( بقلم : علي حسين علي )
قبل اكثر من شهرين أطلق الاستاذ نوري المالكي مبادرة المصالحة الوطنية، وبعد ذلك بأيام أقرها البرلمان والحكومة ومجلس الأمن الوطني..وعقد مؤتمر العشائر العراقية وأصدر بياناً وميثاقاً إلتزم فيه المؤتمرون على مواصلة العمل لترسيخ المصالحة الوطنية..وأثر هذا المؤتمر الذي حضره اكثر من 600 رئيس عشيرة عقد مؤتمر ثانٍ لمنظمات المجتمع المدني واصدر بياناً اكد فيه اعضاء المؤتمر البالغ عددهم حوالي 1500 من قادة وممثلي المنظمات العاملة في مجال النشاط المدني الثقافي والعلمي والاجتماعي والخدمي يؤكد على أهمية المصالحة الوطنية وعظم تأثيرها على الساحة الوطنية في تثبيت السلم الاجتماعي ومحاربة الارهاب..وبعد أيام سيعقد مؤتمر ثالث للاحزاب والحركات السياسية العراقية للخروج برأي متقارب أو موحد لترسيخ السلم وتثبيت الأمن واعداد الخطط والبرامج لمكافحة الارهاب.
إذا لم تتوقف مبادرة المصالحة الوطنية منذ يوم اطلاقها حتى الآن، بل سارت في مجالاتها واعتمدت آليات عديدة للوصول الى مصالحة وطنية حقيقية. لقد تفاعلت قطاعات واسعة من مجتمعنا مع مشروع المصالحة الوطنية، وأصبح العراقيون ينظرون إليها على انها واحدة من أهم الطروحات لتفادي العنف الذي حلّ بالبلاد قبل ثلاثة أعوام وحتى يومنا هذا..لكن، في الجانب الآخر، كان طرح المبادرة ومن ثم مشروع المصالحة والحوار الوطني يقابل من قبل الارهابيين التكفيريين والبعثيين الصداميين بمزيد من التصعيد في العمليات الوحشية والمجازر البشرية واستهداف المواطنين على الهوية والقتل صار مجانياً إذ لا يوم يمر حتى تعثر أجهزة الشرطة على العشرات من الجثث مجهولة الهوية وهي بالتأكيد ضحية من ضحايا الارهاب الذي اشتد في هجماته خلال الشهرين الماضيين، وكأن الارهابيين قد أرادوا أن يبينوا رفضهم للمصالحة وإعلان حربهم على جميع الأطراف الساعية لها والداعية لتثبيتها. وأصبح المواطن العراقي في حيرة شديدة من أمره أمام وضع غريب ومخيف في وقت واحد، ولعل سبب الغرابة فيه هو أن تقابل الكلمة الطيبة بمزيد من المجازر ومفخخات السيارات والاجساد..ولعل الخوف في هذا الوضع هو أن الارهاب قد تصاعدت وتيرته أمام فرصة تسامح اعطت للمضللين أو للمخطئين فرصة للعودة الى الحياة الطبيعية ومن ثم لابعاد البلاد والعباد عن الرعب والخوف اليومي والفعل الاجرامي ورد الفعل أزاءه.
وإذا كانت المصالحة تسير في مساراتها بصعوبة بسبب ما تتعرض له في عقبات يضعها بعض السياسيين هذه المرة على طريق مسيرتها..فان الارهابيين التكفيريين قد حصلوا في ظلها على(هدنة)أتاحت لهم أن يستولوا على كامل محافظة الانبار وعزلها تماماً عن سلطة الدولة ويقيمون عليها امارة طالبان..وكذلك الحال مع معظم مساحة محافظة صلاح الدين..ومثل هذا أيضاً في أغلب أراضي محافظتي الموصل وكركوك..بل أن الارهابيين التكفيريين أقاموا العديد من الامارات الطالبانية في محافظة ديالى أيضاً..واستمر الارهابيون المتواجدون في المناطق المتاخمة لبغداد بارسال السيارات المفخخة بالعشرات لنفجر في بغداد وضواحيها لتقتل المدنيين الابرياء..واستغلالاً للهدنة الحكومية التي كانت من جانب واحد، فقد قطع الارهابيون التكفيريون والبعثيون الطرق على العاصمة وحولوها الى مقابر جماعية، وجعلوا منها مكامن لاختطاف الركاب القادمين الى بغداد بالعشرات يومياً وقتلهم ورميهم في(دجلة الخير)! ولم يتوقف الارهابيون التكفيريون خلال شهرين من تهجير اتباع آل البيت وترويعهم وطردهم من بيوتهم ومزارعهم والاستيلاء على وأملاكهم ومحالهم..ولا يستطيع المراقب السياسي أن يتنبأ بما يحصل غداً..فالموت يتربص بالعراقيين في كل مكان وكل ساعة.
فان من أطلق المبادرة والكثير من الخيرين امثاله يأملون بأن عمل الخير لا بد وأن يقابل بمثله..وليس حقيقياً القول بأن مطلق المبادرة ومن أيده وساعده ووقف إلى جانبه لا يدركون بأن الارهابيين التكفيريين سيرفضونها وسيقابلونها بمزيد من العنف..انهم على معرفة بكل ذلك، ولكن ديدنهم وآخلاقهم وما تربوا عليه من قيم ألزمتهم بالتسامح أولاً..ولهم أسوة في ذلك بنبيهم العظيم يوم قال للكفار من قريش:(إذهبوا فانتم الطلقاء).فضلاً عن ذلك فان من أطلق المبادرة كتلة الائتلاف العراقي الموحد النيابية قد ارادوا أن لا يتحملوا وزراً اذا لم يدع للتصالح وفسح الطريق للضالين..كان الائتلاف العراقي ورئيس الوزراء على يقين بأن المصالحة تستحق الكثير من التضحيات، وينبغي أن يعطى لها الوقت والصبر أيضاً..لأنها-أي المصالحة-هي آخر فرصة للذين يريدون أن يعودوا عن غيهم، فان كان بها فخير على خير، وان لم يكن فمن المستحيل أن يظل غصن الزيتون مرفوعاً أمام من لا يقدر قيمة السلم والأمن..ويحين عندها لليد الأخرى التي تحمل سيفاً.
وأخيراً نقول ان المصالحة سواءً نجحت أو أفشلها الارهابيون المتوحشون، فان طرحها يظل صحيحاً وشرعياً..ولكن عندما يتأكد بأن العدو التكفيري والبعثي الصدامي يريد أن يستفيد من أجواء التسامح باتجاه ايذاء الشعب العراقي وقتله وتدمير مؤسساته ليصبح لزاماً على الحكومة أن تقوم بواجبها الشرعي ازاء مواطنيها..وعلى الباغي تدور الدوائر.
https://telegram.me/buratha