تمتد على مساحات واسعة ، من الاراضي التي تمتد بينها وبين اربيل من جهة ، وبينها وبين دهوك من جهة اخرى . عند المرور بهذه الاراضي حدثنا اهاليها عن الدمار الذي لحق بهم عندما قام جيش النظام البعثي البائد ، بتدمير اكثر من اربعة الاف قرية وتسويتها بالارض ، وتهجير سكانها الى معسكرات شبيهة بالسجون او معسكرات اللاجئين في وسط وجنوب العراق . أما السبب فقد كان لجوء بعض مقاتلي البيشمركة الى هذه القرى للاختباء فيها ، اثناء الاشتباكات العسكرية مع قوات النظام البائد ، ولكي لا يجد مقاتلوا البيشمركة مكاناً يختبئون فيه قام جيش النظام بتفجير هذه القرى باجمعها مستخدماً الديناميت ، ليسوي كل الابنية في هذه القرى بالارض ، دون ان يمنعه عن فعلته هذه وجود المساجد والمدارس والبيوت الامنة في هذه القرى ، لتتحول خلال ايام الى ارض جرداء خالية الا من الانقاض .
هذه احدى تجارب الشعب العراقي مع حكم حزب البعث الذي دام 35 عاماً في العراق ، كانت حافلة بالموت والخراب والدمار سواء من خلال الحروب العبثية التي خاضها ، او من خلال السجون والاعدامات التي طالت ابناء العراق من الشمال الى الجنوب ، لقد بدأت حديثي عن هذه القرى لانني لم ارد ان اكرر الحديث عن مأساة حلبجة فالكل يعرفها ، ولم ارغب بالحديث عن قمع النظام البائد للانتفاضة الشعبية عام 1991 في شمال العراق وجنوبه ، فقد عاشها الجميع وكانت المقابر الجماعية التي نبشها العراقيون في محافظات الوسط والجنوب خير شاهد على دموية النظام البعثي المقبور ، كما ان الحرب مع ايران ليست بعيدة عن ذاكرة العراقيين ، حين اعطى العراقيون مئات الالاف من الضحايا لأن صدام حسين قرر الغاء معاهدة الجزائر التي وقعها العراق مع ايران عام 1975 لترسيم الحدود بين الجانبين ، الا انه بعد ثمانية اعوام من الحرب وعامين من المفاوضات مع الجانب الايراني ، عاد النظام المقبور ليعترف بمعاهدة الجزائر في عام 1990 ويأمر جميع القطعات العسكرية العراقية بالعودة الى الحدود التي اقرت في المعاهدة المذكورة عام 1975 !!! وهذا الامر جاء بعد غزو النظام البائد لدولة الكويت فكان لزاماً عليه تأمين الجانب الايراني ، ليتفرغ لمغامرة جديدة خاسرة على حساب الشعب العراقي ، وبذلك ذهبت الدماء العراقية التي سالت على جبهات القتال مع ايران طوال سنوات سدىً ، او كما يقول المثل الشعبي ( بولة بهورة ) .
وبعد انتكاسة ( ام المهالك ) في الكويت عاش العراقيون اقسى ظروف العيش بسبب الحصار الاقتصادي ، وبينما يعاني ابناء الشعب العراقي الامرين للحصول على رغيف الخبز ، وبينما لجأت معظم العوائل العراقية الى التقليل من استهلاك المواد الغذائية الاساسية مثل الرز والسكر لانها لا توزع بكميات كافية في الحصة التموينية ، وهي لا تملك المال الكافي لشراء هذه المواد باسعارها التجارية ، حتى اصبحت معظم العوائل لا تشتري الحلويات او الفواكه مثل التفاح والموز ولا ترى من المشروبات الغازية مثل ( البيبسي ) و ( السفن اب ) الا علبها الفارغة . في هذه الظروف الصعبة بدأ الرئيس المقبور بحملة بناء قصوره الشاهقة التي زادت على الاربعين قصراً في مختلف مناطق العراق ، وقد بلغ البذخ في بناء هذه القصور الى درجة ان تكلفة بناء قصر واحد منها يكفي لبناء مدينة كاملة من مدن العراق ، الا ان معظم مدن العراق كانت تعاني في ذلك الوقت من نقص حاد في البنى التحتية والخدمات الاساسية ، فهي لا تملك شبكات للصرف الصحي ، ولا تملك الكمية الكافية من الادوية ، كما تراجع التعليم الى ادنى مستوياته ، فالمعلم لا يكفيه راتبه الشهري اسبوعاً واحداً ، والموظف الشريف لا يستطيع شراء ملابس جديدة له او لعائلته ، لتصبح الرشوة من مستلزمات المراجعة للدوائر الحكومية . كل هذا والنظام يسعى الى حرب جديدة ومغامرة اخرى يهدر فيها دماء العراقيين قبل اموالهم ، حتى كان عام 2003 الشاهد على اخر مغامرات النظام ، وعلى خلاص العراقيين من حكم دموي ومن حزب زرع الفتن والدمار طوال 35 عاماً من حكمه للعراق .
رغم كل ما ذكرناه وما مر به العراقيون من محن وكوارث لم نتعرض الى الكثير منها في هذه السطور ، ترتفع هذه الايام اصوات نشاز ، تسعى الى اعادة البعثيين للحياة السياسية وتحاول تبرئتهم من كل هذه الجرائم باسم المصالحة والتوافق الوطني . يقول المثل الشعبي ( اسأل مجرب ولا تسأل حكيم ) والعراقيون جربوا حزب البعث ، فعرفوه حزباً دموياً لا يؤمن بالتعددية ولا يعرف الديمقراطية الا الشكلية منها داخل تنظيماته فقط ، وهو لا يتبع الا الطرق الدموية للوصول الى اهدافه ، أما ما يعيشه العراق الان من حياة دستورية ، تنتهج السبل السلمية لتحقيق الاهداف السياسية ، والايمان بالتعددية والمعارضة السلمية ضمن الوطن الواحد المنفتح على جميع مكونات القومية والدينية والطائفية والمذهبية ، فان حزب البعث لا يعرف هذه الحياة ولا يرحب بها ، فكيف يمكن ان يعود ؟ ! وبأي وجه يقابل البعثيون ضحاياهم من العراقيين ؟ ! كيف سيبررون لأم وجدت رفات ولدها الوحيد في احدى مقابرهم الجماعية ؟؟؟ ماذا يكون جوابهم لطفل لم يتجاوز الخمسة اعوام من عمره وهو يرى جثمان ابيه المعدوم برصاصهم ؟؟؟؟؟ هل بامكانهم أن يجففوا دموع الملايين من اليتامى ، والارامل ، والامهات الثكالى ، نتيجة مغامراتهم الدموية ؟؟؟! هل . . . ؟ وهل . . . ؟ وهل . . . ؟ وعشرات الاسئلة الاخرى التي يطرحها العراقيون ، اذا وجد البعثيون اجابات لها . . . . عندها يمكن الحديث عن عودتهم .
https://telegram.me/buratha